التراث الثقافي والمعتقد الديني
تسلط هذه الرواية الضوء على واقع الحياة داخل الواقع العربي عقائديا وثقافيا واجتماعيا وسياسيا مع التركيز على تطور الأنا الشرقية العربية على مدار عقود خلت، وعلى المجتمع الحديث الذي يتركب من فسيفساء تتألف من فئات متعدد ومجموعات إثنية وعرقية مختلفة.
ان الحديث عن الرواية يفرض تعريفها تعريفا يميزها عن القصة والقصة القصيرة او القصة القصيرة جدا.
ان كان ميخائل باختين يرى أن تعريف الرواية لم يجد جوابا بعد بسبب تطورها الدائم. فبعض الدارسين في هذا الشأن لهم راي اجر وهذه بعض التعاريف المتداولة.
-1- إن رواية كلية وشاملة وموضوعية أو ذاتية، تستعير معمارها من بنية المجتمع وتفسح مكان التعايش فيه لأنواع الأساليب، كما يتضمن المجتمع الجماعات والطبقات المتعارضة جدا في مجتمع يتوافق ويتنافى فيه المعتقد مع التقاليد
-2- هي جنس أدبي يشترك مع الأسطورة والحكاية في سرد أحدات معينة تمثل الواقع وتعكس مواقف إنسانية.
-3- هي أوسع من القصة في أحداثها وشخصياتها، عدا انها تشغل حيزا أكبر وزمن اطول، وتتعدد مضامينها، منها الرواية العاطفية والفلسفية والنفسية والاجتماعية والتاريخية، إلى غير ذلك من المواضيع
ان رواية متتالية حياة تجبر القارئ التوقف عند عدد من الظواهر والتفاعل مع الصور انطلاقا من السؤال التالي: فيما فكر الروائي أحمد طايل وكيف ركب الأحداث والوقائع، وهل كانت سلطته هي المتحكمة أم سلطة الواقع المعاش في صعيد مصر لمجتمع يعيش عدة متناقضات؟
إذا كان من حق الروائي المبدع التأثر والتأثير. فكذلك من حق القارئ او الناقد أن تكون له قراءة تفكك رموز ودلالات الرواية، بمعنى حرية القراءة.
ربما هذا ما اعتمد عليه الروائي في الربط بين العقيدة (القدر، المصير، الرضا، الحمد والشكر) وواقع الحياة من ألم وحزن، السعادة، الوعود، الإهانة، الكرم، إلى غير ذلك...
هذه القراءة لم تهتم بأدبية النص، بل الغاية منها كانت هي الاصغاء والحوار مع ملفوظات الروائي بصورة تجريدية حين يتكلم عن الجلاد والضحية وباسم الجاني والمجني عليه. وليس بلغة من يصدر أحكام. وهل الروائي تجاوز ذاته واستطاع خلخلة فكر المتلقي لمواجهة بعض اشكال سلطة التقاليد والعادات المسيطرة على بعض الطبقات في المجتمعات العربية والاسلامية.
أ - يبدأ يومه على سجادة الصلاة وينهي يومه أيضا على سجادة الصلاة
ب - إن البشر أماكن مغلقة ولكل منها مفتاحه
اعتمدت على هاتين الاشارتين لتحليل النفسية المجتمعية المضطربة في العالم العربي. فبعد قراءة مقصد الراوي أحمد طايل.. في تسمية متتالية حياة
فالمتتالية هي صيغة لفعل تتالى، وتؤدي إلى مجموعة أحداث تتزايد أو تتناقص على التتالي بمقدار ثابت ذات معنى غني بالتصورات المتكتم او المسكوت عنها
مقاطع من الرواية
- "أنت يا امرأة تعرفين جيدا أننا قبلنا بوجودك بيننا رغما عنا. بعدما جاء بك مجاهد اخي بعد غياب اعوام لا نعرف اين كان ولا ماذا فعل وعمل.. جاء بك تحملين على يدك ابنا.. وحاملا.. لا نعرف لك أصلا ولا فصلا ولا أهلا"
- "الأمر الأول وهذا أيضا كرها عنا.. هو أن تتزوجي أحدنا.. وتعيشي لتربية أولادك.. وتنسى إنك تزوجت مجاهد.."
إنه حوار موضوعي حقيقي اعتمده الروائي. ولم يستخدم مقولات جاهزة للفهم كما لم يتناقض مع الحكي التي تكون فيه البداية والنهاية معروفة سلفا. لم يطمس هوية الشخصية، بل يعطي الحوار قوة توصيل ما لفهمنا الأشياء كما هي في مجتمع الصعيد المصري. فيتحول النص إلى مجرد وسيط موضوعي يحمل رسائل المؤلف إلى القارئ.
مقاطع من الرواية
- "كيف أتزوج وأنا على ذمة رجل حتى لولا نعرف عنه شيء.. حي أو ميت.. كيف.. هذا ليس من شرع الله.. ثم، حتى لو إنني لست زوجة.. لن اتزوج مرة اخرى.. ياريت تتقى ربنا وتعرف الدين والشرع.. اتقوا الله في لحمكم وفى عرضكم.. اتقوا الله في غيبة اخوكم الغائب طول عمره من اجلكم.. تغرب لسداد رهنية أرضكم.. تغرب ليبني بيتا لم نسكنه.. عشت بينكم ولم أطلب يوما شيء.. لا آكل، ولا شرب، ولا علاج، ولا ملابس ولا أي صنف من صنوف الحياة.... اشتغلت كل شيء رغم. حقي وحق أولادي وحق زوجي "
- "ما بقي امامك الا الأمر الآخر.. هو أن تذهبي حالا لحال سبيلك وتنسى تماما أنك عرفتي هذه البلدة.. وعرفتينا.. تنسى كل شيء.. تخرجي حالا انت وأولادك بلا عودة.. وبلا عودة لأي مكان بالصعيد.. وقسما بالله ان لمحتك يوما بمكان لتكون نهاية حياتك."
نه يضعنا وجها لوجه أمام الحقيقة في كل صورة على حدة، ويتجاوز ظاهر الصورة إلى باطنها. وهذا يتطلب الحفر والتفكيك، بحثا عن المتعدد من معاني الصورة. لذلك نجد تجسيد العلاقة والسلطوية ومصادرة الحقوق في وسط يعتقد أنه متدين يحمل معاني الإنسانية والأخلاق الدينية.
مقاطع من الرواية
- "أسمع يا مجاهد يا أبني.. الكلام الذي سوف أقوله لك تعدني بعدم معرفة أحد به إلا بعد وفاتي.. أنا اعرف كل واحد منكم جيدا.. أرى أنك الوحيد الذى يحمل قلبا نقيا طاهرا لا يهدف باستغلال أو طمع"
- " يعود من جلسته اليومية.. يذهب على الفور إلى الحمام.. يأخذ دشا دافئا يجدد به نشاطه.. أعتاد أن يأخذ وقتا طويلا.. يخرج مرتديا البرنس على اللحم.. يغلق باب الغرفة جيدا.. يقف أمام المرآة.. يتعرى.. يتأمل جسده والتغييرات التي تحدث به كل يوم.. ازدادت سمنته قليلا.. رغم عدم خروجه عن برنامجه الغذائي.. بعضا من التجاعيد.. زادت مساحتها.. ازداد احتلال الشعر الابيض لغالبية رأسه."
- "هذا محمد مجاهد.. تذكروا اسم هذا المصري.. قريبا سوف يكون على قمة العلم"
- "عرب متخلفين، حفاه.. عراه.. يرتدون الأسمال لا يعرفون المدنية.. يعيشون بالخيام.. سلوكياتهم كلها بدائية عشوائية... لا يعرفون إلا العنف. هم ليسوا ادميين.... رعاع."
في مجتمع لم يتحرر من قيود الا منطق تبقى صورة التراث هي الرابط بالمعتقد الديني فتجعل منه القداسة أكثر من النص الديني في غالب الأحيان. إنها طريقة محاكاة التقليد كما ورث دون وعي، رغم أن هذا التقليد أعمى، يرى بعين الحقيقة على أنه مدنس تقف وراءه أفكار وثقافة غير مصفاة تتعالى على الحقيقة.
الرواية ليس موضوعا لفكرة محددة واضحة، بل مجموعة من الأفكار مفتوحة على دلالات متعددة، تترك إنتاج المعنى للقارء والمتلقي، إنها متعددة الصور تحكي مفارقة المتكلم ولواقعه في عالم العزلة حيث لا أحد إلا هو ومن ثم تنتقل إلى ما يمكن أن يوصف بالسقوط في عالم الواقع فيحكي صراع المتكلم مع واقع جديد.
(مقاطع من الرواية)
- "هنا تجد قمة شديدة العلو وأخاديد شديدة العمق حكوماتهم ومسئوليهم يجيدون فن المكياج فن التلون وكيف لا وهم اساتذة في فن الزيف، لديهم إدارات متخصصة في تحليل المجتمعات والبلدان يعكفون دون ملل أو كلل مهما امتد الوقت، يدرسون تكوينات الهوية لكل دولة حتى يمتلكون الطريقة والوسيلة لأن يخترقوا الشعوب بحرفيه شديدة ويمتلكوا زمامها وهذه تندرج تحتها مئات بل آلاف العناوين الفرعية، زمام اقتصادي، ثقافي ، سلوكي ، استهلاكي تقديم أنماط مبهرة من الإغراء الحياتي الذى يجعل انسياب اللعاب يسيل.
- "اكتفى بهز رأسه موافقا كلام أبيه، الوقت وقت صلاة العشاء دخلوا المسجد
- "تعال صلى أعرف أنها ربما صلاتك الأولى، ويارب تكون بداية هداية الله لك، يارب يتقبل منك وأشار السائق أن يذهب معه وتعريفه الوضوء، أخذوا أماكنهم بين المصلين كلما ركع أو سجد يبكي بصوت مسموع بكاء الخشوع بكاء الشوق، آثار دهشة من يجاورونه انتهت الصلاة، جلس زائغ
- "هذا المسجد أول عمل لك بالقرية مفهوم هذا حق الله وحق قريتنا علينا.
إنه نص المواجهة والصراع مع عالم الواقع. ليس نص مصمم. لا داخل له ولا خارج، بل ان أحدات الرواية اسئلة من روائي وسائل عليم بحال مجتمعه. أي أنه يعلم أن هناك في العالم العربي والمصري على الخصوص شخصيات غايتها تأسيس سلوك انساني واعي تعمل على ترسيخ ثقافة المسؤولية وتحويل العلاقة من الخاص الى الكلي، ومن التراث الغير المنقح الى الحداثة المتوازنة.
إذا الحكي يقِوم على دعامتين اساسيتين وهما
- قصة ما واقعية او خيالية تضم أحدات متعددة
- ان يعين والأشياء بدقة الطريقة التي تحكى بها الرواية
إن الحاكي احمد طايل قام بسرد الوقائع وتقديم الشخصيات ووصف الأمكنة بدقة جيدة وقام في اغلب مراحل الحكي بوظيفة تفسيرية لما يحدث لشخصيات الرواية مسلطا الضوء على اسبابها فتواصل مع القارئ لشده وجدبه الى قراءة الرواية انه سارد محايد يصف ما يرى ويسمع لا يقدم اي تفسير للأحداث تاركا الاشخاص والافكار والامكنة تتحدث عن نفسها.