من داخل كل شخص هناك غرفة سوداء، قبو حُكِمَ عليه بتخزين ما خلفه الزمن فينا من لعب و مستلزمات الأثاث، ورسائل عِشقنا المنسية، وصور أحبائنا، و أقداحنا المكسورة.
ليس العيب فينا و لا في زماننا، و لكن أواننا لم يحن بعد لذلك الحب، لذلك صنعنا غرفة سوداء داخل قلوبنا أو في أحد أركان بيتنا، الأهم أنها غرفة سوداء ليست لوناً، بل طِلاءاً، طلاؤها وردي أو أحمر أو أصفر... كل الألوان مسموح بها في عوالمنا، المهم أنها تختلف في نظر عشاقها، فلكل عاشق لونه المفضل ليس الأحمر بالضرورة، نظراً لما يُسبغه عليهم من جو رومانسي يهز تحجُر قلوبهم، سوادها اللاوعي الذي سكن فينا و يخرج في زلات لساننا أو في أحلامنا، يطلب مكانا للعيش ولو بمقياس خُرم إبرة، فهل من مُجيب، لنواجه انكساراتنا وخيباتنا، أم سنرضى بالعيش باللاوعي على أساس أنه الوعي، وعينا هذا صفاء لدموعنا من مرارة الاستسلام و البكاء على الأطلال.
لا تذرفوا الدموع فالستارة لم تُسدل بعد، نحن على وشك بداية المسرحية، حافظوا على مقاعدكم و على حبيبات اللؤلؤ في المقلتين، لا تصنعوا لها لونا ولا تنتفضوا على اللون الأسود، فهو اللون المفضل للكثير من الناس دون جدال.
لنرجع جميعا للوراء ونضيف قطعة صغيرة أو كبيرة من السكر كل حسب ذوقه، المهم عَوضوا مرارة عالمنا، حطموا غرفة قلوبكم السوداء وأصنعوا من فُتات سوادها فستاناً مخمرياً بشريط ذهبي أو فِضي.
نحن اليوم نصنع عزاءنا بمواجهة إفلاسنا المادي و نكساتنا الثقافية والسياسية والاجتماعية وفشل أحلامنا اللامتناهية، والقفز من جديد فوق زُجاج قلوبنا المهشمة، مواجهة ضعفنا إذن هو حلنا الوحيد و ليس الانزواء وراء نوافذنا المكسورة لغرفة صنعناها من هزائمنا المتكررة، الفشل بداية الحياة و ليس نهايتها، قوتنا قدرنا المحتوم و ليس ضعفنا البادي علينا.
معا نُغير أنفسنا، معا نهمس ثم نقول ثم نصرخ في وجه غضبنا المخفي: لنحط الرحال في محطتنا الأخيرة و ننزل الستار على مسرحيتنا السوداء و نقول كلنا ضعفاء: كلنا نعيش الأفراح والأحزان كلنا أبناء آدم و حواء، على هذا الأساس و فقط نتقبل بصدر رحب ذواتنا المهلهلة ونعلوا بها أمام الإشارات التي تشار إلينا من اليمين و اليسار في السر و العلن.
وقبل نهاية الطريق فنِصفك الحلو قادم فلا تغمض عينيك عن علاماته، عذرا عذرا فلا تكتب الأشواق في رسالة واحدة، بل تكفيك كلمة واحدة هي الأمل، الأمل بأن المعاناة ستنتهي قبل نهاية الطريق.