الماضي في جلد المستقبل بدون أمل ، جالس الى جانب ذلك الحائط المتقادم رمادي وبني اللون، رغم كل السنين التي انهالت عليه لا زال محتفظا بجماليته، وعنفوانه وأصالته التي تذكرني بحقبة من تقاليد مغرب امتزجت فيه كل الأعراق عربي أمازيغي و وندالي روماني... بكل حمولتها وجماليتها، إنها الحضارة الصبيانية إنها جنون الإله الصبياني.
لحظة عشق جنوني باتت تتكرر في مخيلتي كموج هادر، موج بدون جزر بدون مد، يرقص متجاوزا قوانين الطبيعة، انه يثور عليها وعلى كل الكهنوت، حينها يفيض قلبي بالهواجس الأسطورية، أصبحت زيوس العظيم ، أصبحت الإلهة الحبيبة أثينا أصبحت مريم العذراء، أنني أصبحت أسطورة لم تحكها الكتب المجنونة الكاذبة أصبحت فكرة جديدة بعيدة عن ان تكون فانية، إنها خالدة إنها فكرة الحب والتاريخ يظل يرويها موضوعة في أقصوصة متناغمة عذراء، إنها ذكرى العشاق الذين لم يحترموا التقاليد لم يحترموا السر العظيم للقبيلة، ثاروا ناضلوا من اجل فكرة، من اجل حق، من اجل شعور جميل ينبع من بين اللحم والروح من بين عظام سقيمة، من داخل جسم أشعت صغير ذابل، لكن مع ذلك يحب أو ليست هذه أسطورة تتفوق على كل الأساطير؟
طبعا سيجيبني البعض من المرضى وغير المحبين انك مريض أيها العربي انك مريض أيها الأمازيغي، سأضحك وأقهقه وأقول لهم إنكم على خطا وأنا وحدي على صواب، ليس كوني امتلك الحقيقة، بل ان نفس الطريقة التي ظهر بها الحب لازالت كقانون يسري في دماء الأحباء، وستظل حتى الأزل ، سيقولون عني انك مريض انه مهووس، انه الشيطان من فعل به ذلك؛ سأجيبهم بكل بساطة ان كان الحب هو الشيطان، فكلامكم صحيح انه يتملكني انه يسلبني ذاتي في كل لحظة أحاول ان أثوب عن خطئي ، أجد نفسي اغرق أكثر فأكثر، انه الشيطان يا ناس انه يدفعني الى الجنون بدون ان أراه، لم أكن اعترف بشيطانكم لكني اليوم اصبحت من المؤمنين به انه عظيم انه ماكر.
و في حضرت الحب تشع القلوب الصغيرة المعذبة، كأنها آلهة الألمب في حضرة زيوس العظيم، الكل يتذكر تلك اللحظات المحرجة والقاسية من أنثى عربية- امازيغية تتخفى وراء جدار عظيم من الحشمة ، إنها حشمة أنتجها التاريخ أنتجها الذكر أنتجها العرف والتقاليد لم تكن موجودة في مرحلة الاسرة الاميسية، كان الرجل هو من يرحل يترك المنزل يغادره خنوعا، منضبطا للعرف العشائري لكن وفي سيرورة التطور أصبح الرجل هو السائد هو المسيطر هو الذكر هو الرجل، فجاءت الأديان السماوية لتعزز هذا التفاوت وتحصر الأنثى في تلك الزاوية الضيقة ، لتصبح أداة سريرية إنها يد عاملة رخيصة إنها مطيعة كالمهرة الصغيرة...حشمة مصطنعة وغشاء دموي سمكه مليمتران أشياء تحدد وجودها و قيمتها الإنسانية في مجتمعنا، غشاء صغير من الناحية البيولوجية ولا يساوي شيء، لكن يمتلك قوى سحرية انه فتاك من الناحية الاجتماعية، ان شرف الجماعة، و شرف الذكر رهين به، يسقط يمرغ شرفه في الوحل بمجرد ان يمس ذلك الكائن البيولوجي الصغير، (قهقهة) إنها مفارقة عجائبية الذكر، الرجل ، المسيطر القوي يموت خوفا بمجرد خروج المرأة، الفتاة، الصبية من المنزل، تحظره كل الوساوس الشيطانية انه يظنها ذاهبة الى حبيبها الى عشيقها ذلك المحظوظ الذي سيلعب الغميضة بين نهديها ويشتم رائحة العرق الصادرة عن شهوة دفينة بين الدم والصلب، ذلك الأحمق المجنون الذي لا يعلم العار الذي سيلحقه بعشيرة كاملة، الم اقل لكم انه الحب ذاك المخلوق الغريب الذي يسكن كل واحد منا! انه عبث أسطورة ما فتئت تتكرر باستمرار بجنون عبر التاريخ، لم تحترم أي عرف مورست في الكنائس، المساجد في الخفاء في العلن في دور العبادة في الكهوف والأزقة... مورست في وضح النهار في ظلمة الليل، و اعذروني يا أحبتي ان أقول لكم إننا دائما نحب الخفاء نحب ان نعيشها في ظلمة بعيدا عن الأخر، خاصة وأنه دائما ما يوجد احد المتلصصين الذين يحبون الانتصار الى فضيلتهم الى كبتهم، يختلسون النظر يريدون ان يرو احدى التفاحتين العالقتين في صدر الجنة ربما يكون هذا الصدر هزيل او حتى ضامر لكنه يغري بالنظر، انه يدعون اليه كأنها صلاة قداس يوم السبت لكي، يرى مريم العذراء عارية مصلوبة، أولائك المتربصين السارقين للمتعة إنهم جبناء غير "أسوياء"، لكن فعلا لا تكتمل نشوة الحب الا عندما تكون لحظاته مسروقة، عندما لا يراك احد لكي لا يحاسبك بمنطقه الأخلاقي الذي يخرقه هو نفسه باستمرار ، ان المرأة كانت غير "موجودة" إلا من خلال السرير في نظر الرجل المشرقي والعربي، يحبها فقط داخل غرفة قرب زينة قرب مواد تجميل بعيدة عن السياسة عن الحرب عن الفكر إنها شرفه إنها شرفته.
حين تستميلها الى الكلام الحرام الى "الحب" الى ما يفقد الرجل شرفه تتأهب للهجوم، الى الرفس، والهرب الى اللامجهول الى العدم الغير موجود، لكن وان صادفك الحظ فهي تتكلم معك بضعة كلمات وقعها كوقع السيوف في الخاصرة، لكي تحبطك إنها غير خبيرة في الحب و في الكلام الساحر، إنها معتادة على "العنف الرمزي" الممارس عليها وأصبح سلاحا لها تدافع عن نفسها به، وان وجهت لها الكلام بطريقة مباشرة أمطرتك بكلمات شاذة لغويا كلمات فاسقة عاهرة لا تحترم حضرة الحب العظيم، وتردد الحب ما الحب؟ فعلا انه سؤال جيد ما الحب يا أصدقائي غير تلك الرغبة الجنسية الهوجاء التي نكبتها في أعماقنا بمجرد ان نزيحها، يصبح الحب كلمة غريبة على مسامعنا بل تختلط مع كلمات اخرى كالفسق، العهارة، والاشمئزاز، تحاول هذه الأنثى ان توقفك بإحدى الكلمات الجارحة، لكي لا ترتكب احدى الحماقات بأسئلتك العابثة التي قد تستبيح جدار الطهارة والعذرية، اللذان تحافظ عليهما لذلك الغريب الذي يشتري بضاعة طاهرة في ظاهرها، هذه الأنثى تخرج كلمة حب كسائر الكلمات، كأنها تقول احتاج إليك لكي اوجد داخلك اوجد بك، صيغة تملكية رهيبة تمتاز بها المرأة العربية، إنها تحب التملك والتسلط، لا تؤمن بالحب إلا كونه "تسلط"؛ استغلال من نوع جديد "للأخر" الباحث عن اللذة حيوان راغب يلغي العقل ويلغي الذات.
صارت كلمة الحب في الأيام الاخيرة ترهبني كأنني في ساحة حرب الكل يتسلح بها الكل ينشغل بها، وكأنها صارت هدف الجميع تجدها مرمية تتأوه في الأماكن المظلمة في الأزقة الفقيرة المهجورة، إلا من بعض الشبان المتسامرين على احدى زجاجات الخمر الرخيصة، اسمعها في الحدائق في المقاهي أحس بها تتبعني تلتصق بي ، داخل غرفتي الصغيرة التي أتقاسمها أنا وصديقي ، تلاحقني داخل روحي المتعبة من الهروب خيفة الأفول في ذلك المنحدر السحيق فلا اقدر على الخروج فتضيع كل أحلامي وآمالي لبناء ذلك المستقبل المجهول المكهرب داخل وطن الكل فيه سجين، الكل يريد الهروب الى العدم الى اللاوجود، الى الحياة الوردية ، قررت ان أتوكل على الله وأحارب هذا المخلوق الغريب الذي يتملكني "الحب"، فخسرت المعركة حتى قبل ان ادخلها لم ادري أنني قد خسرتها للآني لا ادري حتى أنني قد دخلتها.
وآسفا أخذت كل حقائبي، خسارتي، ألمي، حزني، وسلاحي، المكون من تلك الكلمات المفرطة في الرومانسية، لكني عدت وأنا مصر على رصد العدو وقتاله، اخترت أجمل الكلمات المحرمة اجتماعيا كلمات فاسقة تنشد الذنب الأثيم لأحارب ذلك الحب المجنون، فما كان من الحب سوى ان اتخذ موقف صمت سلاحا ودفاعا أدخلني في دائرة المنتصر الذي تصيح في دواخله ووجدانه كل خلية بهذا الانتصار، وما ان استرسلت في غزلي لتلك الفاتنة الغيداء، حتى عاد ذلك الأحمق بكل عنفوانه المتبختر الحامل على كتفيه جثث خصومه يتباهى بها أمامي. عدت الى ذاتي عدت الى زمن هو الكفيل بان يشفيني من سقمي من لوعىت نفسي تاركا الحاضر لذلك المخلوق اللامرئي الذي خلق مني عقد صغيرة، ما تكاد تتجمع حتى تنتج "الانسان العربي" في الحب.
عدت بعد سنين طوال كمن ينبعث من العدم، بلا نار او ماء عاشقا جبلته الأيام، بطل صلب المراس قوي الشكيمة، فقلت لها ""انكي ورد سماوي أنت النبيذ العنبي، كلامك لي ماء ودونه يموت الورد""؛ نطق الحب كأننا في نهاية المسرحية، قائلا "يا ذات العيون الزرق أنا عاشق لكي منذ كان الزمان واقفا والأرض مغرمة بجرأته، وسأظل أحيا بكل نفس من أنفاسكي لأنكي لست كباقي العشيقات".
اعترفت بالخسارة أقررت بالموت البطيء أدركت ان المشكل ليس مشكل شعر وكلمات فعدت، لأنقب في الزمن الماضي لعلني أجد دواء لكني وجدت ذاتي في ذلك الماضي الزاخر فقررت ان احيي فيه بدل ان أعود الى الحاضر وأواجه انتقاده.