غادر رحبة المواشي ، وزع ما يملك من مال على جيوبه احتياطا و هو يدلف إلى بقية "الرحبات" بالسوق الأسبوعي الشهير .. لم تمض سوى هنيهات حتى اختلط بأرتال الناس و هم يدرعون الممرات الضيقة ذهابا أو إيابا و في جميع الاتجاهات ، يتأبطون قففهم و يسيرون كل يبحث عن ضالته بين الخيام الموزعة في صفوف خططت كما اتفق ، عقيرة الباعة ترتفع هنا و هناك :
- كوَالة مبادئ .. كوَالة مبادئ ..
قصد رحبة اللحوم ، بحث مطولا عن قلب يكون وجبته للعشاء القادم لكنه لم يعثر على قلوب تستحق الاقتناء فابتاع راسا أو رأسين مجوفين و رطلا من اللحم ..
- كوالة علوم .. كوالة ثقافة ..
السوق غاص بالسلع المزجاة ، المعروض بعضها بطرق تغري المشترين فيما كدس بعضها حسب مزاج البائع النكد ، لاحقته أصوات الباعة المنبعثة من كل الجهات وهو يتنقل في الفضاءات المفتوحة بنظراته البدوية الحذرة المتوجسة من كل من التقت عيناه بعينيه ، قطع رحبة التوابل في اتجاه رحبة الملابس استرعى انتباهه حشد من الناس في حلقة حول قزم أمرد يبيع كلاما ..
-قرب ! قرب ! …اللي ما شرى يتنره ..
اقترب من الجماعة و ظل يزاحم الأكتاف حتى تبين له العرض ، أحس بيد تعبث بجيبه الأيمن .. لحظات فقط ثم انتزع اللص ما به من دراهم . استدار و أمسك بخناق اللص رافعا عقيرته بالصراخ :
- شفار ! ... شفار ! فلوسي ... فلوسي ...
استجاب العديد من "المتسوقين" لنداءاته في رمشة عين ، و كاد يفرح باسترداد ما سلب منه ، قبل أن يتحول إحساسه إلى دهشة تلاها رعب حقيقي عندما تنازعته الأيادي مفتشة بقية أنحاء جسمه منتزعة بالقوة ما لم يتمكن اللص السابق من نهبه .