إلي التي شغفتُ بها عشقاً.. ولن أبوح، إلى التي بين أحضانها شممتُ للدفء رائحةُ تفوح، إلى التي ملكتْ عليَّ ذاتي وكياني، إلى التي تمنيتُ أن تحتويني ولكني فشلتُ في أن تحتويني، إلى التي إذا أدمعت ـــ أدمعت كلُّ دنياي، إلى التي أتنسمُ وأشمُّ من عبقها روح البقاءِ ـــ ودعوى الاستمرار، إلى من أحبُّ وأهوى، إلى من أذوبُ فيها و أحيا، إلى من ضاق صدري لغيرها بالنجوى، إلي جنتي ونعيمي، إلى عذابي وأنيني ، إلى من جئتُ (....) وإليها تنتهي كلُّ أمالي.
لا أدري لماذا تسيطر عليَّ ولأول مرة؟ لماذا طيفها لم يعد يفارقني؟
طالت حبالُ الصمتِ بيننا كثيرا ولأول مرة ، لا أدري ولكن..
بداخلي إحساسٌ أني لن أراها بعد الآن، أو أنها لن تراني منذُ فارقتها
هل لهذا الإحساس أصلٌ؟ أم أنه من تداعي الخيال؟
والحقيقة أني اشتقتُ إلي دفء أحضانها، وأحن ُّ إلي حدةِ لسانها، وأذوبُ في بحر تعقلها وتفكيرها، فلها أكتب وإليها أسطر ، ولا أستطيع أن أبوحَ بكل هذا العشق!!
لماذا؟ هل هذا عيبُ الرجال ؟ِ أم أنه مزيةٌ من مزاياهم؟
كيف نتصورُ الحنينَ ضعفاً؟ لماذا نقصرُ الاشتياق َ فقط على الأنثى؟
لا أدري لذلك جواباً، ولا أكترث .. ولكني أتساءل:
لماذا تضيع ُ أرقُّ وأنبلُ العواطف ِدائماً؟ هل نضل الطريقَ أم نحن حقّاً تائهون؟
لماذا لا يزيد حبنا إلا بعد فقدان الحبيب؟ لماذا نحسنُ إليهم أمواتاً ولا نحسن إليهم أحياءً؟ لماذا نمجدُ فيهم وهم بعيدون عنا أو نحن عنهم أبعد؟
مسافاتٍ نصنعها .. قيوداً نلفها حول أعناقنا .. أقنعة نغطي بها حقيقتنا المؤلمة كما يداري لباسنا قبحَ منظرنا ، بيد أننا لا نحسن الحياة ـ ـ نبخل علي أنفسنا ــ نقسو عليها ، و والله إن بسمةَ شفاهٍ منها تكفي لأن يخوضَ الإنسان ُكلَّ أخطار الحياة، و زلفة لسانٍ وعبير ابتسامة ممن نحبُّ لتفعلُ فينا كما يفعل الماءُ لكل حيٍّ.
نادمٌ أنا ــ آسفٌّ علي ما ضاع من عمري وما جرى لي من حياة ، لأنها خرجتُ من ذلك الفلك الذي فيه تدورين، ضقت ُ بهضابك ووديانك وسهولك، فكان جزائي ويا له من جزاء !عزلة فقر ، أنين ــ بعضٌ يمزقُ بعضاً، ولا أدري للعودة سبيلا، وليس لي اختيارٌ، وكلٌّ مهيأٌ لما خُلق له.
فهل تغفري لي ذلتي كما عودتني كثيراً؟ أخذتُ طريقي بعيداً عنك ورغماً عنك،
والنتيجة ... فقدتُ بوصلتي ــ ضللتُ الطريقَ، وكان أولى بي أن أعود أدراجي إليك
لكني ..آثرتُ التيهَ على البقاءِ في محرابك، فلا تعجبي من هذا الشتات، إنما هي النفسُ الإنسانية ُبكل صلاحها و طلاحها، هي ربما عزة ُ النفس التي رويتها أنتِ بماءِ عينيك، أثمرت نعم ــ لكن أينعت الثمرةُ ربما في الأرض البور، وكل الذي أملكه الآن هو جملةُ الشوق والحنين إليك، أشتاق إليك رغم جفائي معك، أحنُّ إلى ملكوتك رغم كبريائي المصطنع، ماذا عليَّ أن أفعل؟ كيف تدركين اشتياقي؟ ومتى تلبين ندائي؟
رغم بعد المسافات.. رغم تعاريج الأيامِ... رغم اختلاف ِ الطقوسِ
إلا أنني أملك الأمل، أنادي عليك .. أهمس إليك رغم الدروبِ الطويلة ِ بيننا، واثقٌ بأنك ستردين عليَّ. كيف ذلك؟
أليس في قاموس المحبين معجزات؟ أليس في دليل العشاق إرهاصات؟ إن كان لبعض الناس حاسةٌ سادسةٌ كما يدعون، فأولي للمحبين أن تكون لهم حاسةٌ سادسة وسابعة وثامنة وأكثر.
أشعر أن الحب هو صائغ الحياة، هو إكسيرها، هو ذاته ماؤها، هو الذي يتجاوز الزمان .. يتجاوز المكان، له ملكوت خاص، له قانون خاص، أشتاق إليك يا هوائي...أنادي عليك يا كلَّ رجائي.
فهل تردين ندائي؟ وهل تلبين دعائي؟
سأنتظر الجواب.