فكر قليلا ..ثم شرع في الكتابة ...
ــ انتظر أيها البليد ..(قال لنفسه) .. لا وقت للناس للتعثر في مقدماتك .. هذا زمن المباشر .. كل شيء يتم مباشرة وعلى المباشر .. حتى القتل والشنق .. وإذا كان العيد قد حل ذلك الصباح .. فالذنب ذنبه لا ذنب المشنقة...
ــ اتركني أكتب .. (قلت لنفسي) .. فمقدماتك أطول من مقدماتي وأنا لا أريد الكتابة عن أولئك الذين ترك كل واحد منهم مديته وبيته وخرج إلى الشارع منتحبا ..لأنه رأى في وجه كبش العيد وجه صدام...
سأبدأ هذه القصة مباشرة بحوار لأستهوي القارئ .. القارئ ثرثار يحب الثرثرة وإلا لما كانت هناك كتابة أصلا .. الكتابة مورد رزقي يا ناس.. و بالكاد أصبحت أتقوت !
ــ مرري طبق الخبز من فضلك .. قال الأستاذ بلطف وأدب للمرأة الأربعينية الجالسة بجانه.
ــ خذ .. ولم تلتفت إليه حتى ..ظلت منهمكة في الأكل بشراهة.
ــ أمي ! صرخت الفتاة في غنج و دلال .. أحدهم يعبث بقدمي تحت الطاولة..
ــ معلش يا ابنتي .. مجرد حادث .. قالت الأم وهي تتصفح وجه شاب بعينه..
ــ معلش ؟؟! صاح الأب مستنكرا .. احترم نفسك يا هذا الذي .. نحن هنا عائلة واحدة ..
توقف عن الكتابة مستغربا .. وحدق في المشهد أمامه ..طاولة الطعام بدت له أطول كثيرا مما تصور وقدر ..ومزدحمة بالناس و بصنوف الطعام فوق ما خطط و توقع .. وقاعة الطعام نفسها ما لها ازدادت طولا وعرضا و بذخا مثل قاعات الحكومات العربية .. انه يتقزز من ذكر هذه الحكومات وكل ما يذكره بها .. ولا يريد بأي شكل أن تتسلل رائحتها الكريهة إلى كتاباته .. أراد أن يمزق الورقة ويذهب إلى النوم .. لكنه ظل هناك يهز رأسه متعجبا .. هذه الفتاة وأمها وأبوها من أين جاءوا وماذا يفعلون في قصته .. وهذا الأب (قال في نفسه) من قال له أنني أريد لهذه الشخوص أن تكون عائلة واحدة ..
ــ اسمع (قال لي الأب بتحدي صارخ) أنا أعرف في ما تفكر .. افعل ما تشاء .. إنا ها هنا لقاعدون ..
استيقظ في ذاكرتي فجأة كل ما كنت قد قرأته و وعيته عن هذا الأب الجبار المتسلط .. قبلت التحدي .. قلت له:
ــ طيب ابق كما تشاء .. أقسم أني سأضع في حلقك لقمة أخنقك بها.
ــ ها ..ها .. ها ..صحيح يا "ابن العم"...
ما الصحيح في هذا ؟!..ولم يناديني ابن العم ؟!.. هل يسخر مني ؟ تنبهت على صوت رجل جالس أمامه تبدو عليه الفخامة:
ــ وهل تذكر تلك الليلة التي فاز فيها ابن عمنا (فلان) في الانتخابات ؟ يا لها من ليلة لا تنسى .. ضحكنا حتى كدنا نموت من الضحك ..
خنقه الغضب .. الأوغاد صاروا يتكلمون فيما بينهم دون إذن منه .. يتفاخرون بنجاساتهم و مؤامراتهم .. ترى ماذا سوف يفعلون و يقولون لو ترك لهم الحبل على الغارب..لا .. إنه الكاتب .. الخالق .. ويجب أن ينظف هذه الفوضى حالا...
وقف على أحد الكراسي العالية .. صفق بيديه بكل قوته .. حتى إذا عم السكون والتفتوا إليه قال:
ــ اسمعوا وعوا .. أنا كاتب وأنتم مجرد شخوص .. أنا أخلقكم وأشكلكم بما يخدم هدفي .. وهو هدف نبيل ...و ..
وضجت القاعة بالضحك .. طارت بعض اللقيمات من الأفواه الشرهة من شدة الضحك .. دمعت عيون بعضهم و هم لا يكفون عن الضحك.. إنهم يموتون ضحكا ..
ــ انظروا إليه ..صاح أحدهم .. ها هو الخالق أمامكم .. ها ها ها
ــ يخلقنا و يشكلنا !!!!!!!! ها ها ها
ــ هدف نبيل ! واو ! قهقه أحدهم من أقصى ركن الطاولة وكانت به مسحة من ذكاء اختفت تحت الشحوم الزائدة .. مطط العبارة كأنه يغنيها
"هدف نبيل ..يا عيني يا ليل "
ــ هذا شاعر يطربنا .. دعوه يتكلم ..والشعراء يهيمون.. يتبعهم ...كما تعلمون!
ــ يجب أن ندخله إلى عائلتنا قال الأستاذ بابتسامة ذات مغزى ..
وقفت الفتاة المدللة وقالت وهي تغمزه بعينها :
ــ إنه وسيم يا أمي.. ثم ملتفتة إلى الباقين حول الطاولة .. هل ينكر أحدكم أنه وسيم ؟
ــ أنا الأرملة الوحيدة هنا يا أبناء العم (قالت المرأة الأربعينية و من عينيها تسيل رغبات سمجة) و ما زلت في ريعان الشباب كما ترون وتعلمون علم اليقين ...
رأى نفسه ينزل من على الكرسي .. مطأطأ الرأس حزينا مغموما حائرا..صفق الباب وراءه وهو يخرج.
أعاد قراءة ما كتب ..مرة ثم أخرى وأخرى وهو لا يصدق..كيف وجد نفسه ضحية عاجزا أمام هؤلاء الشخوص الذين تزكم رائحة دعارتهم و عهرهم انفه ..والذين يزعمون أنهم من عائلة واحدة ؟!
ــ لقد أحسنت حين خرجت و صفقت الباب في وجوههم ..قالت له نفسه .. شعر بالزهو والرضا عليه رغم متاعب الدنيا الكثيرة.
..أمسك الورقة .. عصرها بين يديه وألقى بها في سلة المهملات المملوءة عن آخرها .. وقام يندس في السرير بجانب زوجته الغارقة في النوم .. وبدوره غرق معها.
رأى نفسه ممددا عاريا أو يكاد على نفس الطاولة الطويلة وهم يحيطون به كالشياطين ..
ــ ماذا تحسب نفسك يا ابن اللئيمة؟ (قال الرجل الذي تبدو عليه الفخامة) تخلقنا كما قلت ثم تلقي بنا في القمامة .. أنا أردت أن أكون أميرا في قصتك وسأبقى أميرا .. هل كنت تريدني أن ألعب دور بواب أو عامل أو زبال مثلك ..ثم بكل ما أوتي من لعاب بصق في وجهه...
ــ تواضعت فاخترتك زوجا أمام أبناء عمي أنا الأميرة (قالت المرأة الأربعينية) الآن ستكون خادمي حتى تموت..
الكل يبصقون في وجهه ويريدون النيل منه وهو بينهم عاجز لا يقوى على شيء .. قال له الأستاذ بصوته الهادئ الممطوط :
ــ لقد دعوتك لدخول العائلة مثلي لكنك بليد عنيد..
شمر الرجل أبو الفتاة عن ساعديه القويين و اقترب من المصلوب على الطاولة و هو يقول:
ــ أهذا المغرور يدخل عائلتنا وقد كان يريد منذ البداية قتلي ؟! لا. يجب أن يموت الآن ليكون عبرة لغيره .. واسمحوا يا أبناء العم أن يكون لي شرف إزهاق روحه الغبية...
مد يديه الكبيرتين إلى عنقي وبدأ يضغط بكل قوته .. إنني أختنق .. إنني أموت.. إنني..
استفاق على صوت زوجته بجانبه تقول وهي تهزه بعنف :
ــ مالك تهذي يا رجل أهو نفس الكابوس عاد إليك؟
هز رأسه كيفما اتفق و هو يلهث كمن تدحرج من جبل إلى هاوية ..تحسس نظارته بجانبه .. وضعها على أنفه الذي بدا له قصيرا جدا لا تكاد النظارة تستقر فوقه ..فيما بدت له أذناه أطول مما تعود .. ذهب إلى مكتبه .. بحث عن الورقة في سلة المهملات .. مسح عليها برفق كأنما يماري الشخوص الجالسين هناك محدقين إليه ..واستمر في الكتابة و هو يبكي...
الجزائر 24-08-2008
توقف عن الكتابة مستغربا .. وحدق في المشهد أمامه ..طاولة الطعام بدت له أطول كثيرا مما تصور وقدر ..ومزدحمة بالناس و بصنوف الطعام فوق ما خطط و توقع .. وقاعة الطعام نفسها ما لها ازدادت طولا وعرضا و بذخا مثل قاعات الحكومات العربية .. انه يتقزز من ذكر هذه الحكومات وكل ما يذكره بها .. ولا يريد بأي شكل أن تتسلل رائحتها الكريهة إلى كتاباته .. أراد أن يمزق الورقة ويذهب إلى النوم .. لكنه ظل هناك يهز رأسه متعجبا .. هذه الفتاة وأمها وأبوها من أين جاءوا وماذا يفعلون في قصته .. وهذا الأب (قال في نفسه) من قال له أنني أريد لهذه الشخوص أن تكون عائلة واحدة ..
ــ اسمع (قال لي الأب بتحدي صارخ) أنا أعرف في ما تفكر .. افعل ما تشاء .. إنا ها هنا لقاعدون ..
استيقظ في ذاكرتي فجأة كل ما كنت قد قرأته و وعيته عن هذا الأب الجبار المتسلط .. قبلت التحدي .. قلت له:
ــ طيب ابق كما تشاء .. أقسم أني سأضع في حلقك لقمة أخنقك بها.
ــ ها ..ها .. ها ..صحيح يا "ابن العم"...
ما الصحيح في هذا ؟!..ولم يناديني ابن العم ؟!.. هل يسخر مني ؟ تنبهت على صوت رجل جالس أمامه تبدو عليه الفخامة:
ــ وهل تذكر تلك الليلة التي فاز فيها ابن عمنا (فلان) في الانتخابات ؟ يا لها من ليلة لا تنسى .. ضحكنا حتى كدنا نموت من الضحك ..
خنقه الغضب .. الأوغاد صاروا يتكلمون فيما بينهم دون إذن منه .. يتفاخرون بنجاساتهم و مؤامراتهم .. ترى ماذا سوف يفعلون و يقولون لو ترك لهم الحبل على الغارب..لا .. إنه الكاتب .. الخالق .. ويجب أن ينظف هذه الفوضى حالا...
وقف على أحد الكراسي العالية .. صفق بيديه بكل قوته .. حتى إذا عم السكون والتفتوا إليه قال:
ــ اسمعوا وعوا .. أنا كاتب وأنتم مجرد شخوص .. أنا أخلقكم وأشكلكم بما يخدم هدفي .. وهو هدف نبيل ...و ..
وضجت القاعة بالضحك .. طارت بعض اللقيمات من الأفواه الشرهة من شدة الضحك .. دمعت عيون بعضهم و هم لا يكفون عن الضحك.. إنهم يموتون ضحكا ..
ــ انظروا إليه ..صاح أحدهم .. ها هو الخالق أمامكم .. ها ها ها
ــ يخلقنا و يشكلنا !!!!!!!! ها ها ها
ــ هدف نبيل ! واو ! قهقه أحدهم من أقصى ركن الطاولة وكانت به مسحة من ذكاء اختفت تحت الشحوم الزائدة .. مطط العبارة كأنه يغنيها
"هدف نبيل ..يا عيني يا ليل "
ــ هذا شاعر يطربنا .. دعوه يتكلم ..والشعراء يهيمون.. يتبعهم ...كما تعلمون!
ــ يجب أن ندخله إلى عائلتنا قال الأستاذ بابتسامة ذات مغزى ..
وقفت الفتاة المدللة وقالت وهي تغمزه بعينها :
ــ إنه وسيم يا أمي.. ثم ملتفتة إلى الباقين حول الطاولة .. هل ينكر أحدكم أنه وسيم ؟
ــ أنا الأرملة الوحيدة هنا يا أبناء العم (قالت المرأة الأربعينية و من عينيها تسيل رغبات سمجة) و ما زلت في ريعان الشباب كما ترون وتعلمون علم اليقين ...
رأى نفسه ينزل من على الكرسي .. مطأطأ الرأس حزينا مغموما حائرا..صفق الباب وراءه وهو يخرج.
أعاد قراءة ما كتب ..مرة ثم أخرى وأخرى وهو لا يصدق..كيف وجد نفسه ضحية عاجزا أمام هؤلاء الشخوص الذين تزكم رائحة دعارتهم و عهرهم انفه ..والذين يزعمون أنهم من عائلة واحدة ؟!
ــ لقد أحسنت حين خرجت و صفقت الباب في وجوههم ..قالت له نفسه .. شعر بالزهو والرضا عليه رغم متاعب الدنيا الكثيرة.
..أمسك الورقة .. عصرها بين يديه وألقى بها في سلة المهملات المملوءة عن آخرها .. وقام يندس في السرير بجانب زوجته الغارقة في النوم .. وبدوره غرق معها.
رأى نفسه ممددا عاريا أو يكاد على نفس الطاولة الطويلة وهم يحيطون به كالشياطين ..
ــ ماذا تحسب نفسك يا ابن اللئيمة؟ (قال الرجل الذي تبدو عليه الفخامة) تخلقنا كما قلت ثم تلقي بنا في القمامة .. أنا أردت أن أكون أميرا في قصتك وسأبقى أميرا .. هل كنت تريدني أن ألعب دور بواب أو عامل أو زبال مثلك ..ثم بكل ما أوتي من لعاب بصق في وجهه...
ــ تواضعت فاخترتك زوجا أمام أبناء عمي أنا الأميرة (قالت المرأة الأربعينية) الآن ستكون خادمي حتى تموت..
الكل يبصقون في وجهه ويريدون النيل منه وهو بينهم عاجز لا يقوى على شيء .. قال له الأستاذ بصوته الهادئ الممطوط :
ــ لقد دعوتك لدخول العائلة مثلي لكنك بليد عنيد..
شمر الرجل أبو الفتاة عن ساعديه القويين و اقترب من المصلوب على الطاولة و هو يقول:
ــ أهذا المغرور يدخل عائلتنا وقد كان يريد منذ البداية قتلي ؟! لا. يجب أن يموت الآن ليكون عبرة لغيره .. واسمحوا يا أبناء العم أن يكون لي شرف إزهاق روحه الغبية...
مد يديه الكبيرتين إلى عنقي وبدأ يضغط بكل قوته .. إنني أختنق .. إنني أموت.. إنني..
استفاق على صوت زوجته بجانبه تقول وهي تهزه بعنف :
ــ مالك تهذي يا رجل أهو نفس الكابوس عاد إليك؟
هز رأسه كيفما اتفق و هو يلهث كمن تدحرج من جبل إلى هاوية ..تحسس نظارته بجانبه .. وضعها على أنفه الذي بدا له قصيرا جدا لا تكاد النظارة تستقر فوقه ..فيما بدت له أذناه أطول مما تعود .. ذهب إلى مكتبه .. بحث عن الورقة في سلة المهملات .. مسح عليها برفق كأنما يماري الشخوص الجالسين هناك محدقين إليه ..واستمر في الكتابة و هو يبكي...
الجزائر 24-08-2008