جلست أمام التلفاز ورحت أفتش في القنوات الفضائيّة عمّا يؤنس وحدتي ويُذهب عـني الضجر ... كانت قناة الأفلام تعرض فيلما تافها لا يسرد قصّة واقعيّة ، ولا يقدم أي قيمة ، وإنما تدور أحداثه حول عـشيقين طائشين ... وكذا قنوات الأغاني ، وما أدراك ما الأغاني ؟!! فها هي تقدم تارة أغنية عن المتحابين وطورا أغنية عن خيانة المتحابين ، فلا ترسي السامع على برّ بل تتركه في حيرة !!! أمّا قناة المنوعات فكانت تقدم ندوة بين مجموعة من رجال المجتمع لمناقشة " الحب "، وما ينتج عـنه من أنواع زواجات منتشرة بين الشباب " ... فأقفلت عـندها التلفاز وقد ازداد ضجري لما رأيت . وفررت إلى الشرفة أرقب السماء ببدرها المشع ونجومها الثاقبة ...
وسبحت في الفضاء الرحب بعيدا عن الدنيا وهمومها ... وهناك رأيت أمراً جللا !!! رأيت محكمة رهيبة قد أقيمت لمحاكمة مجرم في غاية الأهميّة والخطورة ...
في زاوية القاعة وقف المتهم الخطير بثقـة وثبـات في قفص محاطا بالحراس ... وقـد غصّت المحكمة بآلاف الضحايا والمنكوبين ... كيف لا ؟ ! وهو قد سلب الكثيرين طعم الحياة ... فأسـر كلّ من طرق بابـه بقبضته الناريّة ... بل راح يحبك حبال المكيدة ليوقع في شراكه حتى من جفوه ! فأجّج النيران في القلوب ، وأدمى المقل ولم يُبق ولم يذر ... لقد عرفتموه طبعاً ، فأفعاله توحي باسمه ، وهو غـنيّ عن التعريف ! إنه الحبّ ... وما أدراك ما الحب ؟!
وقد حضر قضاة ثلاث " الدين ، والأخلاق ، والتقاليد" ليحاكموا هذا الذي يسمى "الحب" ، وليصدروا فيه أحكامهم العادلة ... وذلك بعد الاستماع لكلٍّ من الادعاء والدفاع ؛ الأول ممثل بالعقل البشري والآخر ممثل بالعاطفة الإنسانيّة .
واستهلّ الادعاء الحديث فعرض القضيّة بإسهاب قائلا : " أيها القضاة الكرام والسادة الحضور ، إننا اليوم أمام مجرم في غاية الخطورة ، راح يعبث في الأرض فـسـادا ... فسـلب ألباب الكثيرين ، وحطّم أفـئدتهم ... وسرق لذة الحياة من أفواههم ، والراحة والنوم من عـيونهم ... وتركهم صرعى يتجرعون كأس المرارة واللوعة ... ولذا فإني أطالب باسم هؤلاء المساكين إنزال أقسى العقوبات على هذا المجرم ليكون عبرة لمن اعتبر" ...
وعـندها تقدّم الدفاع ، فقال : " أيّها القضاة والسادة الكرام ، لن أطيل الدفاع عن الحب ، لأنه أسمى من أن يكون متّهما بمثل هذه الجريمة النّكراء ... فهو عاطفة نبيلة سامية ... توطّد العلاقات الإنسانية لا بل تحفظها من الهلاك ... وسأعرض على مسامعكم بعض الشّواهد لما أقـول :
- ما الذي يجمع قلبي الزوجين ويمزج بين روحيهما ؟! أليس الحب وحده ؟!
- ولمَ تسهر الأم لياليها الطوال في رعاية وليدها فتهبه الدفء والحنان ؟! أليس لهيامها به ؟!
- ومن يا ترى يدفع الفدائيّ للتّضحية بدمه ؟ فيبذل روحه في ساحة القتال دون التّواني لحظة عن ذلك ؟! أليس حبه الكبير لوطنه؟!
- ومن يحثّ العابد على الشّكـر في السّرّاء ، والصّبر في الضّراء ؟! أليس حـبّـه لربـّـه؟!
- ولماذا يرحم الله عباده فيصبر على عصيانهم ؟ أليس لحبّه لهم ؟!
أيها السّادة ، هذا بعض مناقب الحب الكثيرة ...والحديث يطول والوقت لن يكفي ، فسأكتفي بالقليل" ...
وعندها عمّ الصّخب في المحكمة وتعالت الأصوات ما بين مؤيد من هنا ومعارض من هناك ...
وبعدما أعاد القضاة الصّمت والهدوء إلى أرجاء المحكمة توجّه الادعاء إلى الدّفاع بالسّـؤال معترضـاً : " وماذا تسمّي فـعلة هذا المجرم بهؤلاء الضّحايـا ؟!! " ...
فتابع الدّفاع مرافعته قائلا : " أمّا هؤلاء المساكين فهم ضحايا مؤامرة خفيّة تنكّرت في زيّ الحبّ ... إلا أنهّا بعيدة عنه بعد الثّرى عن الثّريا ... وما تعرّض له هؤلاء ليس إلا حبّاً مزيّفاً سوّقه لهم هذا الفنّ الهابط ، الذي غدا سمة عصرنا ، بشتىّ وسائله من أغان وأفلام وروايات وكتب ... فتاهوا في الضّلال ... وغابت عنهم صور الحبّ الحقيقي التي تتجلّى فيما حولنـا وبين كلّ الموجـودات !!! فما ذنب الحبّ إن أحاطت بعيون هؤلاء غشاوة أعمتهم عن رؤيته ؟! " ... وعندها تعالت الأصوات ثان ية في أرجاء المحكمة ...
وما لـبث أن هـدّأ القضاة من روع الحضور حتى تابع الدّفاع : " إن أردنا أن ندين أحداً فلا بدّ من إدانة ذلك الفنّ الهابط لمحاكمة كلّ من روّج ودعا إليه بمختلف ألوانه " ...
وعندها اختلى القضاة للمشاورة فيما بينهم ، وليعلنوا بعدها حكمهم العادل ... فيما عمّ الذهول أرجاء المحكمة ، وأطبق الصمت عليها .
ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أردّد هذه الأبيات :
مؤامرة تدور عـلى الشباب لـيُعرض عـن مُعانقة الحراب
مؤامـرة تـدور بكلّ بيت لـتجـعله ركاما من تـراب
مؤامرة تقول لهم تعالـوا إلى الشّهوات في ظلّ الشراب
مؤامـرة مراميهـا عظام تدبّرهـا شـياطين الخـراب
واستهلّ الادعاء الحديث فعرض القضيّة بإسهاب قائلا : " أيها القضاة الكرام والسادة الحضور ، إننا اليوم أمام مجرم في غاية الخطورة ، راح يعبث في الأرض فـسـادا ... فسـلب ألباب الكثيرين ، وحطّم أفـئدتهم ... وسرق لذة الحياة من أفواههم ، والراحة والنوم من عـيونهم ... وتركهم صرعى يتجرعون كأس المرارة واللوعة ... ولذا فإني أطالب باسم هؤلاء المساكين إنزال أقسى العقوبات على هذا المجرم ليكون عبرة لمن اعتبر" ...
وعـندها تقدّم الدفاع ، فقال : " أيّها القضاة والسادة الكرام ، لن أطيل الدفاع عن الحب ، لأنه أسمى من أن يكون متّهما بمثل هذه الجريمة النّكراء ... فهو عاطفة نبيلة سامية ... توطّد العلاقات الإنسانية لا بل تحفظها من الهلاك ... وسأعرض على مسامعكم بعض الشّواهد لما أقـول :
- ما الذي يجمع قلبي الزوجين ويمزج بين روحيهما ؟! أليس الحب وحده ؟!
- ولمَ تسهر الأم لياليها الطوال في رعاية وليدها فتهبه الدفء والحنان ؟! أليس لهيامها به ؟!
- ومن يا ترى يدفع الفدائيّ للتّضحية بدمه ؟ فيبذل روحه في ساحة القتال دون التّواني لحظة عن ذلك ؟! أليس حبه الكبير لوطنه؟!
- ومن يحثّ العابد على الشّكـر في السّرّاء ، والصّبر في الضّراء ؟! أليس حـبّـه لربـّـه؟!
- ولماذا يرحم الله عباده فيصبر على عصيانهم ؟ أليس لحبّه لهم ؟!
أيها السّادة ، هذا بعض مناقب الحب الكثيرة ...والحديث يطول والوقت لن يكفي ، فسأكتفي بالقليل" ...
وعندها عمّ الصّخب في المحكمة وتعالت الأصوات ما بين مؤيد من هنا ومعارض من هناك ...
وبعدما أعاد القضاة الصّمت والهدوء إلى أرجاء المحكمة توجّه الادعاء إلى الدّفاع بالسّـؤال معترضـاً : " وماذا تسمّي فـعلة هذا المجرم بهؤلاء الضّحايـا ؟!! " ...
فتابع الدّفاع مرافعته قائلا : " أمّا هؤلاء المساكين فهم ضحايا مؤامرة خفيّة تنكّرت في زيّ الحبّ ... إلا أنهّا بعيدة عنه بعد الثّرى عن الثّريا ... وما تعرّض له هؤلاء ليس إلا حبّاً مزيّفاً سوّقه لهم هذا الفنّ الهابط ، الذي غدا سمة عصرنا ، بشتىّ وسائله من أغان وأفلام وروايات وكتب ... فتاهوا في الضّلال ... وغابت عنهم صور الحبّ الحقيقي التي تتجلّى فيما حولنـا وبين كلّ الموجـودات !!! فما ذنب الحبّ إن أحاطت بعيون هؤلاء غشاوة أعمتهم عن رؤيته ؟! " ... وعندها تعالت الأصوات ثان ية في أرجاء المحكمة ...
وما لـبث أن هـدّأ القضاة من روع الحضور حتى تابع الدّفاع : " إن أردنا أن ندين أحداً فلا بدّ من إدانة ذلك الفنّ الهابط لمحاكمة كلّ من روّج ودعا إليه بمختلف ألوانه " ...
وعندها اختلى القضاة للمشاورة فيما بينهم ، وليعلنوا بعدها حكمهم العادل ... فيما عمّ الذهول أرجاء المحكمة ، وأطبق الصمت عليها .
ولم أشعر بنفسي إلا وأنا أردّد هذه الأبيات :
مؤامرة تدور عـلى الشباب لـيُعرض عـن مُعانقة الحراب
مؤامـرة تـدور بكلّ بيت لـتجـعله ركاما من تـراب
مؤامرة تقول لهم تعالـوا إلى الشّهوات في ظلّ الشراب
مؤامـرة مراميهـا عظام تدبّرهـا شـياطين الخـراب