لم نتمكن من قطع الجسر .. لأننا اختلفنا في نوع الحذاء ..، و لون القبعات ..، و شكل المعاطف ..، التي تلزمنا كألبسة ..، للنجاح في تجاوز هذا الجسر اللعين .. وصلنا إليه في منتصف الليل . أقمنا خيامنا الصغيرة فوق الجسر العملاق . قلنا سنمضي هذه الليلة هنا ، و في الصباح الموالي ، سنشد الرحال إلى ما بعد الجسر ...إلى الضفة الأخرى .
لكن تحول وضعنا هذا ، لأسباب في أنفسنا ، ظلت مجهولة إلى اليوم ، إلى إقامة إجبارية ، على جسر معلق في سماء متصلبة ، دامت لسنوات طويلة ..، و صعبة للغاية ..و لا تزال مستمرة حتى الآن ..ننتظر جميعا أن نتفق حول طبيعة اللباس و لونه و شكله ، الذي يناسب رحلتنا فوق جسر عملاق ..كجسرنا . لم نتفق بعد ..، بل تضاعفت حرارة اختلافاتنا ، حيث بتنا نعثر في كل صباح ، على جثة داخل خيمة من خيمنا ..و لما بحثنا و حققنا في الأمر ، انتهينا إلى أن هذه الجثث تحمل كلها علامات و "عضات" نفس الأفعى ..، و أغلب الظن ، أنها "سافرت" معنا متخفية في إحدى الحقائب ، منذ انطلاقتنا من مدينتنا ..
لقد جعلنا هذا الحدث ، نحن الثلاثة ، الذين نقيم تحت سقف نفس الخيمة ، نفكر في حل أنجع ، يليق بوضعنا على الأقل نحن الأصدقاء المتفقين و المنسجمين ..و لن يكون هذا الحل إلا بخرق العهد ..الجماعي ..و تأسيس موقف جديد ..و ذلك بترك الجسر ، و البحث عن الحياة .. حياة حقيقية خارج الجسر .هكذا، انسللنا في إحدى الليالي العاصفة ، عندما كان جميع أفراد فريقنا ، رجالا و نساء و أطفالا، نياما .
في البداية ، تركنا الجسر عائدين إلى الوراء . توغلنا داخل مجاهل غابة كثيفة الأشجار العالية و الضخمة . قطعنا جذوع الشجر بجهد جاهد ..، و صنعنا منه مركبا صغير الحجم ..، و مجاديف متساوية الطول ...، و من خيمتنا الرمادية صنعنا ما يشبه شراع المركب ، الذي أصبح لا يختلف كثيرا عن مراكب الحرفيين . بعد ذلك دخلنا إلي جوفه ، و أملنا كبير لتجاوز محنة الجسر ، و الوصول إلى الضفة الأخرى .زادنا ماء و ثمار الشجر ..، و كثير من العزيمة لهزم موج البحر الأزرق ...الذي ينتظرنا ..في أحيان كثيرة ..، عندما يهدأ موج البحر ، كنا تغني من دواخلنا ..و بطريقة صاخبة جدا ..
تركنا الجسر المحاصر بجماعتنا المتحجرة في عقليتها . و وجدنا أنفسنا كفرادى نحن الثلاثة ، بالصدفة ، بين أحضان أمواج بحر واسع الأفق . في اليوم الثالث من إبحارنا في مياه صافية صفاء العين ..، أشرقت شمس أشعلت ضوء الأمل في ذواتنا المحترقة . سعدنا كثيرا بأول شعاع طبيعي ، يصافح وجوهنا الجامدة ملامحها .لم ننظر أبدا إلى ورائنا . كنا نتناوب على قيادة مركبنا ، الذي ازداد تعلقنا به أكثر فأكثر ..إلى درجة أننا كنا نخجل أن نلقي "بنواة" الثمار ، إلى خارجه في مياه البحر ، حين نأكل قشورها اللذيذة ..كنا نعتبر مركبنا .. رابعنا..
الدشيرة في 2/12/07