القبعة والعرافة - قصة: أسماء العسري

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

عند منتصف الليل استيقظت، أيقظني حلم مزعج (كابوس)، يتكرر معي هذا الحلم كل يوم طيلة هذا الأسبوع، وكلما استيقظ أجد عيوني مملوءة بالدموع، حاولت العودة للنوم من جديد بعد عدة محاولات فاشلة، وفي الأخير استطعت النوم قليلا، وعندما حل الصباح اتصلت صديقتي؛ لتخبرني بأنها قد حددت لي موعدا – موعد مدبر- مع شخص يناسب شخصيتي (الخجولة والمتمردة)، شخص يساعدني – حسب قولها- على نسيان ألآلام الماضي وعيش المستقبل بعيون مملوءة بالأمل.
بدأت في محاورة الذات، وتساءلت هل أذهب إلى هذا الموعد أم لا؟ ليستقر تفكيري على الذهاب نزولا عند إلحاح صديقتي، جهزت نفسي للخروج في موعد غداء مع شخص مجهول؛ لا أعرف عنه إلا رقم هاتفه ، وقفت أمام المرآة لوضع بعض اللمسات حتى أخفي شحوب وجهي، وأرى إن كان مظهري مقبولا، تساءلت مع نفسي قليلا هل أترك شعري الخمري على شكل كعكة؛ أم على شكل ذيل حصان، فاخترت أن أتركه على شكل كعكة، ارتديت بنطالا أسود وسترة سوداء مزينة بورود صغيرة خضراء، لا تظهر إلا عند دنو الشخص منك لصغر حجمها، و حذاء عالي أسود، كأنني ذاهبة إلى موعد عمل وليس موعد تعارف، وتذكرت أنه في أحد الأيام، قال لي أحدهم أن اللون الأسود هو اللون المثالي لي؛ لكونه اللون الذي يناسب شخصيتي، فعملت بالنصيحة.
نزلت مسرعة عبر السلالم لتناول الفطور، فكدت أنزلق من عدم تركيزي، فما كان إلا أن لامست وجنتي الحائط، فأحسست بألم وتورم خفيف، لكنني لم أبالي للألم في تلك اللحظة، بقدر انشغالي بالوقت، وبعد أن عبرت السلالم بأقل الخسائر، دخلت المطبخ لتناول الفطور، لكن عندما نظرت إلى الساعة لم يسعفني الوقت إلا بشرب فنجان قهوة، خرجت من الباب مسرعة دون أخذ مظلتي الشمسية، فقد كانت السماء ملبدة بالغيوم وازدادت تلبدا مع تقدم صبيحة هذا اليوم.

ركبت سيارتي، نحو الوجهة المطلوبة؛ اعتمادا على الرسالة النصية التي تلقيتها، وعند وصولي إلى المكان المطلوب؛ وجدت نفسي قد تأخرت خمسة دقائق عن الموعد المحدد، المكان هو مطعم بحديقة ألعاب للأطفال، حيرني المكان وقلت بصوت مرتفع؛ لمَ هذا المكان بالضبط، ومن اختاره هل هي صديقتي أم الشخص المجهول، المهم اعتذرت عن تأخري وجلست، بدأ الشخص في التحدث عن نفسه لكنني لم أنتبه إلى كلامه، بقدر تفكيري في الحلم الذي يراودني، استأذنت منه بالانصراف، وعند خروجي من باب المطعم اتصلت بصديقتي، وأخبرتها برغبتي في رؤيتها في تلك اللحظة، فوافقت على الفور، بسبب قلقها علي من طريقة كلامي، وصلت إلى منزلها ، وأول أمر بادرت به فور فتح الباب هو سؤالي عن الموعد، فقلت لا تفكري في مثل هذه المواعيد مرة أخرى، لا أريد أن أنسى الماضي بهذه الطريقة، لكن ما أحضرني إليك ليس هذا الأمر، إنما حلم مزعج يراودني هذه الأيام، فسردت على صديقتي الحلم، فقالت: عليك بإحدى العرافات، معروفة بقدرتها على تفسير الأحلام وقراءة الطالع، رفضت على الفور، فردت صديقتي: لا تقاومي ولا تبادري بالرفض أولا، اعتبريها مغامرة وعليك اكتشافها، وبما أنني أحب المغامرات؛ وأعاني الأرق و نفسيتي مضطربة هذه الأيام، وافقت بعد مدة قصيرة فقط من الإلحاح، فعرفت أنه كان يعوزني بعض التشجيع لا أكثر، لكن ما انتاب فضولي أن مقر تواجدها في إحدى الأزقة المعروفة باسم " شارع الموت"، وهو زقاق مهجور يتهيأ لك من كثرة القصص المروية عنه، أنك إذا مررت بجانبه ترى الأطياف تحلق فوق رأسك، وكان علي خوض هذه المغامرة وحدي، ذهبت للمكان المطلوب واعتراني الخوف هل أتقدم أم أتراجع، فكان الفضول سيد الموقف، تغلبت على خوفي وتقدمت نحو الزقاق، فنادت علي امرأة عجوز تضع على رأسها غطاء على شكل قبعة؛ وسمحت لضفيرتين ضعيفتان بالتطاير مع الريح– تساقطت خصلات الضفيرة يوم بعد يوم بفعل هموم الحياة - فما كان مني إلا أن توجهت في الابتعاد عنها؛ بخطوات مبعثرة مابين السرعة والتمهل، فبفضل غريزة الخوف نسيت كيفية المشي وضيعت اتجاهاتي، فنادت علي بصوت أجش، لا تخافي ولا تبتعدي ، أنا قارئة الطالع، ألا تريدين أن أقرأ طالعك؟ فتوقفت مكاني وقلت في أعماق نفسي هل أذهب أم أهرب، فقطعت تفكيري بقولها الحظ يأتي مرة فجربي بختك يا ابنتي، فقلت لها لا أؤمن بالتكهنات، لكن الفضول كان أكبر من خوفي، وبدأت في العودة بخطوة إلى الأمام وخطوة إلى الوراء، فوصلت عندها، وقالت جربي إن لم يرقك ما أقول ولم تشعري بصدق كلماتي لا تعطيني النقود، فأنا لن أطلب منك النقود، فقط بعض البياض الذي تستطيع محفظتك أن تجود به، فقلت حسنا أوافقك الرأي، فقالت أعطيني يدك اليمنى يا ابنتي، فأعطيتها يدي، فأطبقت الصمت برهة من الزمن؛ حتى انتابتني قشعريرة من الخوف، ثم قالت بعد أن اتكأت على ركبتها وأطلقت تنهيدة طويلة، وبعض أن ركزت عيونها في عيوني، سوف تنجحين بطي صفحات خيبة الماضي، وإن الفرج قريب ولن يطول هذا الوجع؛ ستزهر حياتك، قلت كيف عرفت ما جئت أقوله لك وأنا لم أتحدث بعد، أشارت بإصبعها إشارة منها للصمت، فطقطقت لها رأسي إشارة بالموافقة، وأكملت حديثها، لكن سيكون هناك لص في الظلام؛ سيسرق قلبك ويجلب لك الأمان الذي فقدته، فسألت باستهتار ولم سيسرق قلبي في الظلام، فقالت لأنك مررت بأيام عجاف ومات الإحساس و الأمان في قلبك، والليل هو سيد العاشقين و الحالمين مثلك، فضحكت مرة ثانية حتى برزت أضراسي الخلفية، وقلت لكني جئت من أجل حلم يراودني وليس البحث عن فارس الأحلام، قالت إنه ليس حلما عاديا، إنها إشارة لك في الابتعاد والتخلي عن التشبث بالماضي فلا خير فيه، فقصت علي حلمي بكل تفصيلاته الصغيرة؛ قبل أن أحكي عن حلمي، فوجدت نفسي مقرفصة على أطراف أصابعي مثل القط من شدة الذهول والخوف، ثم أخرجت من حقيبة أمامها قبعة، وقالت خذي هذه الهدية مني إنها دليلك للسعادة، أخذتها وأنا أحاول أن أسيطر على شعور الخوف الذي شل حركتي، حاولت الابتعاد عنها قليلا بعد أن دب الخوف في أوصالي، اندفعت فجأة بالهروب منها بعد أن وضعت بعض النقود على وشاحها، لكن أعدت النظر فيها لأشكرها من جديد على كلامها الطيب تجاهي، لكنني لم أجدها، في لمحة بصر اختفت، فقلت هل هي أحلام اليقظة، أم هل التعب أخذ مني مأخذه ، لكن وجدت القبعة مازالت في يدي، فصرخت صرخة الخوف، و عجزت ساقي عن حملي، فلملمت بقايا جسدي المتناثرة بفعل الخوف، وركضت بعيدا ومعي قبعة سوداء وخوف و أمل.

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة