في محطة القطار حركة دائمة لا تنتهي..أصوات القطارات ، وصخب المسافرين يحيل المحطة الى فضاء صاخب لا يطاق..في قاعة الانتظار، المكان يختلف..اغلب الحاضرين رجال.. فيما انخرطت بعض النسوة في حديث طويل لا ينتهي..
على احد المقاعد جلس قاسم، واخذ يتأمل الوجوه الجالسة.. وبعد لحظات دخل رجل متوسط القامة بوجه تعلوه لحية خفيفة.. يجرحقيبة، وفي يده جريدة..
أدار قاسم بصره في أنحاء القاعة.. فاستوقفه منظرالملتحي وهو جالس بالقرب منه يقرأ جريدة أجنبية.. الوجه ليس غريبا عنه.. وطفق يتأمله باهتمام.. الملامح يعرفها.. ملامح عمر صديقه القديم.. ولكن صوتا يضج في اعماقه محذرا « كلا.. لم يكن صديقك عمر ذا لحية يوما طيلة مقامك هناك في ديار الغربة..»
وفكر هو.. من الطبيعي ان تتغير الظروف وملامح الوجوه كذلك.. منذ ان كان هناك قبل ما يناهز العشرين سنة .. تغير كل شيء.. تغير كل شيء..
جمعتهما الصداقة بمدينة ليون الفرنسية..كان قاسم طالبا بالجامعة ما يزال.. فيما يشتغل الملتحي تقنيا متخصصا في احد معامل النسيج بالمدينة.. وطافت بخياله صور قديمة لذكريات بعيدة.. كان يومها يتقاسمان نفس الغرفة باحد الاحياء.. ومرة قال له الملتحي متحمسا:
- سأعود يوما الى الوطن ياقاسم.. فقد سئمت الغربة..
عاد من ذكرياته ونقل بصره الى الملتحي.. كان غارقا في قراءة جريدته الفرنسية .. ثم سأله مترددا بصوت خفيض..
- أليست لديك صلة قرابة..باحد المهاجرين في فرنسا ويدعى عمر..عمرالحدادي.. يقيم بمدينة ليون؟ ..
نظر اليه الرجل الملتحي بذهول ..وطفق يتأمله وقد القى بالجريدة على الطاولة.. وكأنه فوجئ بالسؤال أجاب:
- بل هو بذاته..عمر الحدادي..المهاجر بفرنسا..وقد جئت قبل أيام لزيارة والدتي المريضة..وانا الآن في طريق العودة..
غمرت السعادة وجه قاسم ..وهو يجدد اللقاء بصديقه القديم..وانخرطا في عناق طويل يروي أمجاد الماضي التليد.