يوجد في حالة مضطربة لا يحسد عليها ..لم ينم قاسم هذه الليلة ، وبات يتقلب في الفراش، والرأس تتصارع فيه آلاف الهواجس والأسئلة.. ولقاؤه بالمديرصار يؤرقه منذ أيام..
إن قاسم حديث العهد بمدرسة القرية التي عين بها قبل شهرين، وهو الآن يرغب في مقابلة مدير المدرسة، ليعتذر له عن سوء الأدب الذي بدر منه في حفلة جمعته بالتلاميذ في بداية هذا الموسم الدراسي..
حاصره التردد ولكنه قرر أخيرا مقابلة المدير« سأشرح له دواعي اللقاء..كنت كثير الشرود خلال الحفل ..وسهوت عن تقديم واجب التحية احتراما..»، بذلك حدث نفسه وهو يشق طريقه نحو ادارة المدرسة..
في مكتب المدير كانت الموظفة المكلفة بالاستقبال منشغلة في ترتيب أوراق على الطاولة، حين بادرها قائلا:
- أريد مقابلة السيد المدير.. لوسمحت..
- ما موضوع الزيارة يا أستاذ؟
وتلعثم قاسم .. فهو لم يكن ينتظر مثل هذا السؤال..
- موضوع خاص..
وطفق يخطو نحو قاعة الانتظار، وفي نيته مقابلة المدير ليزيح عنه ثقلا ناء به دهرا..
أجال بصره في القاعة الفارغة.. هدوء يلف المكان.. اقتعد كرسيا وراح ينتظر..رأسه مشوش تعبره آلاف الاصوات..وخيل اليه أنه يحادث المدير
« أعذرني يا سعادة المدير..كنت شاردا وغائبا في أثناء الحفل ..لذلك غفلت عن التحية..أعذرني..»
عاد قاسم من تخيلاته، وفكر كأنه يعاتب نفسه « كنت غافلا.. كنت غافلا.. عن القاء التحية لشخصية بحجم المدير..»
شرع يخطو نحو الموظفة قبل أن تجيبه بنبرة يغلب عليها الأسف :
- المدير خرج لتوه على اثر مكالمة هاتفية عاجلة.. ولن يكون حاضرا الا في بداية الاسبوع القادم..
أحس قاسم بخيبة أمل.. وكان الجواب بمثابة الصفعة التي طردته خارج مكتب المدير.