في الطريق إلى بيروت كان السيد صلاح محشورًا بين السائق والراكب البدين الذي يجلس على طرف المقعد الأمامي. كان صباحًا مدلهمًا، ولم يكن ثمة رفاهية انتظار ظروف سفر أفضل بسبب التزام العمل في بيروت.
كان المقعد الخلفي كذلك مكتظًا، فقد شغلته سيدة كهلة وثلاثة أطفال وصبية جميلة تبدو في بداية العشرينيات.
لم يكن صلاح وسيمًا، وكانت لحيته التي أطلقها منذ فترة بعد التزامه الديني تزيد عدم جاذبيته خصوصًا، وأنه لم يكن يحسن العناية بها.
بعد تجاوز الحدود السورية وبعد تمكنه من التكيف مع الوضع المزعج في مقعده، وبعد أن غط الأطفال الثلاثة في النوم، التقت عيناه بعيني الصبية العشرينية في المقعد الخلفي. أجال النظر بسرعة في المكان لكي يتأكد أن أحدًا لا يراقبه، فوجد السائق مشغولًا عنه بأغنية فيروز التي ترافقهم منذ تجاوزهم حاجز التفتيش. أما البدين فقد كان منهمكًا بطريقة منفّرة في تناول العدد الكبير من السندويشات التي يبدو أنه جلبها من منزله. ولم تكن السيدة الكهلة في المقعد الخلفي نائمة، ولكنها كانت تغالب النعاس الشديد.
كانت عينا الصبية جميلتين بلون بين الأخضر والأزرق، وكانت تطيل النظر في عيني صلاح من دون تعبير مرافق يساعد في كشف الغاية. حاول أن يلتزم بالأمر الشرعي وأن يغض بصره، ولكنه تناسى الأمر سريعًا واستسلم للعينين المثبتتين في المرآة.
كان جاره البدين قد مسخ صوت فيروز النديّ بالأصوات التي يصدرها من فمه، ودخان سيجارة السائق قد أذهب رائحة العطر الذي ضمّخ به لحيته في الصباح. استسلم صلاح في النهاية لعيني الفتاة، وكانت النقلة التي جعلته يشرّق ويغرّب في خياله هي ما شفعت به نظراتها من ابتسامة ذات مغزى. تحرك دافع الغريزة وبات يتخيل أول قبلة يمكن أن يطبعها على خدها، فهو لم يكن جريئًا حتى في تفكيره بسبب تربية أسرية محافظة والتزام ديني حديث العهد.
وكان كلما أسرف في الخيال يشعر بالضيق من لحيته التي ملأتها رائحة النيكوتين المنبعثة من سيجارة السائق، والبصل القادم من طعام جاره الشره الذي غطّ في النوم بعد الإجهاز على الطعام.
حطّ به الخيال على شاطئ الرذيلة، ولم يتوقف بعدها عن التفنن في خيالاته، فقد كان واضحًا أن الفتاة مسلوبة اللبّ برجولته، فهي لا تشيح بعينيها عن المرآة ولابتسامتها إيحاء صريح بالإغواء.
أفسد عليه السائق رحلة الخيال المغالية في فحشها عندما استبدل بفيروز القرآن الكريم، ولكنه لم يتوقف عن تلبية حاجاته المكبوتة، وهو ينهش بخياله في جسد هذه الفتاة الغضة.
عند الوصول إلى كراج بيروت كان صلاح قد بلغ منتهاه، وكاد لفرط هياجه أن يأخذ بيد رفيقة السفر هذه وينفرد بها في مكان قصي، لكن السيدة الكبيرة ناشدته قائلة: ابني، يبدو أنك شاب طيب، حبذا لو ساعدتني في تقطيع ابنتي العمياء هذا الشارع، فأنا لا أقوى على ذلك لوحدي.