على ذلك الجدار، في تلك الزاوية، داخل الإطار، هناك امرأة قروية في لباسها الزهري، تحمل طبق خبز شهي فوق رأسها، يمتزج لونه القمحي بضفيرة شعرها البني، تكاد إحدى قدميها تطفو فوق الأشياء حولها، ينساب الماء على أطرافها بلطف ملتحما ببشرتها البيضاء الميالة إلى الاحمرار، جاعلا من الأفق فسحة فضية تبهر الناظرين، تنبعث من جسدها الممشوق عذوبة خضبها النهر بقدسيته لترفرف في عالم ملائكي رفيع وتطير في الأفق مع عذرية الفضاء والإنسان والأرض.
تقدم نحوي وربت على كتفي. لم التفت.
رسمها جمادا فحركت تفاصيلها بأحاسيسي المرهفة وذكرياتي الخالدة؛ فصارت خارج الإطار، تتبعتها بشغف وهي تتنقل بين أروقة المعرض، وحيدة بين اللوحات، تتلألأ وسط ظلمة المكان وتطبع العيون بسحر سرمدي يخطف القلوب.
وخزني بشدة في جانبي الأيسر...
على مضض، حورت بصري اتجاهه ونظرت حائرا إلى شفتين تتحركان بقوة.. وأنا ما زلت مرتفعا في عالم مرهف الحس والروح، نزلت منه مرغما بعد حين.
ثمن اللوحة هو...
عاودت التأمل في اللوحة بعمق؛ فوجدت المرأة بائسة، تنسل على خديها عبرات تتساقط على خبزها المبلول، قاذفة بما تبقى منه نحو اليابسة.