لا يُمكن التشكيك في الدور المحوري الهام الذي لعبته شبكات التواصل الإجتماعي وتقنيات التواصل عبر الإنترنت الحديثة في نشر المعلومات بسرعة، حشد الإهتمام لقضايا مُجتمعية هامة، وتعزيز التواصل بين الأشخاص الذين يبعدون بمسافة آلاف الأميال عن بعضهم البعض.
ومن المنطقي أيضا أن شبكات التواصل الإجتماعي تخضع لمثل ما تخضع له كل التقنيات والإبتكارات التي يُمكن للمُستخدم البشري تسخيرها للنفع كما يُمكنه إستغلالها في الضرر. ولكن ما نحن بصدد الحديث عنه هو دور محوري يبدو أن شبكات التواصل الإجتماعي تلعبه يرجع الى قدرتها الفريدة على حشد الإهتمام وإثارة المشاعر من خلال إعطاء إنطباعات غير حقيقية تُعبر فقط عن فئة مُجتمعية وحيدة هي تلك الفئة التي تستخدم شبكات التواصل الإجتماعي بكثافة.
أجرى باحثان ألمانيان في جامعة وارويك دراسة شملت جميع الحالات المُسجلة لجرائم العنف ضد اللاجئين في ألمانيا على مدار عامين، والتي بلغت ٣٣٣٥ حالة، وتفحصت الدراسة كافة المتغيرات والظروف الخاصة بالمدن التي وقعت بها تلك الجرائم والحالات، كما قارنت التغيرات التي طرأت على تلك الأماكن ومدى غرتباط تلك التغيرات بمعدلات جرائم العنف ضد اللاجئين وجرائم الكراهية على مدار تلك الفترة.
خلُصت الدراسة الى نتيجة مُذهلة مُفادها أن المتغير الأبرز والأكثر تأثيرا على معدل جرائم الكراهية ضد اللاجئين هو مدى إنتشار ومعدل إستخدام “فيس بوك” في المدن التي وقعت بها تلك الجرائم. في جميع تلك المُدن التي يزداد معدل إنتشار الفيس بوك فيها عن المتوسط في ألمانيا لوُحظت زيادة في معدل جرائم الكراهية، وكلما إزداد معدل إستخدام الفيس بوك لكل شخص في أية مدينة في ألمانيا بنسبة طفيفة، تزايدت معدلات حدوث جرائم الكراهية بنسب تصل الى ٥٠٪.
ما زاد من مصداقية ذلك الإرتباط هو أنه في تلك الاوقات التي تأثرت فيها خدمة الإنترنت في عدة مدن ألمانية بمشكلات تقنية أدت الى إنقطاع خدمة الإنترنت، تم تسجيل إنخفاض ملحوظ في مُعدلات جرائم الكراهية ضد اللاجئين.
يُرجع الباحثان الألمانيا تلك النتيجة الى أن شبكات التواصل الإجتماعي، وفي مُقدمتها “فيس بوك”، تصنع واقعا ظاهريا غير مُعبر فعليا عن الواقع يُعبر فقط عن مُرتاديها، بمعنى، أن مُستخدمي “فيس بوك” في تلك الحالات نظرا لإطلاعهم على منشورات عديدة تتحدث عن اللاجئين بصورة سلبية ومع وجود عدد من المُعجبين بتلك المنشورات، يتولد لديهم إحساس غير حقيقي بأن شعبية اللاجئين بشكل عام مُتدنية، وأن المجتمع ككل يرفض تواجدهم بنسبة لأكبر كثيرا من الواقع، ما يُؤدي الى تولد كراهية إضافية تجاه المهاجرين، ويُعزز من قناعة مُرتادي مواقع التواصل الإجتماعي بأنهم فئة مُستضعفة غير مرغوب بوجودها.
في حين قد يميل البعض الى الإعتقاد بأن تلك الإستنتاجات رُبما تُمثل حالة فردية خاصة بألمانيا على سبيل المثال، إلا أنه في حين لم تُعلق “فيس بوك” رسميا على نتائج تلك الدراسة إلا أن الشركة بدون شك تُدرك أن الموقع يلعب دورا ما في نشر الكراهية والعنف، ربما بسبب تأثيره الكبير على توجيه الرأي العام بين مُرتاديه. عمل “فيس بوك” مُؤخرا بشكل جاد للغاية على مواجهة ظاهرة نشر الأخبار الكاذبة والمُزيفة، والتي تتسبب في كثير من المفاهيم الخاطئة وربما حشد الرأي العام بطريقة خاطئة، وذلك من خلال تقديم تقنية جديدة تعمل على تقييم المُستخدمين من حيث الثقة في صحة ما ينشرونه من مُحتوى وإظهار هذا التقييم بجوار إسم المُستخدم.
قامت الشركة كذلك خلال الفترة الأخيرة بحذف أكثر من ٥٠٠٠ إعلان تدعو الى التفرقة العُنصرية، كما تعمل على تقديم مقياس لمصداقية الأخبار المنشورة التي يتم تداولها على الموقع.
ستظل شبكات التواصل الإجتماعي عُرضة لمن يُسيئون إستغلالها، ولا أدري على وجه الدقة ما هو الحل الأنسب للحد من آثار الجانب السئ لإستخدامها، ولكن المؤكد لدي هو أن زيادة الوعي الشخصي للمُستخدم، وتعامله مع ما يطلع عليه من مُحتوى بعين ناقدة تُدرك أن ما تراه يخضع لمعايير الصواب والخطأ مثل أي شئ آخر في الحياة هو أمر حتمي على الدوام.