زَارنِي الْمَوْت ذَات لَيْلَةٍ فِي مَنَامي
وَقَدْ تَزَيَّنَ بِجُبّةِ الْخلَاصِ
وَتَعَطَّرَ بِرَحِيقِ النَّوْمِ الْمُشْتَهَى
أَجَبْتُ غَيْرَ مُمْتَنِعٍ وَمَدَدْتُ إِلَيْهِ يَدِي
أُرِيدُ رفقتَهُ أَبَدَا...
لَكِنَّ الْقَدَرَ كَانَ أكْبَرَ مِنهُ وَمِني فَأَبَى
إلا أَنْ يُعِيدَنِي إِلَى حَيْث الْمُبتَدى...
فَلَمَّا اِسْتَفَقْتُ مِنْ خَمِرَةِ الْكَرَى
الْمُعَتَّقَةِ بِنَشْوَةِ النَّفْسِ الْمُعَذَّبَة
وَكَفَّتْ حُوريَّاتُ الْبُحُورِ السَّبْع عَنِ النِّدَاء
وَسَكَنَ الصَّمْتُ الصَّدَى...
وَجَدْتُنِي أَجْلِسُ تَحْتَ عَرْشِ السَّمَاء
أَطُرُقُ بَابَ الشَّكِّ وأتساءل
مَنْ أَكُونْ... مَنْ أَنَا ؟!
هَلْ أَنَا وَلِيدُ لحظةٍ مَضَتْ؟
تَسَلَّلَتْ دُونَ أَنْ أَنْتَبِهَ إِلَيهَا وسطَ الزِّحَامِ
لحظةٌ، حَفَرَتْ مَلَاَمِحي عَلَى مَهَلٍ
كَالْنَّحْتِ بِالْمَاءِ عَلَى الْحَجَر
أَمْ أَنّي وَلِيد كُلَّ لحظةٍ تَمْضِي؟
أَتَغَيَّرُ وَأَتَجَدَّدْ كَمَا يَشَاءُ الزَّمَان
كَمَا تَشَاءُ الصُّحْبَةُ أَوْ يَسْتَدْعِي الْمَكَان
مَنْ أَكُونْ... مَنْ أَنَا ؟!
سُؤَالٌ... كَالْبَدْءِ، يُحَيِّرُنِي
يُكَبِّلُنِي...
يَسْرِقُ مِني حَاضِرِي
وَيَنْسفُ مِنَ الْعُمُرِ كُلَّ مَا مَضَى
وَلِسُوءِ حَظِّي...
فَأَنَا لَمْ أَبْلُغْ بَعْدُ الأربعين
وَلَمْ اخْتَبِرَ بَعْدُ ذُرْوَة الْيَقِين
سُؤَالٌ... يَخْتَزِلُ غَدِي
فِي نُقْطَةِ اِسْتِفْهَامٍ سَاكِنَة...
مَنْ أَكُونْ... مَنْ أَنَا ؟!
فَاِسْمُ أَبِي...
وَإِنْ كُنْتُ أَعشْقهُ
وَأَحْمِلُهُ أَعَلَى جَبِينِي وَشْمًا عَلَمَا
أَسْتَقِي مِنْ سيرَتِهِ نُورًا وَزَخَمَا
فمَهْمَا حَاوَلْتُ الْاِمْتِدَادَ فِيهِ طُولَا وَعَرْضَا
أو أن أَصَنْع مِنهُ لِنَفْسي بَعْضَ عِزَّةٍ أَوْ مَجْدَا
فَهُوَ لَا يَكْفِينِي
وأبداً لَا يُغْنِينِي
عَنْ أَرْضٍ أَطْرَحُ فِيهَا بُذورِيَّ عَمْدَا
فَأُزْهِرُ تُفَّاحًا أَوْ وَرْدًا أَوْ شَوْكَا
فَأَكُونْ...
أَمَّا رَحِمُ أُمِّي...
وَإِنْ كنت أُقَدِّسُهُ
وَأَحِنُّ إِلَيْهِ وَأَرْدُفُ الشَّوْقَ دَمْعَا
أَذْكُرُهُ بِلَهِفَةِ الْعَاشِقِ الْأعْمَى
فمَهْمَا حَاوَلْتُ أَنْ أَبْنِيَّ لِي بَيْتًا بَيْن أَسْوَارِهِ
وَأَنْ أَغْتَسِلَ بِمَائِهِ الْمَعْجُونِ بِزَيْتِ الزَّيْتونِ
أَوْ أَنْ أَشَرَبَ مِنْ أَسَرَارِهِ
فَهُوَ لَا يَكْفِينِي
وأبداً لَا يُغْنِينِي
عَنْ رِيَاحٍ عَاصِفَةٍ تَتَجَاذَبُنِي وَتُلَطِّخُ وَجْهِي
تَأْخُذُنِي إِلَى اللّا- مَعْلُومِ، وَتَنْثُرُنِي غُبارَا
فَأَكُونْ...
مَنْ أَكُونْ... مَنْ أَنَا ؟!
أَتُرانِي أَنَا ذَاتُ الْحُزْنِ الَّذِي يَسْكُنُنِي ؟!
فَلَوْلَا هَذَا الْحُزْن مَا ثَابَرْتُ فِي السُّؤَال
وَلَا كُنْتُ دَفَنْتُ رَأْسي تَحْتَ الرِّمَال
وَلَا أَغْرَقْتُهَا فِي جوف الْبِحَار
لَعَلّي أَسْتَطْلِعُ تَضَارِيسِ الطَّبِيعَةِ، فَأَعِي
شَيْئًا مِمَّا كُنْتُ
أَوْ مَا قَدْ أَكُونْ...
أَمْ تُرانِي أحلَامِي وَكُلَّ مَا أَنَجَبَتْ مِنْ أَمَالٍ عَرِيضَة ؟!
فَلَوْلَا أحلَامِي...
مَا كُنْتُ لِأَسْتَيْقِظَ كُلَّ صَبَاح وَأَخْرُجَ مُهَرْوِلًا
لِأَرْسُمُ خُطَاي عَلَى جُدَرَانِ الزَّمَن
وَلَوْلَا أَمَالِي الْعَرِيضَة...
مَا كُنْتُ جُلْتُ الْعَالَمَ أَتَقَصَّى خُطًى
سَبَقَتْنِي إِلَى الشَّكِّ قَبْلَ الْيَقِين
وَلَا كُنْتُ خَبِرْتُ خَيْبَةَ الْأَمَلِ
وَلَا نَشْوَةَ الرِّضَا
وَلَا الْجُنُون...
أَمْ تُرانِي أَنَا هُوَ ذَاتُ الْجُنُون ؟!
فَلَوْلَا الْجُنُون، مَا كُنْتُ عَذَّبْتُ نَفْسي بِالسُّؤَال
وَلَوْلَا السُّؤَال، مَا كُنْتُ اِخْتَرَقْتُ كُلَّ الْحُدود
وَلَوْلَا الْحُدود، مَاكُنْتُ كَفَرْتُ بِاِسْمِي وَلَوْنِي وَلِسَاني
وَلَوْلَا الْكُفْرُ، مَا كُنْتُ مَدَدْتُ يَدِي لِلْمَوْتِ
أَسْتَعْطِفْهُ الْخلَاص لَعَلّي
أَدَفِنُ تَحْتَ التُّرَابِ شَكِّي وَكُلَّ أثَامِي
وَأُزْهِرُ عَلَى جَوَانِب قَبْرِي
نَرْجِسًا أَبْيَضَا
فَأَكُونْ...
أَنَا الشَّكُّ أَنَا الْجُنُون!...
أَنَا سُؤَالٌ بِلَا جَوَاب!...
سُؤَالٌ... كَالْبَدْءِ، يُحَيِّرُنِي
يُكَبِّلُنِي...
يَسْرِقُ مِني حَاضِرِي
وَيَنْسفُ مِنَ الْعُمُرِ كُلَّ مَا مَضَى
وَلِسُوءِ حَظِّي
فَأَنَا لَمْ أَبْلُغْ بَعْدُ الأربعين
وَلَمْ اخْتَبِرَ بَعْدُ ذُرْوَة الْيَقِين
سُؤَالٌ... يَخْتَزِلُ غَدِي
فِي نُقْطَةِ اِسْتِفْهَامٍ سَاكِنَة...