أنا أناي – شعر: مأمون أحمد مصطفى زيدان

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

أقف الآن هنا
بين زاويتينِ باردتين
جليد، ثلج، هواء يعوي
يجوح، يهز ويهتز
بين رمانتين وحنظلتين
بين زهرِ لوز
زهر شوك وصبار
أقف
لأرقبَ المدى
يتسع ويضيق
يصفو ويتعكر

أرى السحب
تتبادل مواقعها، تتداخل
تتشكل، تتكتل
تنسحب وتنفصم
سوداء أحيانًا
كحزن وردةٍ يتيمة
بيضاء في أحيان
كفرحة ذئب
في فمه فريسة
تتلوَّى، تطفح عيناها
برعب وفجيعة
♦ ♦ ♦
أنا الآن
بين ذاتي وذاتي، وذاتي
أبحث عني
عن ذاتي التي كانت ذاتي
عن ذاتي التي بين يدي
عن ذاتي التي هاجرت
هجرتني فهجرتها
عن ذاتي التي تنتظر خلف السنين
عن ذاتي الملوِّحة
بالغربة والاغتراب
♦ ♦ ♦
خطوة هنا
لأمي
خطوة هناك
لأبي
رابية يفتتها الوقتُ
يسحقها الدهر
خطوة لأختي
لأخي
يأكلها شفق نهم جائع
خطوة لي
لي أنا
مرصوفة فوق موج من شذا
فوق بحرٍ من مدى
تتقدم
تحثُّ خطاها نحو هاوية
ترتفع فوق هامة جبل
تسقط في دائرة من هلام
كثيف
كضباب يتكالب على ذاته
يتحول دخانًا
بلا نارٍ أو نور
خفيف
مثل ريشة نعام أو طاووس
تتمزق من ريح صحراء مغبرة
♦ ♦ ♦
كم بحثت عن الموت
في قواميس النهاية
في أسرار بلاغة الزوال
في أدغال العتمة
وغابات الضياء
مدفوعًا برغبة الاندماج
في مفردات الغامض المجهول
بلونِ فراشة كحلية
مهروسة الجناح
بشوق المتيم
كنت أبحث
عن رؤيتي ورؤاي
عن ينبوعي المغلق
عن خطوتي وخطاي
عن هجرتي من ذاتي
إلى ذاتي
من وطني المتخم بالطين
والحمأ والصلصال
من زهرة الأقحوان في ظل زيتونة
إلى زهر حنون ودحنون
يلتقط الشمس
من مغربها
مشرقها
من مغاربها
مشارقها
ليحشرها
في صياح ديكٍ مخضل بالندى
هديل حمام يتنفس الصبح
حقل شعير
ينام في الفضاء
يلتحف الليلَ
يتدثر الأسحار
غزالة حبلى
سليلها يشي بها[1]
♦ ♦ ♦
لم أكن أعلم يومًا
كيف أبدأ
وكيف أنتهي
البدايات تتداخل
في النهايات
ظل أو ظل لظل
شبح في مرآة لا تطيق ذاتها
ولا تعشق الأشباح
بيداء تغطس في بيداء
رمل بيدِ ريح هوجاء
ماء في منخل أو غربال
صدأ على أسنان الزمن
ألم في رأس المكان
هروب من ناي حزين
يشدو لخراف السهول
فتثغو
فرحًا أو حزنًا
♦ ♦ ♦
قيل:
كنت يومًا عدمًا من عدم
غيبًا مخبأ في جرة طين
مجهولًا أكلته النار
تحول نثارًا
ابتلعته عواصف وهج
فتلاشى كتلاشي التلاشي في التلاشي
كائن أو شبه كائن
ذوبته شموس
شيء من شيء يتشيأ
ومتشيئ لا يعلم عن تشيئه شيئًا
كشيء خارج من اللاشيء
شيء يسأل عن شيء في اللاشيء
والشيء يعوي، يجوح
يبحث عن شيء في الشيء
♦ ♦ ♦
بحث في البحث
عن بحث
كنت فيه يومًا
صليل سيف
أو ركوة بئر
شعاع جديلة
يحملني إلى ذاتي
إلى أنا
إلى أناي.

_________
[1] السليل: صوت الغزال.

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟