(خلال حوار مسجل غير منشور بتاريخ 30 يونيو 1992، أعطى جاك ديريدا هذا الجواب الشفوي الطويل).
يتطلب فهم لفظ "التفكيك" ليس بمعنى الذوبان أو الهدم، لكن بتحليل البنيات المترسبة التي تشكل العنصر الخطابي، الخطابة الفلسفية التي نفكر بداخلها. يمر ذلك عبر اللغة، وعبر الثقافة الغربية، وعبر مجموع ذلك الذي يحدد انتماءنا إلى تاريخ الفلسفة.
توجد كلمة "التفكيك" مسبقا بالفرنسية، لكن استعمالها كان جد نادر. لقد خول لي ذلك بداية ترجمة كلمات، الواحدة آتية من هايدجر، الذي يتحدث عن "الهدم"، والأخرى آتية من فرويد، الذي يتحدث عن "الذوبان". لكن بسرعة، طبعا، حاولت إبراز، داخل نفس الكلمة، أن ما دعوته بالتفكيك ليس فقط هايدجريا أو فرويديا. وكرست العديد من الأعمال لأبرز في نفس الوقت نوعا من الدين اتجاه فرويد وهايدجر، ونوعا من التحول لما دعوته بالتفكيك.
لايمكنني إذن شرح ماهية التفكيك، بالنسبة لي، بدون إعادة تناص الأشياء. ففي الوقت الذي كانت فيه البنيوية مهيمنة، انخرطت في أعمالي، وبواسطة هذه الكلمة. التفكيك، كان ذلك أيضا اتخاذ موقف اتجاه البنيوية. كان ذلك في الوقت الذي هيمنت فيه علوم الكلام، والمرجعية اللسانية، وال"كل شيء كلام".
بدأ التفكيك هنا، أتحدث عن سنوات 1960، في التشكل ك... لن أقول كضد بنيوي، لكن على أية حال ينزاح عن البنيوية، ورافضا سلطة الكلام.
لهذا، كنت دائما في نفس الوقت حائرا وقلقا أمام الفهم الجد متداول للتفكيك ك - كيف القول؟- "هيمنة لسانية"(1) و"فائض لساني" (2) و"فائض تناص" (3). بدأت بالاعتراض على سلطة اللسانيات والكلام والنزعة المركزية - كلمة كررتها وجزأتها-، كيف يتم اتهام غالبا التفكيك بكونه تفكيرا لا يهتم إلا بالكلام وبالنص، بالمعنى الحصري، وبدون واقع؟ إنه معنى مضاد غير قابل للإصلاح، ظاهريا.
لم أتخل عن كلمة "التفكيك"، لأنها تتطلب ضرورة الذاكرة، وإعادة التواصل، وإعادة تجميع تاريخ الفلسفة التي نوجد بداخله، بدون التفكير بالتالي الخروج من هذا التاريخ. لقد ميزت بالأحرى باكرا بين الانغلاق والنهاية. يتعلق الأمر بإبراز انغلاق التاريخ، وليس الميتافيزيقا عامة - لم أعتقد قط بوجود ميتافيزيقا؛ هذا أيضا، يعد حكما مسبقا متداولا... إن فكرة وجود ميتافيزيقا تعد حكما ميتافيزيقيا مسبقا. يوجد تاريخ وقطائع في هذه الميتافيزيقا. فالحديث عن انغلاقها لا يعني القول بأنها انتهت.
إذا، يتحدد التفكيك والتجربة التفكيكية بين الانغلاق والنهاية، في القول الفلسفي، لكن كانفتاح لمسألة حول الفلسفة نفسها. من خلال هذا المنظور، يعد التفكيك ليس فقط فلسفة، وليس مجموعة من الأطروحات، وليس أيضا مسألة الوجود، بالمعنى الهايدجري. بطريقة معينة، إنه لاشيء. لا يمكن أن يكون تكوينا معرفيا أو منهجا. غالبا ما يتم عرضه كمنهج، أو يتم تحويله إلى منهج، بمجموعة من القواعد، ومن الخطاطات التي يمكن تعلمها، الخ.
إنه ليس تقنية، بمعايير وخطاطات. طبعا، يمكن وجود ضوابط في طرائق وضع أنماط معينة من القضايا بطريقة تفكيكية. من هذا المنظور، أعتقد أن ذلك يتيح فرصة التعلم، ويعطي مفعولات التكوين، الخ. لكن التفكيك ليس منهجا في جوهره نفسه. لقد حاولت بنفسي التساؤل حول ماهية المنهج، بالمعنى اليوناني أو الديكارتي، والمعنى الهيجلي. لكن التفكيك ليس ميتودولوجيا، بمعنى تطبيق القواعد.
إذا أردت إعطاء تعريف اقتصادي ومختزل للتفكيك، سأقول بأنه فكر أصل وحدود التساؤل "ماهية؟..."، المسألة التي تحكم كل تاريخ الفلسفة. في أية لحظة نحاول التفكير في إمكانية ال"ماهية؟..."، ووضع مسألة حول شكل هذا التساؤل، أو مسائلة ضرورة هذا الكلام في لغة معينة، وفي تقليد معين، الخ، فإن ما نقوم به في تلك اللحظة لا ينحو إلا إلى غاية نقطة معينة إلى مسألة "الماهية؟"
يعد ذلك اختلاف التفكيك. إنه فعلا تساؤل حول كل ما هو أكثر من تساؤل. لذلك، أتردد دائما عند استعمال تلك الكلمة. يتعلق بكل ذلك الذي حكمته مسألة "الماهية؟" في تاريخ الغرب وفي تاريخ الفلسفة، بمعنى تقريبا الكل، من أفلاطون إلى هايدجر. من هذا المنظور، بالتأكيد، لم يعد بالإمكان مطالبته بالجواب عن مسألة "ماهيته؟"، و"ما هذا" بشكل متداول.
الهوامش:
*/ Qu’est-ce que la déconstruction ? Jacques Derrida. Le Monde, mardi 12 octobre 2004. Propos recueillis par R.-P.D.
http://www.jacquesderrida.com.ar/frances/deconstruction.htm
1) un « omnilinguistisme ».
2/ un « panlinguistisme ».
3/ un « pantextualisme ».