في الوقت الذي أصبحت الحركات الاجتماعية، أكثر منا أي وقت مضى محتاجة؛ إلى تمثيلية ووضوح سياسي ، يجدربنا إعادة قراءة هابرماس لملائمة إطار التفكير والعمل حتى ولو وصف البعض أعماله باليوتوبيا السياسية.
إذا كان الفيلسوف يركز في أبحاثه الأخيرة على ضرورة تجاوز الدولة- الأمة ، من اجل مناهضة عولمة التدفقات ( السياسية الاقتصادية)فان ذلك عن طريق تشكل اجتماعي للفضاء العمومي الذي يشكل محركه التحليل النقدي للوظائف السياسية للدولة.
في كتابه" الفضاء العمومي اركيولوجيا الدعاية باعتبارها مكون أساسي للمجتمع البرجوازي" . قدم هابر ماس دراسة سوسيو- تاريخية لتحولات بنية الفضاء العمومي البرجوازي منذ بدايته إلى يومنا هذا.هذا الظهور والتطور لمبدأ الدعاية باعتباره مبدأ شرعي لمراقبة السلطة السياسية مرتبط بالفرد( البرجوازي المثقف).
فامتلاك الفرد لهذه الكفاءة السياسية ، تمت بالتدرج بواسطة تمثيل موقف وشرعية فردية أو جماعية ؛ بالرأي والنقد العقلاني دون اعتبار للسلطة السياسية.
إذا كان هابر ماس لم ير في القرون الوسطى بين المجال العام والخاص ايةمعارضة يمنك مقارنتها بمثيلاتها في النموذج القديم، وبالمقابل يرى هابر ماس في بداية الرأسمالية التجارية والمالية عناصر شكلت مركب تبادلي جديد:- تبادل الأخبار
- تبادل السلع
بالفعل نلاحظ آنذاك توسعا كبيرا لشبكة أفقية لملحقات اقتصادية التي لايمكن ربطها بالعلاقات الإقطاعية.
من خلال تحولا ت طرأت على بنية الاقتصاد ، انعكست على العلاقات الاجتماعية. فالنشاط الاقتصادي يجب أن يتم في فضاء تبادل واسع وموضعته تحت مراقبة وإدارة السلطة السياسية.
هذه الأخيرة ستكون في مواجهة مصالح فئوية للتجار والرأسماليين.في الحقيقة ستظهر العناصر الاساسية لفضاء عمومي برجوازي وماسسته مابين القرنين 17- 18م
بالموازاة مع ولادة دولة حديثة ستظهر طبقة برجوازية مكونة من موظفي الاادرات الملكية وقضاة واطباء ورهبان واساتذة " مثقفون"
في داخل هذه الطبقة الاجتماعية، كانت السلطة السياسية السبب في شعورهم بالوعي الذي يوضح للناس طبيعة العدو الاجتماعي للبرجوازية ومكانتهم في الفضاء العمومي البرجوازي الوليد.
هكذا رويدا رويدا ، كل ما يمكن اعتباره مصلحة عامة اصحت من الآن فصاعدا ، الشغل الشاغل للطبقة البرجوازية.
مفهوم الدعاية باعتباره مكون أساسي للفضاء العمومي وباعتباره مبدأ مراقبة السلطة السياسية.
يرجع الفضل في استقلالية وتقدم الفضاء العمومي البرجوازي ، إلى ازدهار الصحافة. مع رأي عام يتشكل خاصة من سكان المدن وبرجوازيين الذين كيفوا عاداتهم القرائية مع الجديد من لمنشورات وخاصة مع دخول التحليل النقدي في الصحافة اليومية ، تشكل في قلب الفضاء الخاص شبكة مكثفة من التواصل العمومي.
هكذا ستتشكل أشكال جديدة للعلاقات الاجتماعية مؤسسة على المناقشة واستعمال العقل. نقاش في صالونات حيث يعلق الناس على الأخبار الواردة من الجرائد حيث كل فرد يعطي رأيه وتبريره.
فهابر ماس يلاحظ أن الصحافة قبل سنوات من الثورة الفرنسية قدمت صورة جامدة عن العلاقات بين السلطة والفضاء
العمومي، في حين أن في فرنسا وأيضا ببريطانيا كانت تطور علاقاتها كما سنرى واضحة جدا.
فمبدأ دعاية الإعلام هو في الحقيقة مبدأ مراقبة حيث استغله الرأي العام البرجوازي للوقوف في وجه السلطة لوضح حد للأسرار الخاصة بالدولة المطلقة.
فهذاالمبدا المنشئ لفضاء عمومي برجوازي بدا حقيقة في القرن الثامن العشر ، باعتباره فضاء سياسي جديد حيث موضع نفسه بين الدولة والأفراد.
فالفضاء العمومي البرجوازي سيلعب دور الوسيط بين حاجات المجتمع والدولة. وهذا التوسط يفترض أن يعتمد بالتدريج على مفهوم " الرأي العام" بمعنى آخر تمثيل موقف وشرعية لنقد عقلاني للسلطة السياسية.
نركز هنا وبكلمات أخرى على فكرة الكفاءة السياسية فهابرماس يعتبر تشكيل فضاء عمومي شرط أساسي للكفاءة السياسية والمواطنة.
فدعاية الإعلام وخصوصا الإعلام السياسي مرتبط أساسا بتحول في شرعية النشاط السياسي، وهذا يتم بواسطة السيادة الشعبية وعن طريقه تسمح بظهور مفهوم المواطنة لتصل في الأخير لمرحلة النافس الانتخابي.
فهذا التوسط بين الدولة والأفراد سيستمر تدريجيا إلى حدود القرنين الثامن والتاسع عشر عن طريق نصوص دستورية محددة مثلا لبنيا ت الدولة الدستورية، والانتخابات والصحافة وخاصة النقاشات البرلمانية المفتوحة على الإعلام.
هكذا تظهر السلطة السياسية وهي خاضعة لمحكمة الرأي العقلاني والشرعي.
التحولات البنيوية المعاصرة للفضاء العمومي: نحو انحراف الوظائف النقدية لفضاء العمومي
يتجه الفيلسوف هابرنا س وباهتمام نحو النموذج الليبرالي لديمقراطية البرجوازية حيث يجد صراحة فيها تحررا قويا لكن أيضا يجد فيه تناقض قوي من حيث قمع الرأي العام الشعبي بل اصبحت المصلحة العامة تحتكرها فقط الطبقة البرجوازية.
فالانتقال من دولة دستورية ليبرالية إلى دولة اشتراكية جعل الفضاء العمومي يتآكل دوره. والتدخل الكبير للدولة الاشتراكية في جميع مجالات الحياة ادى إلى مايسميه هابر ماس" إعادة الفيودالية إل الفضاء العموميّ". فالتدخل المتعدد لفضاءات عامة وخاصة بالاعتماد على التسيير الإداري والتقني اضعف الوظائف النقدية للفضاء العمومي.
في داخل الدولة الاشتراكية فقد الفضاء العمومي دوره، حيث لاحظ هابر ماس بالموازاة مع ذلك انعدام اهتمام الشعب بالسياسة
فالرأي العام فقد دوره النقدي بسب خضوعه لمجموعة المصالح التي تستعمل تقنية الإشهار لمصلحتها الخاصة لاستمرارية سلطتها.هذا مهم في النقد الذي وجهه هابر ماس للمجتمع الحديث، حيث تم تعويض الدعاية النقدية بدعاية الهتاف والمناورة.
مما جعل الفضاء العمومي يتجه نحو فضاء التهليل والهتاف حيث أصبحت السياسة مهرجان وحل التسويق السياسي محل الخطابة.في عصر الدعاية المتلاعبة بالعقول ، فليس المحرك هو الرأي العام ولكن التوافق المصنوع الممهد للاجماع.
النص الاصلي على العنوان : http://membres.multimania.fr/tomate/pdf/habermas.pdf