استعمل الفيلسوف-المؤرخ عابد الجابري مفهوم الاستقلال التاريخي بعد أن استعاره من الحقل المفاهيمي والنظري للمفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي، ووضعه ضمن نسق فكري ومنهجي جديد يتوافق مع الأطروحة الفكرية والسياسية للوطنيين المغاربة في علاقتها بالتراث(السلفية الوطنية) وبالآخر (الغرب) فأصبح الاستقلال التاريخي لدى الجابري هو قدرة الأمم على فَحص تراثها بعقل متحرر، ونقد علاقتها بالغرب لامتلاك أسباب استقلالها الذاتي.
انقلبت موازين المواجهة في الحرب العالمية، وتراجعت قوة "نظام فيشي" بفرنسا وتأسس تيار "فرنسا الحرة" الذي سيعقد مؤتمرا له في برازفيل سنة1944 (حضره جاك بيرك ممثلا للإقامة العامة حينها) نضجت فكرة مطلب الاستقلال لدى الوطنيين المغاربة.
لقد فقدت فرنسا فرصة الحفاظ على الوضع القائم قبل الحرب، ولم يعد بإمكانها تأمين "الوجود الودي" و"نظام التفاهم" (ستعود إليه بعد1953 ومعها ستطرح فكرة الاستقلال في إطار التبعية لأول مرة سنة1954 ).
تقدم الوطنيون بعرائض ومذكرات في كل من المنطقة السلطانية والخليفية ولدى قناصلة الدول بطنجة الدولية، ولم يعد سرا لدى المؤرخين أن وحدة المطالب هي ما يفسر وجود أكثر من وثيقة أو مذكرة للمطالبة بالاستقلال، لعل أشهرها، لأنها صدرت عن أكبر تنظيم سياسي جامع حينها ومؤثر، هي وثيقة 11يناير1944.
تقول الرواية التاريخية الجديدة بأن هناك أيضا "مذكرة تطوان" بتنسيق ما بين حزب الإصلاح الوطني(ع.الخالق الطريس) وحركة الوحدة المغربية(المكي الناصري) يوم 14فبراير1944، ثم مذكرة الحزب الشيوعي المغربي(إ.عمران المالح).
بيان11يناير 1944 جاء بعد 10سنوات من تقديم دفتر مطالب الشعب المغربي ومطلب الإصلاحات، وشكّل أرضية للمطلب المشترك للوطنيين في علاقة بالمنتظم الدولي:
-استقلال المغرب بكامل وحدته الترابية تحت حكم السلطان محمد بن يوسف
-السعي لدى الدول المعنية للاعتراف بذلك الاستقلال والسيادة المغربية
-انضمام المغرب لميثاق الأطلسي ومشاركته في مؤتمر السلام
الموقعون على وثيقة11يناير (رغم تضارب الروايات حول عددهم الحقيقي في النسخة الأصلية:58؟62؟65؟) يمثلون شرائح مجتمعية ومهنية متنوعة حيث نجد ضمنهم :القضاة (02) موظفو المخزن(03) مدرسون ورجال تربية(28) رؤساء جمعيات(02) مهن حرة مختلفة(باقي الأعضاء)وكانت المرأة الوحيدة في اللائحة توقع حينها مقالات لها في الجرائد الوطنية تحت لقب "الفتاة" حول وضعية المرأة المغربية ودورها في النضال الوطني .
يوم25يناير1944 اعتقلت فرنسا أحمد بلافريج لأنه هو من قرأ الوثيقة على الملأ ونقلها إلى السلطان، واعتقل معه حوالي20 وطنيا آخر منهم عبد الرحيم بوعبيد(16سنة حينها) ومحمد مكوار، كما كان نفي اليزيدي إلى كورسيكا، واندلعت احتجاجات شعبية هائلة هي الأكبر منذ1912 بفاس(رواية ر.لوتورنو) جوبهت بالقمع واعتقال 600شخص مع إغلاق القرويين، وثانويتين (مولاي يوسف ومولاي ادريس) بقرار من الإقامة العامة(جابرييل بّيو).
يحكي الراحل العربي المساري(2013) رواية عن الفرنسي"ديلانوي" :
"لما استقبل السلطان محمد بن يوسف الوطنيين للنظر في وثيقة المطالبة بالاستقلال، راودته فكرة الجلوس إلى الأرض مع باقي الوفد لأن ما كان بصدد التباحث هو أمر يخصّ الأمة بأجمعها وهو واحد منها".