" الجهل يصنع القانعين "
ببللونيه
حينما سئل فولتير ذات مرة عمن سيقود الجنس البشري أجاب " الذين يعرفون كيف يقرؤون" وما فتئت القراءة تمثل دائما وعيا يتنامى ويزداد بمقدار ما نطالع ، ولا يقاس تقدم مجتمع ما إلا بقدر ما يوجد فيه من مثقفين وقراء وحركة فكرية وعلمية نشطة تدفع بالناس إلى الحوار وتشخيص الأخطاء والسمو على العقبات والنظريات الضيقة .
وحينما نسأل عن واقع القراءة في مجتمعنا العراقي وفي العالم العربي على العموم سنجد تلك المأساة المروعة التي تكمن في أنها السبب في تخلفنا الحضاري وانغلاقنا عن العالم وتقوقعنا في نفس الأفكار البالية والطروحات المستهلكة ، ذلك أننا انقطعنا عن فهم جذور مشاكلنا بانقطاعنا عن الوعي المتمثل بالقراءة معلقين أسباب التخلف على أوهام غيبية ومؤامرات نتخيلها وكأننا محور هذا الكون والجميع يقف على الضد من تطلعاتنا لكن السر في واقع الأمر يتعلق بنا وبتاريخنا الدموي الذي حارب الفكر الآخر باقصاءه وتشريده ومحو كل أثر له فلم يحفظ لنا التاريخ مثلا تراث المعتزلة أو مؤلفات واصل بن عطاء ومن كتب أبي الهذيل الذي صنف ألفا ومائتي رسالة ناهيك عن شتات و مجموع الفكر المعارض في شتى حقول المعرفة والتاريخ والآداب والفلسفات .
هذا الصراع الدامي على السلطة وإقصاء الفكر بالسيف تواصل في وقتنا الحاضر عبر الطغاة والحكومات الديكتاتورية والسلطات الدينية المتزمة أو التي تحسب نفسها من حظيرة السلطان والتي لا تريد مجتمعا واعيا بمسؤولياته وحقوقه قدر ما تريد مجتمعا داجنا يوجهه وعاظها وكتابها وشعرائها عبر ممارسة هي في واقعها تجهيل للمواطن وإقصاء ومحاربة الفكر المعارض فلا يتسنى رؤية أو معرفة إلا ما تريده السلطة وما يريده الحاكم لتدعيم سلطانه لأن " الكتب تبدد الجهل ، والجهل حارس الدول وضامن حمايتها " كما يقول فولتير .
كان من نتيجة ذلك أن ينشأ الخوف من القراءة ومن الوعي عموما حيث لا يقود صاحبه في النهاية إلا إلى السجن أو القتل أو الموت جوعا وفقرا وقد أسس هذا الوضع في العالم العربي و ما يزال نظاما من الرعب حل فيه الكسل الفكري وأحبطت فيه أي محاولة علمية لإيجاد سبيل التقدم الحضاري ناهيك عن الفقر والأمراض والاضطهاد والتي لم تدع للمواطن العربي في أي مكان فرصة أن يقرأ أو يجدد وعيه بما يدور حوله وبما يدور في العالم.
ومما يزيد الطين بله هو عجز المؤسسة التعليمية عن تنمية قيم القراءة الحرة وترسيخ موهبة الإبداع حيث الطلبة محكومون بمطالعات بلا أفق ولا أجنحة وليس في نصوص قراءاتهم التعليمية سوى ما يكرس تلك الثقافة الداجنة والكسل الفكري والذي يبدأ حين ينتهي دور الدراسة المنهجية فلا عجب أن نرى الكثير من خريجي الجامعات الذين يطلقون الكتاب بمجرد تخرجهم .
أرقام مرعبة
في استطلاعات أجرتها ورشة العمل العربية لأحياء القراءة بناء على النتائج الصادرة من اتحاد كتاب الانترنيت العرب تبين ما يلي :-
ما تطبعه الدول العربية مجتمعة هو تقريبا مليون كتاب موزعة على ثلاثمائة مليون مواطن عربي 60% منهم أميون وأطفال و 20 % لا يقرؤون أبدا و 15 % يقرؤون بشكل متقطع وليسوا حريصين على اقتناء الكتاب وما تبقى هم 5 % من المواظبين على القراءة وعددهم مليون ونصف فقط أي أن حصة الفرد الواحد أقل من كتاب سنويا في مقابل 518 كتابا للفرد في أوربا و 212 كتابا للفرد في أمريكا .
في إحصائية نشرت في بداية عام 2008 في إحدى الصحف اللبنانية بينت أن معدل القراءة لدى العربي هو " كلمة واحدة " في الأسبوع ويهبط مقدار معدل القراءة السنوية للفرد إلى ست أو سبع دقائق في العام أي أن 300 ألف عربي يقرؤون ما يعادل كتابا واحدا فقط مقارنة مع المواطن الغربي الذي تصل معدل قراءته 36 ساعة في العام أي أكثر ب 360 مرة من المواطن العربي .
في إحصائية عالمية أخرى بينت أن معدل القراءة السنوي أربعة كتب للفرد وفي أمريكا 11 كتابا وفي انجلترا سبع كتب أما في العالم العربي فربع صفحة للفرد الواحد .
يوازي عدد الكتب المطبوعة في اسبانيا ما طبعه العرب منذ عهد المأمون وفي حقل استهلاك الورق فان دار غاليمار الفرنسية للنشر لوحدها تستهلك ما يفوق كل المطابع العربية مجتمعه من كمية الورق.
مأساة الترجمة في العالم العربي
تمثل حركة الترجمة مثالا مهما على النشاط والتلاقح الفكري والثقافي والحضاري وقد سمي عصر المأمون بعصر الترجمة لما مثله هذا النشاط من فعالية مهمة كانت السبب لحركة الفكر العربي النشطة فيما بعد وإذا ما قورنت حركة الترجمة مع ما يماثلها في الوقت الحاضر لوجدنا العجب العجاب فقد بلغ عدد الكتب المترجمة إلى العربية في ثلاثة عقود من عام 1970 إلى عام 2000 ما يعادل 6881 كتابا وهذا ما يعادل ما نقل إلى اللغة الليتوانية التي يبلغ عدد الناطقين بها أربعة ملايين شخص فقط .
وكان تقرير الأمم المتحدة قد كشف عن وضع مزر بهذا الخصوص إذ أن العرب لا يترجمون إلا خمس ما يترجمه اليونانيون في الوقت الحاضر .
الطفل العربي مأساة أخرى
في إحصائية لمنظمة اليونسكو كشفت أن الوقت المخصص للقراءة الحرة عند الطفل العربي لا يزيد عن ست دقائق في العام أما حجم الكتب المخصصة للطفل فهو عدد مزر لا يتجاوز 400 كتاب في العام في مقابل 13260 كتاب للطفل الأمريكي و 3838 كتاب للطفل البريطاني و 2118 للطفل الفرنسي و 1485 للطفل الروسي .
شر البلية ما يضحك
حقائق مخزية تبعث على السخرية ما كشفه استطلاع مصري بين أن معظم الطلاب لا يقرؤون الصحف اليومية إطلاقا فيما بلغ متوسط ساعات الجلوس أمام التلفاز 6 ساعات وكشفت الأسئلة التي تتعلق بمدى معرفة الشخصيات عن جهل الطلبة بأسماء الكثير من المفكرين والشخصيات العامة .
فمثلا عرف الكثيرون عبد الرحمن الكواكبي على أنه صحفي مصري وسعد زغلول على انه شاعر سوري وبابلو نيرودا على انه شاعر مغربي .
وقد جرى استطلاع مماثل في الكويت فكانت الأجوبة كالتالي
59 % عرفوا كوفي عنان على أنه حارس مرمى منتخب الكاميرون .
16 % أجابوا عن روجيه غارودي على أنه لاعب في منتخب فرنسا عام 1998.
الشيخ احمد ياسين اعتبرته الأغلبية على أنه شقيق الممثل الكوميدي إسماعيل ياسين ؟!
.
واذكر مرة أنه جرى استطلاع في العراق قامت به مجلة ألف باء في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي عن ثقافة الطالب الجامعي فكانت بعض الإجابات كالتالي:-
77 % من عينة الاستطلاع لا يعرفون من هو عبد القادر الرسام والذين تعرفوا عليه بأنه رسام من خلال اللقب فقط فيا ترى ماذا سيقال عن ثقافة الطالب الجامعي في الوقت الحاضر وإذا اجري استطلاع في هذا الوقت فكم منهم سيعرف مثلا من هو عطا صبري أو شاكر حسن آل سعيد أو محمد غني حكمت أو فائق حسن أو شوكت الربيعي ؟.
كثير من الطلبة أجابوا عن توفيق الحكيم بأنه المشرف الفني على مسلسل " افتح يا سمسم " الذي كان يعرض في ذلك الوقت فهم لا يميزون بين توفيق الحكيم والدكتور فائق الحكيم فهل تراهم اليوم سيعرفون من هو مثلا محمد سعيد الحبوبي أو مهدي عامل أو حسين مروة أو عزيز السيد جاسم أو هادي العلوي أو فاضل العزاوي
وكم منهم قد قرأ أعمال د.علي الوردي وكم منهم يعرف د. نوري جعفر أو بلند الحيدري أو عبد المجيد لطفي أو مصطفى جواد ناهيك عن المفكرين والفلاسفة والروائيين الغربيين فهل لنا أن نتساءل بعد ذلك عن السر في مدى تخلفنا وتدهور حال القراءة والثقافة في العراق وفي العالم العربي على العموم .
من المضحكات المبكيات على المستوى الذي وصلت إليه الثقافة في العالم العربي أنه في إحصائية لمعرض كبير للكتاب وجد أن أكثر الكتب بيعا في هذا المعرض ثلاثة عناوين هي :-
رجوع الشيخ إلى صباه .
ثلاث خطوات وتفوزين بقلبه .
كتاب عن الطبخ .
فأي مهزلة ثقافية وأي تسطيح فكري نعيش ويعيش الإنسان العربي فيه أكثر من هذا وهل نحتاج بعد ذلك لمن ندعي انه يتآمر علينا لنعلق عليه شماعة تخلفنا الفكري والحضاري بينما نحن في الواقع نتآمر على أنفسنا من خلال تقوقعنا حول تقاليد بالية وعديمة الجدوى إزاء هذا الواقع المزري ثقافيا وسياسيا وحضاريا في عالم يحكمه منطق القوة العلمية وليس قوة المنطق إلا بقدر ما يعين الشعوب على حل مشاكلها والنهوض بواقعها الثقافي والعلمي والحضاري .
المصادر :
شبكة النبأ المعلوماتية
قراءة التاريخ بالفنجان – مقالات للشاعر عدنان الصائغ
موقع منظمة اليونسكو .
صحف ومجلات مختلفة .
ومما يزيد الطين بله هو عجز المؤسسة التعليمية عن تنمية قيم القراءة الحرة وترسيخ موهبة الإبداع حيث الطلبة محكومون بمطالعات بلا أفق ولا أجنحة وليس في نصوص قراءاتهم التعليمية سوى ما يكرس تلك الثقافة الداجنة والكسل الفكري والذي يبدأ حين ينتهي دور الدراسة المنهجية فلا عجب أن نرى الكثير من خريجي الجامعات الذين يطلقون الكتاب بمجرد تخرجهم .
أرقام مرعبة
في استطلاعات أجرتها ورشة العمل العربية لأحياء القراءة بناء على النتائج الصادرة من اتحاد كتاب الانترنيت العرب تبين ما يلي :-
ما تطبعه الدول العربية مجتمعة هو تقريبا مليون كتاب موزعة على ثلاثمائة مليون مواطن عربي 60% منهم أميون وأطفال و 20 % لا يقرؤون أبدا و 15 % يقرؤون بشكل متقطع وليسوا حريصين على اقتناء الكتاب وما تبقى هم 5 % من المواظبين على القراءة وعددهم مليون ونصف فقط أي أن حصة الفرد الواحد أقل من كتاب سنويا في مقابل 518 كتابا للفرد في أوربا و 212 كتابا للفرد في أمريكا .
في إحصائية نشرت في بداية عام 2008 في إحدى الصحف اللبنانية بينت أن معدل القراءة لدى العربي هو " كلمة واحدة " في الأسبوع ويهبط مقدار معدل القراءة السنوية للفرد إلى ست أو سبع دقائق في العام أي أن 300 ألف عربي يقرؤون ما يعادل كتابا واحدا فقط مقارنة مع المواطن الغربي الذي تصل معدل قراءته 36 ساعة في العام أي أكثر ب 360 مرة من المواطن العربي .
في إحصائية عالمية أخرى بينت أن معدل القراءة السنوي أربعة كتب للفرد وفي أمريكا 11 كتابا وفي انجلترا سبع كتب أما في العالم العربي فربع صفحة للفرد الواحد .
يوازي عدد الكتب المطبوعة في اسبانيا ما طبعه العرب منذ عهد المأمون وفي حقل استهلاك الورق فان دار غاليمار الفرنسية للنشر لوحدها تستهلك ما يفوق كل المطابع العربية مجتمعه من كمية الورق.
مأساة الترجمة في العالم العربي
تمثل حركة الترجمة مثالا مهما على النشاط والتلاقح الفكري والثقافي والحضاري وقد سمي عصر المأمون بعصر الترجمة لما مثله هذا النشاط من فعالية مهمة كانت السبب لحركة الفكر العربي النشطة فيما بعد وإذا ما قورنت حركة الترجمة مع ما يماثلها في الوقت الحاضر لوجدنا العجب العجاب فقد بلغ عدد الكتب المترجمة إلى العربية في ثلاثة عقود من عام 1970 إلى عام 2000 ما يعادل 6881 كتابا وهذا ما يعادل ما نقل إلى اللغة الليتوانية التي يبلغ عدد الناطقين بها أربعة ملايين شخص فقط .
وكان تقرير الأمم المتحدة قد كشف عن وضع مزر بهذا الخصوص إذ أن العرب لا يترجمون إلا خمس ما يترجمه اليونانيون في الوقت الحاضر .
الطفل العربي مأساة أخرى
في إحصائية لمنظمة اليونسكو كشفت أن الوقت المخصص للقراءة الحرة عند الطفل العربي لا يزيد عن ست دقائق في العام أما حجم الكتب المخصصة للطفل فهو عدد مزر لا يتجاوز 400 كتاب في العام في مقابل 13260 كتاب للطفل الأمريكي و 3838 كتاب للطفل البريطاني و 2118 للطفل الفرنسي و 1485 للطفل الروسي .
شر البلية ما يضحك
حقائق مخزية تبعث على السخرية ما كشفه استطلاع مصري بين أن معظم الطلاب لا يقرؤون الصحف اليومية إطلاقا فيما بلغ متوسط ساعات الجلوس أمام التلفاز 6 ساعات وكشفت الأسئلة التي تتعلق بمدى معرفة الشخصيات عن جهل الطلبة بأسماء الكثير من المفكرين والشخصيات العامة .
فمثلا عرف الكثيرون عبد الرحمن الكواكبي على أنه صحفي مصري وسعد زغلول على انه شاعر سوري وبابلو نيرودا على انه شاعر مغربي .
وقد جرى استطلاع مماثل في الكويت فكانت الأجوبة كالتالي
59 % عرفوا كوفي عنان على أنه حارس مرمى منتخب الكاميرون .
16 % أجابوا عن روجيه غارودي على أنه لاعب في منتخب فرنسا عام 1998.
الشيخ احمد ياسين اعتبرته الأغلبية على أنه شقيق الممثل الكوميدي إسماعيل ياسين ؟!
.
واذكر مرة أنه جرى استطلاع في العراق قامت به مجلة ألف باء في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي عن ثقافة الطالب الجامعي فكانت بعض الإجابات كالتالي:-
77 % من عينة الاستطلاع لا يعرفون من هو عبد القادر الرسام والذين تعرفوا عليه بأنه رسام من خلال اللقب فقط فيا ترى ماذا سيقال عن ثقافة الطالب الجامعي في الوقت الحاضر وإذا اجري استطلاع في هذا الوقت فكم منهم سيعرف مثلا من هو عطا صبري أو شاكر حسن آل سعيد أو محمد غني حكمت أو فائق حسن أو شوكت الربيعي ؟.
كثير من الطلبة أجابوا عن توفيق الحكيم بأنه المشرف الفني على مسلسل " افتح يا سمسم " الذي كان يعرض في ذلك الوقت فهم لا يميزون بين توفيق الحكيم والدكتور فائق الحكيم فهل تراهم اليوم سيعرفون من هو مثلا محمد سعيد الحبوبي أو مهدي عامل أو حسين مروة أو عزيز السيد جاسم أو هادي العلوي أو فاضل العزاوي
وكم منهم قد قرأ أعمال د.علي الوردي وكم منهم يعرف د. نوري جعفر أو بلند الحيدري أو عبد المجيد لطفي أو مصطفى جواد ناهيك عن المفكرين والفلاسفة والروائيين الغربيين فهل لنا أن نتساءل بعد ذلك عن السر في مدى تخلفنا وتدهور حال القراءة والثقافة في العراق وفي العالم العربي على العموم .
من المضحكات المبكيات على المستوى الذي وصلت إليه الثقافة في العالم العربي أنه في إحصائية لمعرض كبير للكتاب وجد أن أكثر الكتب بيعا في هذا المعرض ثلاثة عناوين هي :-
رجوع الشيخ إلى صباه .
ثلاث خطوات وتفوزين بقلبه .
كتاب عن الطبخ .
فأي مهزلة ثقافية وأي تسطيح فكري نعيش ويعيش الإنسان العربي فيه أكثر من هذا وهل نحتاج بعد ذلك لمن ندعي انه يتآمر علينا لنعلق عليه شماعة تخلفنا الفكري والحضاري بينما نحن في الواقع نتآمر على أنفسنا من خلال تقوقعنا حول تقاليد بالية وعديمة الجدوى إزاء هذا الواقع المزري ثقافيا وسياسيا وحضاريا في عالم يحكمه منطق القوة العلمية وليس قوة المنطق إلا بقدر ما يعين الشعوب على حل مشاكلها والنهوض بواقعها الثقافي والعلمي والحضاري .
المصادر :
شبكة النبأ المعلوماتية
قراءة التاريخ بالفنجان – مقالات للشاعر عدنان الصائغ
موقع منظمة اليونسكو .
صحف ومجلات مختلفة .