الجمعة, 03 نيسان/أبريل 2015 11:50

قراءة عاشقة لرواية "لم أر الشلالات من أعلى" محمد ميلود غرافي ـ أحمد بنحميد

قيم الموضوع
(4 أصوات)

صدرت عن دار "الغاوون للنشر والتوزيع" رواية تحث عنوان " لم أر الشلالات من أعلى" غلافها من تصميم "مايا سالم" و موشى بلوحة "لسيرجيو غراسيا"، وهي العمل الروائي الأول للمبدع المكتوي بلهب الشعري والخائض للجج الأبجدية في عوالمها المتشضية مانحا المولعين بوميض الشعر ديوانين، الأول موسوم ب "حرائق العشق" والثاني ب "أمضغها علكا أسود"، مبدع، شاعر منغرس ومحتضن لقضايا أمته ببعد إنساني متدفق ومنفتح على قضايا إنسانية، مبدع، شاعر مهووس بالكلمة الشعرية وعوالمها العلوية، شاعر منحنا في ليلة من ليالي البيضاء الشتوية والضاجة بالكوابيس كما الأحلام المسبية، فرحا ووهجا وحكايا وسرودا بسخاء أهل الشرق المغربي صحبة الصديق نورالدين  بوجلاب الموشوم بالكرم الطائي والصديق خالو رمضان المحب للأدب والأدباء والذي يخفي شاعريته وأشعاره ويمنحها بسخاء لصداقاته المتوهجة لحظة صفاء الذهن وتدفق القول الممهور برحيق الدوالي والليالي القمرية، لحظتها تأكدنا أننا جلساء روائي يخطوا نحو العوالم الروائية بتؤدة ودون تسارع أو تكالب على ميدان الأدب كما يحدث لأدعياء الأدب والثقافة في بلدتنا وللأسف هم مجر كتبة لا غير.

السرد يبتدئ عادة بوصف سفر أو انصراف أو ذهاب
هذا ما جاء في كتيب "الأدب والغرابة" للكاتب والباحث عبد الفتاح كليطو، لتؤكده افتتاحية الرواية بقولة النفري "لا يسلم من ركب"،  لتبدأ الرواية بسرد حكاية الشخصية المحورية وإن كانت الرواية ذيلت بنسخة من عقد نكاح مكتوب على الطريقة المغربية، سرد الحكاية يبدأ بوصف رحلة من لندن إلى بانغور المتواجدة ببلاد الغال ذات الطبيعة الجبلية الساحرة والتي تتخللها الشلالات مانحة المكان صخبا جميلا وصمتا مجللا بعنف جميل لتتفتف الذكريات، ذكريات الشخصية والتي تطرح سؤالا مفاده " لماذا نتدفق حبا هكذا مثل الماء نحن القادمين من الجنوب؟"،وإن كانت هذه الرحلة مجرد محطة من المحطات التي سبقتها الرحلة الأصلية إلى باريز مدينة الأنوار، قد نستشف من سياق الحكايات المتضمنة في الرواية أن الرحلة الأصلية كانت من اجل الدراسة، رحلة للبحث عن أفق أرحب مادام الوطن لا يقدم لأبنائه غير العطالة وانسداد أفق المستقبل، نستشف ذالك من خلال حكايا السارد والتي تؤطر علاقة الشخصية المحورية بباقي الشخصيات والتي هي الأخرى تعش غربتها المؤطرة بخصوصية البلد الذي جاءت منه وإن كان التبئير على بلدان المغرب العربي وخصوصا الجزائر من خلال جيل السبعينيات والتي دخلها مفعم بالأحلام ليغادرها غالبا في تابوت ليدفن في بلده الأصلي، جيل من العمال يعقبه جيل من الطلبة أو من تحولوا لمجرد بائعي مخدرات واللذين التجئوا للدين في طبعته الشعبية بعد الأزمات التي وقعت لهم نتيجة لأوضاع بلدانهم الأصلية وما أصاب أسرهم وخاصة العنف الدموي الذي عرفته الجزائر خلال التسعينيات، حكايا يحكيها السارد والذي يتماهى مع الشخصية المحورية الشاهدة على ما يمور داخل العمارة التي تظم كل أصناف المهاجرين من عمال ومتقاعدين وعاطلين وطلبة سواء من المغاربيين والأسيويين ومن بعض دول أروبا كالبرتغال.
حكايا تحاول تتبع وتسطير عيش المهاجرين بباريز، منهم الساقط في حضن الفرنسيات المدمنات من اجل الحصول على أوراق الإقامة، ومنهم من وجد ملاذا داخل ركن حانة لا يفارقها إلا للنوم ومنهم من التجأ للتدين الشعبي كمخرج لأزماته النفسية.
الذاكرة مطية لاستحضار الحكي
"لم أر الشلالات من أعلى" هل هي رواية ذاكرة بامتياز؟ هذا ما نستشفه من خلال موضوعة السفر، والسفر هنا، سفر في الجغرافيا وسفر في التاريخ، جغرافيا محلية تشمل منطقة شرق المغرب مع الحدود الجزائرية، وجغرافية أوروبا سواء انجلترا وفرنسا، وسفر في تاريخ المغرب الحديث ويشمل جانب من تاريخ الحركة الوطنية في مواجهة المستعمر وكذا مواجهة النظام بعد الاستقلال، هذه الذاكرة المؤطرة بحكاية الأب والابن معا، حكاية الأب هي أقرب للسيرة الذاتية بأسلوب بسيط بعيد كل البعد عن ما هو فني بلاغي, وحكاية الابن التي تشتغل بأسلوب فني وبلاغي رفيع وبلغة أدبية، وبأسلوب الاسترجاع يستفز القارئ ويجعله كلما أوغل  في القراءة يتساءل من أين تبدأ الحكاية بل الحكايا الناظمة لمسار الرواية، حكاية الأب التي تسطر مرحلة من مراحل مواجهة المستعمر وكذالك فترة من فترات مواجهة نظام الحسن الثاني، أما حكاية الابن فهي تسطر لمرحلة فارقة في تاريخ المغرب الحديث، مرحلة المد اليساري وما تلاه من انكسارات كانت  نتيجتها إما السجن أو المنفى أو التصفية الجسدية، هذا دون إغفال ما حدث خلال الثمانينيات، بل إن حكاية الابن ما هي إلا تسطير لخيبة أحلام جيل برمته أجهضت بتحالف النظام مع الطبقة المساندة له.
"لم أر الشلالات من أعلى" رواية تقارب ثيماتها من خلال تجاور نصين، نص الأب ونص الابن، نصين متقاربين رغم أنهما مختلفين على مستوى الأسلوب واللغة وحتى الفترة التاريخية المؤطرة لهما، لكنهما يحملان نفس الجينات الممتدة في التاريخ والوعي الجمعي لجيلين أجهضت أحلامهما.
"لم أر الشلالات من أعلى" رواية متعددة الأصوات بالمفهوم البختيني، من حيث تعدد شخصياتها ولغاتها، فنجد الحوار، الترسل، اللغة الدارجة، اللغة الأدبية الصرفة...
"لم أر الشلالات من أعلى" رواية آتية من تخوم الشرق المغربي، تخوم الهامش الذي أريد له ذلك لأسباب تاريخية وسياسية، لكن هامش منحنا روايات وروائيين أفداد ليؤكدوا لنا أن الوطن ليس بعاقر إبداعيا.

معلومات إضافية

  • الكاتب: محمد ميلود غرافي
  • مجال الكتاب: رواية
  • دار النشر: دار "الغاوون للنشر والتوزيع"
  • تصميم الغلاف: "مايا سالم
قراءة 10639 مرات

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

آخر المقالات