الاستدلال والتواصــل التصويــري في مجموعة ( بريق أسود ) للشـاعـــر العــراقي محمـد كاظـم - علاء حمد

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

يقتحم الشاعر تراسلات الحواس ، وهذا مانبحث عنه في التصوير الشعري الخارجي والتصوير الداخلي ، ومن خلال مجموعة الشاعر العراقي محمد كاظم الشعرية ( بريق أسود ) ، ندخل الى عتبات النص .. النص بين النص والنصية من خلال النظرية التداولية لمعرفة المفاهيم والدلالات واستبدالاتها ، خارج المؤثرات والتغييرات التي طرأت على الشعر العربي الحديث ( وهنا أقصد التأثر الكمي بالقصيدة الرمزية التي ظهرت في فرنسا ) فنحن مع المؤثرات النوعية ضمن بيئة الشاعر العراقية ، ولا يهمنا وذهاب الشاعر الى الرمزية ، بل بالعكس ، فهي حالة صحية والوجوب الوقوف مع هذه المدرسة ، بالاضافة الى عنصر الخيال ، والذي يغذي الينا الصورة الشعرية ، فمهما اختلفنا ومهما كانت وسائل التعبير في النمو القصائدي ؛ فالصورة ترفع من مستوى المعاني وتعدد الدلالات ، وبعضها تتجاوب مع الشاعر من الحالة المعروفة الى الحالة الخيالية ، وبعض الصور تأسيس ذهني لاتخرج الا عند التفاعلات والانفعالات التي تطرأ على الشاعر ، بشكلها السريع وشكلها البطئ .. وعلى ضوء ذلك فالصورة المساس الرئيسي لكهربة القصيدة والكشف عن الحالات النفسية والحالات التي تقف عندها المعاني .. في الوقت الذي تعجز مفردات اللغة عن التعبير عن ذلك ، وخصوصا منتجع الحقول الدلالية ...

دائما في الشعرية ووظائفها ، علينا فعل الاختراق ، فبواسطة فعل الاختراق نقع على الاختلافات التي تمتن النص الشعري ، والنص الذي لايبنى على الاختلافات ، فهو نصّ بارد بلغة كلامية معتادة ، وهذا ليس تجنيا في الشعرية ، فلو لاحظنا العهد العباسي والقصائد التي شمّرت عن سواعدها ومنهم الشاعر المتنبي ، فسوف نصل الى لغة الاختلاف ، وليس المعني بالاختلاف اللغوي فقط هنا ، وإنما تذهب اللغة معنا وهي تحمل مكامن المعاني ، وتجرّنا الى تصاوير خيالية والى معان مؤجلة ، وما التصاوير إلا نبذة مختصرة من ذاتية الشاعر العاملة – الذات الشاعرة – فلو ذهبنا مع المنهج الاستقرائي للصورة .. فأما أن ننفيها كصورة لاتدل على مؤثرات وأما أن نعتمدها كصورة تدل على مؤثرات وتقتحم المعنى وتميل الى تأثيرات المتلقي لتدخل ذهنيته التأثرية ، وعملية النفي ، هي عملية عدم اعتمادها كصورة رئيسية تحمل من المعاني والدلالات ، وهذا يشمل الصور المباشرة المنقولة من الطبيعة دون تمريرها في ذهنية الشاعر لتحويلها الى منطقة الشعر والمخالفات اللغوية ، ونصطدم بالكثير من مثل هذه الصور ، وعمليات التزيين الجزئية لاتساعد على عدم تبليلها الشعري بأساليب شاعرية .. فقد تم تعريق الاستقراء لغة ومعناه ((تتبُّع الجزئيات من أجل الوصول إلى نتيجة كلية )) .. أما من الناحية الاصطلاحية : (( فهو عبارة عن عملية استدلال عقلي تنطلق من فرضية أو مقولة أو ملاحظة، وتتضمَّن: إما القيام بإجراءات مناسبة لفحص الفرضية من أجل نفيها أو إثباتها )) . فعندما نلغي الصورة الذهنية ، فهذا يعني نلغي تواجدها ، والعمل مع تقويمها للشعرية ، فمن هنا نتجنب الصور المباشرة ورسمها كتصويرية في النصّ الشعري الحديث ..
حين أقول أحبك
تتطاير في قلبي فراشات بيض
وتحط على وردتك بهدوء
حين أقول أحبك
يرمي النورس ريشته
فتتلقفها موجة صغيرة
تأبى أن تصل الساحل
حين أقول أحبك
تولد وردتان في فضاء البحر
فتمسكها يدكِ كطائر حزين
من قصيدة : حين أقول أحبك – ص 25
تحلّ العبارة التالية محل العبارة الثانية فتحمل دلالة ووظيفة جديدة ، فعندما نتجاوز العبارة الاولى ، فهذا يعني مازلنا في المنطقة الشعرية وننتقل الى امتدادات العبارة قبيل الالغاء ، ( الالغاء هنا لانعني حذف العبارة وانما الغاء وظيفتها ) فننتقل الى وظيفة أخرى أكثر اثارة من العبارة الملغية :
الغاء الصورة الذهنية = إالغاء تواجدها التنظيمي
= نقص أولي في وظائف النصّ الشعري
نستطيع هنا أن نحدد إطارات النصّ خارج الصورة = إذن موت النصّ وعجزه عن الحركة
فالعبارة الأولى : حين أقول أحبك – خارجة من الذهنية وقد اعتمدها الشاعر بالرغم من المعنى الذي تحمله وهي من المعاني العادية واليومية ، ولكن تكرارها محل العبارة الثانية : تتطاير في قلبي فراشات بيض + وتحط على وردتك بهدوء = حين أقول أحبك – هنا نتجاوز معنى الالغاء المرسوم ، وهذه الحالات عادة تحدث في تقييم الصورة الذهنية ، حيث الصورة الأقوى تسبق الصورة الضعيفة ، وتتجاوزها بالالغاء ، وهكذا يتماشى النص الشعري قبل الانتهاء منه ، لذلك عمد السرياليون الى الغاء الذات العادية تماما ، وهي نفسها الذات اليومية التي نشتغل معها بالشكل الطبيعي ، وأخذوا يبحثون عن الذات الحقيقية ..
وكذلك في النصّ الشعري ، ندخل اليه بما يشير عليه القول الشعري ، وخارج ذلك لانستطيع أن نكون مع الحدث الشعري المنقول ، فبعض العبارات تكون تكوينات منقولة كأن من الذهنية والرجوع الى الماضي أو من أرضية خصبة خارجية تحددها الطبيعة والرجوع الى طبيعة الحدث اليومي أو الطبيعي ، ولكن بعبقرية الشاعر يتجاوز الاحداث العادية ، حيث يدخلها المختبر الفني ويحصل على لغة مخالفة عن المألوف ..
حين أقول أحبك = يرمي النورس ريشته + فتتلقفها موجة صغيرة + ( تأبى أن تصل الساحل ) = حين أقول أحبك – عبارة تأبى أن تصل الساحل ، عبارة عادية ولاتحمل شيئا من القول الشعري ، فالشاعر قد غشّ قصيدته ، عندما أدخلها ، ولكن في نفس الوقت حكمته الحالات اللاشعورية ، وهي ينقل مايلائم القول الشعري والخارج عنه أيضا : حين أقول أحبك = تولد وردتان في فضاء البحر + فتمسكها يدكِ كطائر حزين – يتواجد ضمن الضرب القولي دلالات ، تشير هذه الدلالات الى معنى القول ، ويخرج الشاعر أحيانا عن القول ، ولكن سرعان ما يستمر ويلملم الجزئيات في صور شعرية ، وما حالة التكرار التي يعتمدها الا حالة استقرائية للقول ، وذلك كي يجد نتائج أخرى للمعاني التي اعتمدها من جديد . فمفهوم اللعبة الشعرية لايتكئ على القول الشعري بشكل نهائي ، وألا سيفرو الينا قولا شعريا – شعريا ، أي يتجاوز عناصر القصيدة الأخرى ومنها الدلالات والتصورات الذهنية التي تشير وتقودنا الى القول الشعري ، لذلك لاتكتفي القصيدة بذاتها ، وانما تشير الينا الى قيمة ايضاحية ، من خلال التواصل النصي في المشاهد الشعرية ..
لتعلن الفراشة دهشتها
حين تحط على عسل
يختبئ خلف الشفتين
من قصيدة : أتقلب في بحر غيابك – ص 28
في عملية الاستدلال نذهب الى نشاط العقل ونتائجه التي يطرحها الينا ، وليس دائما نتائج العقل صائبة ، فالحالة الشعورية تسيطر أحيانا ( نحن مع الشعرية وفلسفتها العقلية ولسنا مع الفلسفة كعامل فلسفي داخلي )
alaa mohamedعلاء حمدفيتحرر النطق عندما يتحول الكلام من الذهنية الى اللسانية ، ومن اللسانية الى الكتابية ، ومن المخفي والى الظهور ، وهكذا تمر الصورة الشعرية بتصاوير عديدة ، فالرؤية غير مستقرة ، وهنا نملك رؤيتين ، الرؤية الذهنية المحللة والرؤية البصرية الناطقة ، فتتمكن الذهنية من الجمع بينهما ، لتطهير الصورة وصفاء عنونتها ورسمها بشكلها النهائي ، وعندما تشتغل الرؤية البصرية فقط خارج الذهنية ينتقل الكلام العادي ، ونفس الدورة من اللسانية الى الكتابية أو من الذهنية الى الكتابية ، وهكذا .. وعملية التقاط الصور النوعية عملية يدخل فيها الابتكار الجديد ، فهي ليست تلك الصور الجاهزة أبدا ، ولكن العملية عملية عمق التخييل وادارة هذا التخييل من قبل الباث برؤيا يستطيع النظر من خلالها : لتعلن الفراشة دهشتها + حين تحط على عسل + يختبئ خلف الشفتين – العنونة التي امامي عنونة بسيطة ، ولكن هناك علاقات بين العنونة والمتن ، فالعتبة الثانية تمنح القوة للعتبة الأولى ، مما تنشط حركتها عند القراءة طبعا .. ثلاثة أفعال تتجاور مع بعضها بثلاث عبارات ناسكة ، فقد قادنا الشاعر الى شكل غير مألوف ، وصورة حملت دهشتها وجماليتها غير المكررة ، وهذا يعني ومن خلال الافعال المضارعة بأن الشاعر آني ، وتفكيره مستقبلي ، لذلك جاءت صورته المدهشة حاملة للمعاني ، وكذلك حمالة للتأويل من خلال الرموز والاشارات ، فقد اشار الى الفراشة بدهشتها ، بينما وظف مفردة الفراشة كرمز ، ترمز الى المرأة ، المرأة ، والمرآة البريئة ، وعندما نرمز الى البراءة ، فيتخيل في عقلنا المباشر كل كائن لاحول له من قوة ، فالفراشة لاتستطيع المقاومة ، وحتى لاتستطيع الصراخ ، وهكذا هي الطقوس المجتمعية والتي لاصراخ فيها ، ولكن تحوي على الأنين ..
اللغة والتفاعل التصويري
لايتم قبول مصداقية الحدث الشعري الا بواسطة اللغة الناقلة للحدث والتفاعل الجذاب بين اللغة والصورة ؛ فنحن أمام القبولية والتقبل الفني الذي يؤدي الى المؤثرات وبعض الوظائف ومنها وظيفة اللغة ، فحتى من ناحية الاستدلال ووظائفه في القصيدة ؛ فمن وظائف الاستدلال قبول مصداقية الصورة ، ورسم الشواهد لها ، ومن تلك الشواهد اللغة الناقلة مثلا ، فالجمع بين الاثنين يتم بين فكرة الاستدلال وفكرة الدليل ، فالدليل هنا يقودنا الى ايجاد الدلالات ، ولنقل عنه أيضا الدال ، فله علاقة فنية بين الدال والدليل للمثول بالدلالات التي تعتبر المحرك الأساسي للصورة الشعرية ، وكذلك دليل اللغة والتي هي الحاملة الأولى لمبنى الصورة واختلافها بالشكل اللغوي وأختلاف المعاني ايضا ؛ لذلك يقودنا الاستدلال الى معنى المعنى . ومن هنا من الممكن الذهاب الى المادة ، المادة الخام قبل انصهارها ، فالمعنى الأول يؤدي الى المعنى الثاني ، فتتكون لدينا شبكة من المعاني " معنى المعنى " مما يؤدي الى تأجيل بعضها ، وذلك لفيض الحالات الفنية في النصّ والاشتغالات عليه . (( يختلف المضمون المادي باختلاف مادة الاختبار للكشف عنه والتي يمكن أن تكون رمزية أو عددية أو مكانية أو لفظية . – ص 275 – اللغة والتفكير الاستدلالي – الدكتور أكرم صالح محمود خوالدة )) .
دع عنكَ هذا الاكليل الذي يودع نظارته
ربما ينفجر على مستقبل يطلق شهقته
في ساحات يثقلها الفراغ
وقل للمرايا التي تعكس شهوتها
بدلا من ترتيب الوجوه المتسلقة أصفاد حروبها
للفراغ جيوشٌ آمنة
إلا من صبر يتكسر من خشوع العتمة
فالرياح تقتني الغبار
وتوزعه ، ببلادة موزونة بالدراهم
من قصيدة : أكتشف بقايا صمتك – 37
عندما ينقاد الشاعر الى ابتكارات جديدة فهناك بقايا من الماضي ، الماضي الذي تركته خلفها الذاكرة ، وتكونت ذاكرة جديدة  ، مما يستدعي الدخول الى حالات فلاش باكية ، وهي حالات تصور استدلالية تساعد الشاعر على ايجاد المستجدات من حياته الجديدة ، ولكن في نفس الوقت يتعلق الشاعر بعلائق آنية ومستقبلية عند الدخول الى حالاته النفسية ومرآتها ليعكسها في الشعرية ؛ والتكوين اللغوي ماهو الا تأكيدات وظيفية للصورة ودفعها الى الامام من خلال التلاعب بها ، والخروج من الحالات المباشرة .. اذن نذهب مع التكوين الذاتي الذي يهمنا كحالة ايجابية انفعالية وكحالة عاطفية معيشية ، وما يناسب بيئة الباث عادة ؛ وعكسها على التصاوير التي تنتاب الشاعر ضمن الخيال المتواصل :
دع عنكَ هذا الاكليل الذي يودع نظارته + ربما ينفجر على مستقبل يطلق شهقته + في ساحات يثقلها الفراغ – حالات طلب ، وفيما بعد حالات عرض ، فالاولى هي طلبية الشاعر وتوجيهه نحو الاخر ، لذلك يدعوه ويطلب منه ، أي يتجنب الموضوع الذي رسمه الشاعر العراقي محمد كاظم ، فتكونت لدينا عدة شخصيات ، فالاول هو الباث ، والثاني هو المخاطَب والثالث هي الحالة الزمنية ، والرابع المرسَل إليه ، هذه الشخصيات هي اشتغالات فنية لتقويم النص ، وانبعاث الحالات الجمالية منه ، مثلا : الحالة الجمالية اللغوية ، والتي تتعلق بالموضوع الذي رسمه الشاعر ( الرسالة ) والحالة الجمالية السببية ، وتتعلق بالالفاظ وسبب تواجدها في الجمل المركبة ، مما دفعت التكوين النصي الى دليل يدلنا على تلك المشاهد المضاءة ، وان اختفت بعض المعاني من المشهد الذي نقلته ولكن ؛ حالة الفراغ الذي شغل الساحة ، فهناك بالمقابل حالة الانفجار ؛ فمن المحتمل يؤدي وظيفته في الفراغ الذي يشغل الساحة أو ( ربما ) وهي حالة واحدة ، ولا يختلف المعنى ، ولكن حالة الاختلاف ، هي حالة لغوية قبل كل شئ ..
وقل للمرايا التي تعكس شهوتها + بدلا من ترتيب الوجوه المتسلقة أصفاد حروبها  =  للفراغ جيوشٌ آمنة + إلا من صبر يتكسر من خشوع العتمة
المشهدان يتساويان في النطق والامتداد بالمعنى ، فالمشهد الأول امتد الى المشهد الثاني وذلك لتقابل مفرة ( قل ) مع مفردة ( للفراغ ) فتصبح لدينا ، قل للمرايا .. وقل للفراغ ، مما تقابلت المفردتان في المعنى .. وقد أكد دو سوسور حول الالفاظ التي تحمل المعاني والالفاظ المهملة ، فالالفاظ التي تحمل المعاني هي علامات ؛ تبحث عن الدال والمدلول ، وأما تلك التي لاتحمل المعاني فهي مهملة ، ترفضها اللغة في النصّ الشعري ، وتواجدها أحيانا للضرورة فقط  .. (( إن العلامة ينبغي أن لاتقتصر في إدراكها على مفهومها القريب من الذهن ، وهو أنها اللفظ الذي يشير الى شئ في الخارج كما تشير كلمة تفاحة الى تلك الفاكهة المعروفة ، فالعلامة بالمفهوم الذي أعتقده هي أكثر تعقيدا ودقة من ذلك ، وهي أنواع ، حيث لاتقتصر على مايسمى بالعلامة المعجمية ، بل تشمل العلامة المعجمية ، ونوعا آخر يمكن تسميته بالعلامة الوظيفية ( أو القواعدية ) ، كما أنها أيضا ليست مقتصرة على مايمكن أن يسمى بالعلامة الجزئية ، بل تشمل أيضا ما أدعوه بالعلامة التركيبية . – ص 34 – المعنى وظلال المعنى – د . محمد محمد يونس علي )) .
فعملية التفكيك تشمل الأفكار الشمولية والأفكار الجزئية ، ومنها المعاني المؤجلة والمعاني التي تختبئ خلف الجمل المركبة ، اعتبارا من أصغر وحدة جملية الى أكبر جملة ، ولا نستغرب بأن الكلمات المتواجدة تشارك ولو بالشئ الجزئي بالمعاني ، وكذلك حالات التنقل بالجمل والمفردات ورسم الفراغات من قبل الشاعر .. فلو لاحظنا أعلاه فسوف تبان لنا حالا انتقال المشهد وتواصله مع مشاهد أخرى ، بل العودة الى طبيعة المشهد الأول أيضا .
احترسي أيتها الوردة
انتبه أيها المطر
فالظلال التي تكهنت في الزوايا المعتمة
كانت محض خرافة
والارض التي ابتلعت البحرَ
كانت تؤدي فريضة انقسامها
وأنا لم أعد اكتفي بارتشاف صوتها
الذي يأتيني متكسرا وبعيدا
أحيانا أشتاق الى توحدها
وهو ينادي صهيلي
من قصيدة / انتبه ، أيها المطر – ص 43
عادة تكون عائدية المنطوق للناطق به أو الذي رسمه ، وهنا نؤكد على المنشأ ، وهو المنشأ اللفظي عندما يتناوله الشاعر ويمرره بانزياحات لفظية أو انزياحات دلالية ، مما تزيد اللغة انتاجا وجمالية في شعرنا الحديث ، وهذا هو الذي يحدث عندما تعود الكلمة الى معناها الاصلي ، فيتلاعب بها الشاعر ويحرفها عن ذلك المعنى ، مما تولد لنا معان إضافية ، ومعان جديدة ، وهذا يحدث عادة عند تركيب المفردة مع كلمات أخرى ، فعندما نقول هذه المفردة الشعرية ، فهي غير مستقلة ، فعند استقلالها سوف نرجع الى منشأها الأصلي القاموسي ، بينما لدينا قاموسنا الشعري الجديد بواسطة الانزياحات التي تحدث ، وتعدد التراكيب ؛ مما يضيف دلالات إضافية للجملة الشعرية .. ومن هنا نقول ، التوظيف المحصور للغة يضيق على المعنى ، بل يحصر التأويلات وعدم توسها ، بينما الانفتاح اللغوي ، تكسب المفردات في الجملة على وضع جديد ، أي وضع الادوات وعلاقاتها اللغوية بين المفردة واللغة ، وتوظيف الاخيرة بالشكل الذي يلائم الاداة الفنية في النصّ الشعري ، وهذا مانلاحظه لدى بعض قصائد الشاعر العراقي محمد كاظم ، فقصيدة ( انتبه ،أيها المطر ) ، بدايتها من العنونة قد قادتنا الى لغة تعبيرية ، فقد أرادنا أن نجاور لغته ، لغة القصيدة التي دفعتنا الى درجات متفاوتة بين القصدية والمفهومية التي اعتمدها الشاعر : احترسي أيتها الوردة - انتبه أيها المطر =  فالظلال التي تكهنت في الزوايا المعتمة + كانت محض خرافة  
الوردة والمطر مفردتان ، تساوتا في المعنى ، فقد خصص الاحتراس للوردة ، بينما نبه المطر بعدم العبث بها ؛ وهي حالة امتدادية بين الجملة الأولى الى الجملة الثانية ، فالتشبيه كان واضحا بالنسبة للوردة ، بينما استعار مفردة المطر ومزجها في الجملة لترمز الى قوته ، فمن الممكن جدا تمزيق الوردة التي لا تودّ الا الرقة والنعومة ، مما تبعث الى اللذة الداخلية ، وان كانت هذه اللذة مؤقتة ولكن تثير الاحساس الجمالي بالعبارة ، فالوردة تنتمي وتميل الى الفصائل الجمالية ، وهي لاتتواجد الا في طقوس الجمال ، ومن ناحية مدلولها تحسسنا مباشرة بالجمالية حيث تشكل قيمة إضافية بين المفردات الذكية التي تقودنا الى تعدد مآثر الجمال ، وهنا ليست تناقضات الموقف ، فالمفردتان تحملان من الجمالية ، بينما مال الشاعر الى جمالية الوردة أكثر .. ويقودنا الشاعر الى الزوايا المعتمة والى الخرافة ، ليتهجن من ذلك وعدم تثبيت مصداقية الزوايا المعتمة ، لانها كانت غير واقعية ( محض خرافة ) ، لقد دلّ الشاعر من خلال بعض الدلالات وأشار الى بعضها ورمز الى مفردات أخرى لتقويم المعنى والعمل على امتداده أكثر الى بقية الجمل الشعرية .. والارض التي ابتلعت البحرَ + كانت تؤدي فريضة انقسامها - وأنا لم أعد اكتفي بارتشاف صوتها ... لو نظرب الجمل المتواصلة مابين التنظير والترجمة فسوف نذهب الى عدة منافذ ربما لتبيان بعضها عندما ننتقل الى الدلالة والمعنى ، وهذه الاضرب للدلالة والبراهين حول التماشي مع المعاني المترجمة للمعنى المعنى والمعاني وعلاقاتها مع الالفاظ ، وكذلك المعاني المطبقة والتي بانت لدينا من خلال نقل بعض المشاهد الشعرية من مجموعة ( بريق أسود ) للشاعر العراقي محمد كاظم .. وفي العموم تتعلق المعاني مع لغة الكلام ، وهي التي تنقلنا الى اللغة الشعرية ( هذا كتشريح أولي ، اذا مارجعنا الى أصولية الكلام قبل تحويله الى لغات الشعر العديدة )  :
ضرب من المعنى اللفظي ( [1] )
ضرب من المعنى التطبيقي
ضرب من المعنى المترجم
وهذه النقاط الثلاثة تدل الينا على أن الشاعر قد استعاد بعقلية شعرية ، وهو يميل الى فنية الجملة التطبيقية لظهور المعنى وامتداده بشكل أكثر ، بينما في جهة أخرى ، تحول الشاعر الى مترجم للغة التي اعتنقها في القصيدة المرسومة .. لو أخذنا هذه الادلة والبراهين الثلاثة فسوف نحتاج الى مساحة أوسع ، ولكن يكفينا أن نشير اليها لنتحول الى الدلالة والمعنى ..
المعنى الدلالي
لو نذهب الى فكرة الشئ ، فهذا يعني تقودنا الى علاقة الاشياء بالمعنى ، فالشئ = الدال = المدلول ، ومن هنا تتكون العلامة حسب ماجاء به " س أولمان " ، على أساس أن هذا " الشئ " هو غير " المفهوم " فصار الامر يتعلق بمفهوم علامي ( حسب ماجاء بنظرية المعنى لـ د . أحمد الودرني ) . لذلك نتصيد الدلالات من خلال المبنى الخاص الذي أمامنا في القصيدة الحديثة وحسب ماجاء في مجموعة الشاعر العراقي محمد كاظم ( بريق أسود ) .. فلسفة المعنى تؤدي الى قيمة مع فلسفة اللغة ، وهذه القيمة تعوم في القصيدة لتدلنا الى قيم أخرى ، لذلك عندما نقول ونميل الى فلسفة المعنى فليس المقصود الدخول الى نقاط معقدة ، فالمقصود هنا ذهاب الشاعر الى تجنيد أفكاره بدائرة واحدة ، ألا وهي دائرة المعاني المتعددة ..
سأنقب عن قبلة طويلة
أودعتها في فمك الحائر
**    **    **
قبلة يدك لن أنساها
فهي التي قادتني الى قلبكِ
**   **    **
قبلة جبينك حارة
ولهذا قاومت ارتباكي
من قصيدة : قبلات ثرثارة – ص 46
المعنى على صعيد الدلالة ، ينقسم لدينا على وجهين .. المعنى على صعيد الصورة كمشهد أولي لمشهد الصورة الشعرية ، والمعنى على صعيد اللغة ( المعنى على صعيد الكلام ) ، كتفكيك لغوي للمعاني التي تنتاب اللغة الشعرية للقصيدة ..
سأنقب عن قبلة طويلة + أودعتها في فمك الحائر
فإذا أخذنا الفعلين ( أنقب + أودعت ) فسون نصل الى نتيجة علاقة الفعلين مع الجملتين علاقة رئيسية ، مما شكلت الاشياء كملاحق ومجاورات للفعلين ، وهنا نعني بأن الاسماء بدلا من أن تنال كيانا مستقلا ، نالت كيانا تابعا للافعال ، فحركة الفعل في الجملة أقوى من الاسماء ، وذلك بسبب تحديد العامل الزمني من خلال الفعل ، وكذلك تحديد حركة الدلالة ، بين الظهور والايحاء ، فالرمزية مثلا تميل الى الايحاء ، بينما الاشارة تميل الى الظهور ، والتعرف على المشار إليه .. (( الأسماء ملحقة بالاشياء : إنها تشتمل تماما على ذلك القدر من الحقيقة الذي يُمكن أن يشتمل الاسم عليه ، ذلك القدر الذي يكون ، بالضرورة ، قليلا بالاضافة الى حقيقة الشيء . إن أكثر الاسماء ملائمة لأشيائها إنما هي الاسماء المجردة ؛ وذلك بأنها تمثل عملية ذهنية يسيرة . – ص 59 – معنى المعنى – أوغدن ورتشاردز – ترجمة وتقديم : د . كيان أحمد حازم يحي )) . فكل كلمة يتم توظيفها في المشهد الشعري لها جذورها ، وهي تحمل معانيها المألوفة ، ولكن تنحرف تلك الكلمات عن معانيها عند التوظيف وتسبب لنا هزة جديدة في التأويل ..
قبلة يدك لن أنساها + فهي التي قادتني الى قلبكِ - قبلة جبينك حارة + ولهذا قاومت ارتباكي
من المهام التي ترافقنا بين المشاهد الشعرية والتي تفرش معانيها كسجادة قابلة للاستعمال اليومي ، فلدينا النظرية التوزيعية والتي تساعدنا على أن نضع أصابعنا على تلك المعاني التي وزّعها الشاعر العراقي محمد كاظم في قصيدته (قبلات ثرثارة ) ، فقد انتمى الشاعر الى قبيلة الثرثرة وهذا يعني ومن خلال العتبة الأولى بأنه سوف يقودنا الى اللامألوف ، فمركزية حوارنا هنا هي القبلات ، فالقبلة تدور بفم الجائع لها على اعضاء الجسم الواحد ، للتوزع حسب اختصاص كل قطعة من الجسم ، فالفم يختلف عن الجبين ، لان قبلة الجبين للاحترام ، بينما قبلة الفم ( القبلة الفموية ) هي حالة آيروسية تقودنا الى الجنس المنظم خارج التشويه والثرثرة ، بينما قبلة الوجنتين لاثارة الاخوة ومعناها بين صديقين أو أخوين ..
الأمواج التي تتكسر عند الساحل
ماهي إلا رسائلَ
تُرسل بالبريد السريع
لتقوّي ذاكرة البحر
من قصيدة : رسائل البحر – ص 55
البحر : ناصيته الكبرى بين المثير والاجابة ، فرسالته الى اليابسة أو الساحل ، هي الامواج المتكسرة ، وهنا قد أدى رسالته الجزئية ولكن في نفس الوقت ، كلمة الامواج هي من الاسماء الرئيسية التي ترافق البحر ، فعندما نقول الأمواج ، مباشرة يذهب تفكيرنا الى البحر ، فالبحر اذا كان من دون أمواج فقد خاصيته كبحر ، وكذلك عالمه الخاص في الاعماق .. وهنا ترافقنا نظرية المعنى من خلال التعامل التطبيقي ، بين المعنى العام والمعنى الخاص ، فالمعنى العام للبحر ، هو تلك المساحة الواسعة والتي تشغل جزءا من الكرة الارضية ، ولكن عندما نذهب مع المعنى التطبيقي للبحر في نظرية المعنى ، ونحن ننساق مع الشعرية ، تختلف الحالة ، فتارة نرمز اليه كبحر يريد الثورة والتغيير ، بينما في بعض الاحيان نشير اليه كبحر يحضن البواخر والسفن الشراعية للتنقل بين بلدان العالم ... وهنا في قصيدة الشاعر العراقي محمد كاظم ( رسائل البحر ) فقد أشار الى البحر وهو يخبرنا بلغة توصيفية عن حالة الامواج التي تزور الساحل .

*علاء حمد : عراقي مقيم في الدنمارك

[1] اللفظ. جاء في الصحاح؛ أولاً الدلالة العامة للمادة (لفظ) وهي (الرمي من الفم) : لفظت الشيء من فمي الفظه لفظاً، رميته ثم يعدّد الدلالة المخصصة إذ يكون الملفوظ من الفم كلاماً : لفظت بالكلام وتلفظت به أي تكلمت به، وبعدها يعين المفردة بانها «اللفظ جمعها الألفاظ» أما ابن فارس في المقاييس فهو يقول أن مادة لفظ تعني أولاً الدلالة علي الطرح المطلق، ثم هي يغلب عليها أن تكون من الفم ثم يخصص الفعل، فتقول : «لفظ الكلام يلفظ لفظاً» وبعدها يورد واحداً من المشتقات، وما يحتمله من دلالات «اللافظة : فهو الديك (لصوته وللرحى لطرح الحبوب المطحونة) والبحر (لإخراجه أشياء كثيرة من جوفه).

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة