تطيل اللغة عمرا من العالم الذي تقوم بتمثيله
بيير غيرو
ما ثقافة الصورة؟
نقصد بثقافة الصورة الأهمية التي أصبحت منوطة بها في التواصل بين البشر، وفي تسجيل نشاطاتهم بكل تمفصلاتها، حيث انتقلنا بفعلها من الثقافة الشفاهية والثقافة المكتوبة إلى الثقافة المرئية التي تستعيد كل شيء بالصورة وتحينه دوما، وقد ساهم في ذلك التقدم التقني في وسائل الاتصال للحداثة المعاصرة، فالصورة مافتئت تشغل كل مناحي الحياة الإنسانية فكرا وسلوكا وقيما.
أصبحت الصورة تراود الإنسان في حله وترحاله، في وعيه ولا وعيه، من خلال تعدد الوسائط التي أصبحت تقوم عليها بدءا بالتلفاز والصور الفوتوغرافية والأنترنيت وغيرها، إلا أن الصورة وإن كانت مكملا، إلا أنها تستثير الوجدان أكثر من العقل، وهي بطبيعتها تلك لا يمكنها أن تستقل عن اللغة في التواصل الفعال، مهما بدا لنا أن عصر الصورة يوحي بعكس ذلك.
اللغة وأساليب التواصل المتعددة
لقد ثورت الحداثة أساليب التواصل وعددت من تجلياتها، والتواصل مبني على أن يملك المتحاورون المتخاطبون على الأقل قدرا من الرصيد اللغوي المشترك، وأن يتعلقوا بتراث ثقافي يستمدون منه بعض العناصر للتواصل، فاللغة تقوم وظيفيا على خلق التفاهم وتحديد المعارف الثقافية بين الأفراد والاندماج الاجتماعي بينهم وتحقيق التضامن والتكافل، وتعمل اللغة أيضا من جانب التنشئة الاجتماعية في المحيط على خلق الهويات الفردية وتوضيح التمايزات بين الأفراد داخل مجتمع معين عن طريق الاختلاف في الأسلوب، ولعل هذا الجمع بين ما هو اجتماعي من جهة وما هو فردي من جهة أخرى هو الذي يقسم اللغة نفسها إلى ما هو اجتماعي عام (اللسان) وما هو أداء فردي خاص (الكلام)، كما تعمل اللغة على حفظ العوالم الرمزية لكل مجتمع على حدة، فمن خلالها يستطيع الإنسان امتلاك العالم رمزيا وتحدي المكان والزمان وتحديد موقفه وموقعه من ذلك.
اللغة والتقطيع المفهومي للعالم
لا تقيم المعاني كيفما كانت خارج التقطيع اللغوي مهما تعددت العمادات التي تعد مدخلات متنوعة لها، فاللغة تحضر في كل شيء والإنسان مهما بلغت أساليب التواصل عنده من تغير وتطور وتبدل لا يستطيع أن يمتلك الكون رمزيا من خلال هذه الوسائط، بل من خلال اللغة واللغة فحسب، أما الوسائط الأخرى فتعد دعامات رئيسة اليوم في التواصل ولا تتجاوز هذا المعطى، وللتمثيل نقول: تصور أن أحدنا رأى شيئا، وهو لا يعلم اسمه قط، فهل يمكنه أن يستثمر ويتمثل ما رآه استقبالا، إن الأمر لن يعد بالنسبة له سوى أولانيات لا أكثر، لا تصل إلى قانون إلا عبر الحضور الرمزي.
لا تتشكل الأشياء في الذهن من خلال الحضور المادي، بل عبر استيعاب يتم من خلاله استدخال الأشياء عبر الذاكرة المفهومية التي تلعب فيها اللغة دور الوسيط بين الوجود المادي والوجود الرمزي التصوري للأشياء وهي الكفيلة إذا بتجنبنا عناء إحضار المعادلات الموضوعية، وهذه المفهمة لا تقتصر على الترميز أوالتسنين فقط، بل تنزاح إلى الامتلاك الاستعاري للكون وجعل الكائن الإنساني يتدثر ويحيا من خلال الاستعارات وبها.
اللغة والفكروالثقافة
تنضج الأفكار عبر اللغة وتحفظ المعارف وتتطور، كما تفيد الدماغ وتزيد من قدرة الفرد على الاستيعاب والتواصل الفعال، فكلما كانت الثروة اللغوية مهمة كلما كان المخزون المعرفي قويا، لأن الثروة اللغوية قرينة، لا محالة، الثروة المعرفية، لذلك ينبغي تجنيب المتعلم الاعتماد المفرط على الصورة وحدها لأنها تنمي فيه الكسل والخمول أحيانا.
إن اللغة خزان ثقافي فكري وديوان للحضارة، فالطفل الذي نعلمه اللغة العربية، فنحن على الأصح نعلمه الثقافة العربية بكل تمفصلاتها، يلتزم بقيم متكلميها ويتشرب أنماطهم في التفكير والرؤية إلى العالم والأشياء، وهذا ما تعجز عنه الوسائط الأخرى، ومنه فإن أي تخلف في اللغة يلزمه تخلف في الثقافة والوجدان الجمعي والانتماء إلى الوطن(المواطنة)، لأن اللغة ليست وسيلة بريئة في التعلم، بل شحنة يمكن أن تستثمر إيجابا أو سلبا، إن قيمة اللغة العربية إذا لا تكمن في قدسيتها أو ما يلف لف ذلك، بل فيما تقوم به من تقطيع مفهومي ودفع للمتكلم والمتعلم إلى الانتماء للوطن جملة وتفصيلا.
اللغة التي نحيا بها
يجب أن نحين اللغة لا أن تحيننا هي، لذلك ينبغي نهج نظرية التقريب في التعامل اللغوي مع الفرد والمقصود به جعل كل الأشياء التي تنتمي بالضرورة إلى التنشئة الاجتماعية للطفل قريبة لغويا منه، فإذا أردنا أن نعلم الطفل كلمة (سيف) فإنا علينا أن نلجأ إلى هذه الكلمة وحدها في التعرف إلى هذا الشيء من دون أن نلفت نظر المتعلم الصغير إلى (الخنشليل) أو (المهند) أو (الصارم) وما رادفها من أسام للسيف مادامت ليست قريبة من وجدان الطفل وغير متداولة اجتماعيا، فاللغة نحيا بها إذا، وهذا ما سيساعد لا محالة في الاندماج المجتمعي للطفل بالرغم مما تفرضه اللغة الأم من مشكلات في التعلم.
في التواصل اللغوي الفعال
قد يكون التواصل اللغوي مباشرا أو غير مباشر فكل ما نبدعه أو نقوله يحتوي على قدر معين من التواصل، التواصل قائم على تبادل الرسائل وتبادل القيم الثقافية، فاللغة خزان من القيم ومن الأشياء التي أخذناها من موسوعتنا الإدراكية واستوعبناها وسنستثمرها استقبالا.
ينبغي أن لا نبقى في التواصل عند حدود التواصل اللغوي الجاف، بل لابد من استدعاء المخزون الثقافي للمجموعة البشرية التي ننتمي إليها، لأن اللغة في أبسط تعريفاتها مجموعة من الأصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، وهذه الأغراض طبعا تشمل كل ما يربط هذه المجموعة البشرية، فاللغة ديوان إذا، لهذا يجب أن لا نجعل التواصل اللغوي يقوم على ربط بين مرسل ومستقبل بالحياد، وإلا كانت اللغة من أبسط ما سيعرفه الإنسان، بل إن التواصل اللغوي هو أن نصل إلى الآخرين قلبا وقالبا، وجدانا وفكرا وعلاقات إنسانية.
ماذا بقي أمام تراجع الكفايات اللغوية
نسجل تراجعا مهولا للكفايات اللغوية في بلادنا العربية، وخلق نظم تواصلية أخرى تعد بدائل للغة، وهذا ما يهدد التفكير السليم والتواصل الفعال بين أعضاء المجموعة المتكلمين باللغة نفسها، كما أن كثرة التوليد الدلالي الذي لا يخضع إلى ضابط فعوض أن يقوم بإثراء اللغة وتحيينها فهو يفسدها ويشينها. يؤدي تراجع الكفايات اللغوية واضمحلالها إذا إلى اضمحلال التقطيع المفهومي للوجود الإنساني بأكمله على اعتبار أن اللغة هي الكفيلة
وحدها بامتلاك العالم رمزيا وهذا ما تعجز عنه الصورة، لقد رأينا أن إنسان الكهوف عندما كان يصور الأشياء والحيوانات التي كانت تعيش إلى جانبه، لم يكن يفعل ذلك تقطيعا لعالمه رمزيا، بل إما خوفا أو إحضارا للشيء عبر الصورة، وهذا الإحضار يجعل الصورة تتماهى مع المرجع الذي تحيل إليه، لا أنها ترمزه أو تقطعه مفهوميا، ولعل ذلك ما يقايس حضور المحاكاة والمحاكاة المؤجلة عند الطفل في بدء المعرفة الإنسانية، فهو لا يستطيع الانفلاق من ربقة الأشياء إلا بعد أن يصل إلى مرحلة الحضور الرمزي للأشياء والكائنات عن طريق اللغة، مما يسمح بالتحديد الماهوي للإنسان بخلاف الحيوان الذي يعجز عن ذلك لعدم امتلاكه لغة متمفصلة.
ويساهم الازدواج اللغوي كذلك في تراجع بناء التعلمات لأنه يطالب المتعلم ابتداء بالجمع بين النسيان والاكتساب ويجعل الطفل، وهو متعلم صغير، يعيش وعيا شقيا لا يستطيع التمييز بين ما يتلقاه في المدرسة ويتداوله، وبين ما ينشأ عليه ويمارسه يوميا. وتضل المعضلة مطروحة تستوجب نهج استراتيجيات لغوية في بلادنا العربية هي الكفيلة برد الاعتبار للغتا العربية ووجداننا العربي.
لا تقيم المعاني كيفما كانت خارج التقطيع اللغوي مهما تعددت العمادات التي تعد مدخلات متنوعة لها، فاللغة تحضر في كل شيء والإنسان مهما بلغت أساليب التواصل عنده من تغير وتطور وتبدل لا يستطيع أن يمتلك الكون رمزيا من خلال هذه الوسائط، بل من خلال اللغة واللغة فحسب، أما الوسائط الأخرى فتعد دعامات رئيسة اليوم في التواصل ولا تتجاوز هذا المعطى، وللتمثيل نقول: تصور أن أحدنا رأى شيئا، وهو لا يعلم اسمه قط، فهل يمكنه أن يستثمر ويتمثل ما رآه استقبالا، إن الأمر لن يعد بالنسبة له سوى أولانيات لا أكثر، لا تصل إلى قانون إلا عبر الحضور الرمزي.
لا تتشكل الأشياء في الذهن من خلال الحضور المادي، بل عبر استيعاب يتم من خلاله استدخال الأشياء عبر الذاكرة المفهومية التي تلعب فيها اللغة دور الوسيط بين الوجود المادي والوجود الرمزي التصوري للأشياء وهي الكفيلة إذا بتجنبنا عناء إحضار المعادلات الموضوعية، وهذه المفهمة لا تقتصر على الترميز أوالتسنين فقط، بل تنزاح إلى الامتلاك الاستعاري للكون وجعل الكائن الإنساني يتدثر ويحيا من خلال الاستعارات وبها.
اللغة والفكروالثقافة
تنضج الأفكار عبر اللغة وتحفظ المعارف وتتطور، كما تفيد الدماغ وتزيد من قدرة الفرد على الاستيعاب والتواصل الفعال، فكلما كانت الثروة اللغوية مهمة كلما كان المخزون المعرفي قويا، لأن الثروة اللغوية قرينة، لا محالة، الثروة المعرفية، لذلك ينبغي تجنيب المتعلم الاعتماد المفرط على الصورة وحدها لأنها تنمي فيه الكسل والخمول أحيانا.
إن اللغة خزان ثقافي فكري وديوان للحضارة، فالطفل الذي نعلمه اللغة العربية، فنحن على الأصح نعلمه الثقافة العربية بكل تمفصلاتها، يلتزم بقيم متكلميها ويتشرب أنماطهم في التفكير والرؤية إلى العالم والأشياء، وهذا ما تعجز عنه الوسائط الأخرى، ومنه فإن أي تخلف في اللغة يلزمه تخلف في الثقافة والوجدان الجمعي والانتماء إلى الوطن(المواطنة)، لأن اللغة ليست وسيلة بريئة في التعلم، بل شحنة يمكن أن تستثمر إيجابا أو سلبا، إن قيمة اللغة العربية إذا لا تكمن في قدسيتها أو ما يلف لف ذلك، بل فيما تقوم به من تقطيع مفهومي ودفع للمتكلم والمتعلم إلى الانتماء للوطن جملة وتفصيلا.
اللغة التي نحيا بها
يجب أن نحين اللغة لا أن تحيننا هي، لذلك ينبغي نهج نظرية التقريب في التعامل اللغوي مع الفرد والمقصود به جعل كل الأشياء التي تنتمي بالضرورة إلى التنشئة الاجتماعية للطفل قريبة لغويا منه، فإذا أردنا أن نعلم الطفل كلمة (سيف) فإنا علينا أن نلجأ إلى هذه الكلمة وحدها في التعرف إلى هذا الشيء من دون أن نلفت نظر المتعلم الصغير إلى (الخنشليل) أو (المهند) أو (الصارم) وما رادفها من أسام للسيف مادامت ليست قريبة من وجدان الطفل وغير متداولة اجتماعيا، فاللغة نحيا بها إذا، وهذا ما سيساعد لا محالة في الاندماج المجتمعي للطفل بالرغم مما تفرضه اللغة الأم من مشكلات في التعلم.
في التواصل اللغوي الفعال
قد يكون التواصل اللغوي مباشرا أو غير مباشر فكل ما نبدعه أو نقوله يحتوي على قدر معين من التواصل، التواصل قائم على تبادل الرسائل وتبادل القيم الثقافية، فاللغة خزان من القيم ومن الأشياء التي أخذناها من موسوعتنا الإدراكية واستوعبناها وسنستثمرها استقبالا.
ينبغي أن لا نبقى في التواصل عند حدود التواصل اللغوي الجاف، بل لابد من استدعاء المخزون الثقافي للمجموعة البشرية التي ننتمي إليها، لأن اللغة في أبسط تعريفاتها مجموعة من الأصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم، وهذه الأغراض طبعا تشمل كل ما يربط هذه المجموعة البشرية، فاللغة ديوان إذا، لهذا يجب أن لا نجعل التواصل اللغوي يقوم على ربط بين مرسل ومستقبل بالحياد، وإلا كانت اللغة من أبسط ما سيعرفه الإنسان، بل إن التواصل اللغوي هو أن نصل إلى الآخرين قلبا وقالبا، وجدانا وفكرا وعلاقات إنسانية.
ماذا بقي أمام تراجع الكفايات اللغوية
نسجل تراجعا مهولا للكفايات اللغوية في بلادنا العربية، وخلق نظم تواصلية أخرى تعد بدائل للغة، وهذا ما يهدد التفكير السليم والتواصل الفعال بين أعضاء المجموعة المتكلمين باللغة نفسها، كما أن كثرة التوليد الدلالي الذي لا يخضع إلى ضابط فعوض أن يقوم بإثراء اللغة وتحيينها فهو يفسدها ويشينها. يؤدي تراجع الكفايات اللغوية واضمحلالها إذا إلى اضمحلال التقطيع المفهومي للوجود الإنساني بأكمله على اعتبار أن اللغة هي الكفيلة
وحدها بامتلاك العالم رمزيا وهذا ما تعجز عنه الصورة، لقد رأينا أن إنسان الكهوف عندما كان يصور الأشياء والحيوانات التي كانت تعيش إلى جانبه، لم يكن يفعل ذلك تقطيعا لعالمه رمزيا، بل إما خوفا أو إحضارا للشيء عبر الصورة، وهذا الإحضار يجعل الصورة تتماهى مع المرجع الذي تحيل إليه، لا أنها ترمزه أو تقطعه مفهوميا، ولعل ذلك ما يقايس حضور المحاكاة والمحاكاة المؤجلة عند الطفل في بدء المعرفة الإنسانية، فهو لا يستطيع الانفلاق من ربقة الأشياء إلا بعد أن يصل إلى مرحلة الحضور الرمزي للأشياء والكائنات عن طريق اللغة، مما يسمح بالتحديد الماهوي للإنسان بخلاف الحيوان الذي يعجز عن ذلك لعدم امتلاكه لغة متمفصلة.
ويساهم الازدواج اللغوي كذلك في تراجع بناء التعلمات لأنه يطالب المتعلم ابتداء بالجمع بين النسيان والاكتساب ويجعل الطفل، وهو متعلم صغير، يعيش وعيا شقيا لا يستطيع التمييز بين ما يتلقاه في المدرسة ويتداوله، وبين ما ينشأ عليه ويمارسه يوميا. وتضل المعضلة مطروحة تستوجب نهج استراتيجيات لغوية في بلادنا العربية هي الكفيلة برد الاعتبار للغتا العربية ووجداننا العربي.