مفتولة الأغصان مثل عضلات مصارع السومو، تعددت فروعها وتشابكت تشابك عراك خانق، طلعها كأنه رؤوس الشياطين، حتى بدت للصغيرة نانا في صورة صعلوك يتوسط الحديقة، ويمعن فيها فتكا وتخريبا وإتلافا... أو هكذا تخيلته. فقد كانت تمقت العابثين بنباتات الحديقة وأغراسها، وتعتبر أفعالهم المقيتة من وسوسة ذلك الصعلوك الغريب.
تناسلت بمخيلتها عشرات الأسئلة المحيرة، تحرج بها والدها الحكيم، الذي ما فتئ يجتهد في الردود كي يشبع فضولها...
ورغم عداوتها الشديدة لمناشير قطاع الأشجار، إلا أنها باتت تتمنى أن تطال مناشيرهم جذع الشجرة الصعلوك، التي تستفز مشاعرها، وتتهدد جمالية الحديقة ورونقها. وأكثر من ذلك، باتت تتمنى أن تتحول الشجرة كلها إلى حطب تقدمه قربانا لنيران الأفران، فهي لا تصلح في نظرها أن تتحول إلى أخشاب تصنع منها أسرة ودواليب وغيرها، فتجلب بذلك للبيوت نحسا غير مرغوب...
صمدت الشجرة الصعلوك وسط الحديقة بمباركة البستانيين والمنتخبين، بينما كانت نانا المرتعبة من البشاعة والموت، تجلس إلى أبيها في كل مرة، تسأله عن صمود البشاعة وموت الطيبين من الجيران، نساء ورجالا وأطفالا...
فطن الأب إلى شعور ابنته بالخوف من هواجس الموت وهي تسأله: هل سيطالنا الموت نحن أيضا يا أبي؟ أجابها بهدوء وابتسامة الواثق: " لا تخافي يا ابنتي، فإن الله صديقي!"
اطمأنت الصغيرة نانا، وتغلغلت في ذهنها فكرة الصداقة بين الله ووالدها بشكل كبير...
كبرت نانا، أدركت أشياء كثيرة، وأن لا مناص من الموت، لكنها لم تستطع التخلص من فكرة الصداقة تلك، وهو ما شكل لديها أمرا ذهنيا محيرا.
ماتت جدتها، انتبهت نانا إلى الدموع المنهمرة على خد والدها، فأحست الطفلة بداخلها أن الله قد تخلى عن والدها... أحست برغبة جامحة في استفساره عن الخطإ الذي ارتكبه، فأغضب الله ... لكنها لم تعد قادرة على ذلك...
تكرر ذات الإحساس لديها، وهي تراقب على امتداد السنين ذلك الموت الضرير الذي يضرب في كل ركن من أركان هذا العالم الفسيح، بذات البشاعة التي تزرعها الشجرة الصعلوك بداخل الحديقة...