( 1 )
وقف سيزيف منهك القوى ، و العرق يغسل جسده ، و خلف المنصة يجلس كبار الآلهة ، يشربون الكولا .
خاطبه كبير الآلهة بابتسامته السماوية : سيزيف أيها البشري المغتر بقوته ، ألم تتعب ؟.
هل أعجبتك الصخرة ؟ .
- تعبت ، تشققت يداي ، أحرقني حرّ الصيف ، و جمدني ثلج الشتاء ، ولكن لن أركع … عندي بقية من الأمل .
- أي أمل يا سيزيف ! .
- أن يتحرر الإنسان من قيود الآلهة ، قد ينقضي زماني دون ذلك ، ولكن لا بد من زمن يلد رجالاَ ، يطهرون الأرض ، هذا الزمن قادم لا محالة ، لا أدري بعد مائة عام أو مائتين أو أكثر ، ولكنه قادم بلا ريب .
نهض كبير الآلهة ، مدّ عصاه السحرية ، انطلق شعاع قوي ، أغمض سيزيف عينيه ، أحسّ بأنه يدور .
( 2 )
فتح سيزيف عينيه ، تأمل نفسه ، ضحك : ما هذه الملابس الغريبة التي ألبسها .
تطلّع حوله ، رأى على مسافة قريبة مدينة كبيرة ببوابةٍ ضخمة و أبنية مرتفعة .
دخل المدينة …
الجميع يلبسون مثله ، أو الأصح هو يلبس مثلهم .
ركب سيزيف في الباص ، جلست أمامه صبية جميلة ، ابتسمت الصبية ، ابتسم سيزيف … غمزت له ، غمز لها ، هبّتْ صارخة ، صفعته ، و انهالت الضربات عليه من كل الجهات .
مضى أسبوعٌ ، النقود تكاد تنفد ، صاحب الفندق أنذره بإخلاء الغرفة خلال يومين ، ماذا يفعل ؟ ! .
لم يجد عملاً حتى الآن ، و أكوام من قصاصات الجرائد تعلن عن حاجتها لموظفين وعمال .
( 3 )
طرق سيزيف على الباب بلطف ، ثم دخل .
وراء المكتب تجلس عجوز متصابية ، تغطي المساحيق الملونة وجهها ، و برغم الذهب الكثير الذي يطوق عنقها وساعديها بدا جلدها مثل جلد التمساح ، و أقعت خلف مكتبها كمسخٍ مشوه .
أخبرها سيزيف أنه قرأ الإعلان ، و أخرج من الحقيبة المنتفخة شهادته الجامعية وشهادة اللغة و الحاسوب ، كوّمها أمام السيدة الجميلة التي كانت تتأمل بنيته القوية وجسده الضخم فقالت له : ليس لدينا عمل، ولكن أنت بالذات لك عمل عندي … ستكون حارسي الشخصي ، أنت قوي جداً ، ثم نظرت إليه باشتهاء ، و أضافت : وربما أستخدمك لعمل آخر ليلاً .
نظر إليها بقرفٍ ، و بصق في وجهها ، و خرج .
دخل رجال الشرطة غرفة سيزيف ، و جرّوه إلى السيارة .
وقف سيزيف ، نظر إلى المحقق خلف مكتبه ، تذكّر الآلهة .
ـ أنت متهم بالتحرش بسيدةٍ محترمة .
- أنا ؟ !! ..
أراد سيزيف أن يكذب التهمة ، و لكن العصي السحرية حطّمت أنفه .
- لن أتعامل مع النساء أبداً .
قال سيزيف بعد خروجه من السجن .
( 4 )
وقف سيزيف أمام صاحب الشركة … رجلٌ بدين يجلس وراء مكتبه ، و مع أن باقات الورود كانت تزين المكان ، بدا الرجل نتناً ، وطغت رائحته الكريهة على عطر الورود الفواحة .
- ليس لدينا عمل .
شخر الرجل البدين ، و تأمل بنيته القوية ، و أضاف : ولكن أنت بالذات لك عمل عندي سوف ……
- تريد أن أكون زعيماً للمهربين عندك ، أبيع الموت والسم لأهل بلدي ، أنت خائن . صرخ سيزيف ، ثم تقدم نحو الرجل البدين ، ولكمه ، فحطم أنفه .
جرّ رجال الشرطة سيزيف إلى السيارة .
وقف سيزيف ، نظر إلى المحقق خلف مكتبه ، تذكّر الآلهة .
- أنت متهم بالتهجم على رجل أعمال ممن يخدمون الوطن .
- أنا ؟!.
أراد سيزيف نفي التهمة ، لكن العصي السحرية حطّمت أنفه .
- لن أتعامل مع التجار أبداً .
قال سيزيف بعد خروجه من السجن .
( 5 )
وقف سيزيف بأدبٍ أمام صاحب المكتب… رجل أنيق يجلس وراء مكتبه ، وبالرغم من كل مظاهر النظافة بدا أثرٌ لسائلٍ هلامي في فوهة منخريه الواسعين .
- ليس لدينا عمل .
قالها الرجل النظيف بمكر ، ثم أضاف : لكن أنت بالذات لك عمل عندي سوف……
- ماذا ؟ !! . تريد أن أغتال غريمك في الانتخابات ، أيها القذر إزهاق الروح يجعلني قاتلاً . صرخ سيزيف ، ثم تقدم نحو الرجل الأنيق النظيف ، ولكمه ، فحطّم أنفه .
جرّ رجال الشرطة سيزيف إلى السيارة مع بعض الركلات الخفيفة .
وقف سيزيف ينظر إلى المحقق خلف مكتبه ، تذكّر الآلهة .
- أنت متهم بتهديد سياسي نزيه .
- أنا ؟ ! .
أراد سيزيف أن يتكلم ، لكن العصي السحرية حطّمت أنفه .
- لن أقرب السياسة أبداً .
قال سيزيف بعد خروجه من السجن .
( 6 )
استيقظ سيزيف من نومه ، وجد نفسه بثيابه القديمة على قمة الجبل ، و أمامه المنصة ، يجلس خلفها كبار الآلهة ، يلعبون ( الورق ) و أكياس البطاطا المقلية - التي ستكون من نصيب الفائز في اللعب - تتكدس فوق بعضها مثل جبل الأولمب .
نظروا إليه ، ضحكوا ، خاطبه كبير الآلهة بابتسامته السماوية : لماذا عدت يا سيزيف ؟ ماذا جرى لأنفك يا مسكين ، يبدو مشوهاً ؟ .
ـ أرجوكم ، أريد أن أبقى هنا .
ـ ياللعجب ، العالم الذي كنت فيه عالم متقدم راق ، و يسبقنا بآلاف السنين .
ـ أرجوكم ، أريد أن أعود إلى صخرتي ، وداعاً .
لم ينتظر سيزيف ليسمع رأي الآلهة ، و انحدر راكضاً إلى أسفل الجبل حيث تنتظره الصخرة .