و صِرْتُ غَريباً بِيْنَ أَهْلِي وَ مَعْشَرِي وَ مَنْ كَان ذَا فِكْر كَفِكْرِي يُغَرَّبُ1
كم أشبه دون كيشوت , فأنا بسيط البنيان , و أحيانا أشعر أن أفكاري ساذجة , و أذكر أن بنية نبهتني لأمر الشبه , فكانت دائما تناديني بدون كيشوت , وعندما كنت أسألها لمَ ؟ , ترد ضاحكتا :
ـ تمتلكِ لحية كلحيته .
و أزعم أن أمر الشبه لم يكن مقتصرا على اللحية فحسب , أظن أن تلكِ البُنية رأتني أُكْثِرُ من قراءة الجرائد , فاعتقدت أنّي مهوس بقراءة الصحف كهوس دون كيشوت بقراءة كتب المغامرات .
عموما , مرت بي الأعوام , و تعرضت لعدة تجارب حياتية , جعلتني أعتقد اعتقادا ـ لا يخالجني فيه شك ـ أن دون كيشوت هذا شبيهي , فقصتنا واحدة , كلانا أصابتنا لعنة الملل , فأردنا أن نصنع شيء في حياتنا , هو قراء روايات مغامرات الفرسان , و أنا قرأت كتب الفلسفة و الشعر و قصص الحب , هو تأثر بما قراءه حتَّى عد نفسه فارسا , و أنا تأثرت بما قرأته حتى خلت نفسي شاعرا , و عاشقا , بل , و فيلسوفا أيضا .
و الحق أنني أصبت بمجموعة من الصدمات النفسية , لا تقل خطورة في طبيعتها عن تلك الصدمات التي تعرض لها دون كيشوت , فمثلا , عندما كنت ألقي الشعر على حبيبتي كانت تضحك كثيرا , و عندما أرفع يدي لأشارك برأي في محاضرة دراسية كان الأستاذ يتجاهلني , و حين أدخل في نقاش مع بعض الأقران , أرى علامات السخرية بادية على وجوههم , و كثيرا ما كنت أسمعهم ينادونني همسا بالفيلسوف .
بعد تلكِ الصدمات المتعددة , قررت الاعتزال , فشرعت أبحث عن مكان مناسب للعزلة , و ما هي إلا أيام , و إذ بي أعثر على حصن قديم , يطلق عليه البعض اسم " مكتبة عامة " , و هناك تعرفت على أناس جدد , و لحسن حظي , كانوا يشبهونني .
1ـ بيت من قصيدة الأديب المغربي علال الفاسي