يتذكر البريق الذي فاجأه في ليلتهما الأولى.. ابتسامتها الدافئة التي أنقذته من الزغاريد المهللة خارجا. لم تأت إليه مرعوبة أو مترددة. كانت تتوسط غرفة النوم مدثرة بلباس نوم أبيض شفاف. . في تلك اللحظة بالذات شعر بتيار ساخن يخترق جسده واستعاد شيئا من روحه الشابة.. تمنى لو أنه سمح للحلاق بأن يغطي الشعر الأبيض الذي غزى بعض رأسه. . انتصب واقفا، رفع رأسه في هيئة محارب وتقدم منها، واثقا...بقيت هناك، مستسلمة، دافئة بينما انقض على جسدها الفتي..
يتطلع إليها الآن، ذات البريق يسكن عينيها اللتين تحيطهما بالكحل:
إنه عمل طارئ، وسأتلقى أجرا مهما عنه.
وتستمر في وضع الزينة بيد مرتجفة.
انتهى الحلم بعد ليال قليلة.. لم تتذمر حين كان يخر على السرير متعبا.. لشهور ظلت تستقبله متى وكيفما أراد.. علم أنها تتقي به كلام الناس.. كانت على عتبة الأربعين حين اقترح إخوته أن يزوجوه بها.
إنها موظفة، وستتعاونان على تكاليف المعيشة. ثم إنك بحاجة للرعاية..
ثم أمام تردده المستمر، أردف أخوه الثاني:
ألم تكتف من حياة الصعلكة؟
لكنه لم يرضخ لأنه تعب من صعلوكيته، بل ليجد سقفا يأويه آخر الليل فزوجات إخوته لم يعدن يرغبن في استقباله.. وزوجته كانت قد اقتنت شقة من السكن الاقتصادي..
تداركته سنواته الخمسون والسجائر والقطع الخضراء التي أدمنها.. وعاود جلسات الصعلكة مع رفاقه.. يتذكرون بحنين وألم متفاوت أحلام التغيير.. يتقاسمون قطعة الحشيش لروح صديق لم يقاوم مثلهم وحشة ووحشية السجن. بعضهم مازال يحلم بالتغيير، يصطحب كتابا معه وبعض الورق.. لكن الحبر يأبى أن ينزف عليها وتبقى الجراح معلقة بالروح.. لا يتحدثون عن ذكريات السجن، أحيانا فقط يتذكرون سجانا ما، ذاك الذي كان يعتلي الطاولة ويرقص أو ذلك الذي كان يسمح لهم بالغناء أواخر الليل.. لا يرددون الآن أغاني مرسيل خليفة أو الشيخ إمام.. بقيت معلقة هناك بالروح جرحا آخر لا ينزف على الورق.. يستأنسون الآن بسكون الليل، وبالمقهى العتيق الذي شهد لقاءات النضال وحملات الاعتقال.. يتشاركونه الآن مع شباب ينتظرون فرصة لعبور البحر إلى الضفة الأخرى.. يحجون إلى الشمال للقاء السمسار الذي يعدهم بفرصة لمراوغة الشرطة والبحر..
هو وأصحابه يشاركونهم أعقاب السجائر ومن حين لحين قطعة خضراء.. وحين يأتيهم نبأ غرق أحد الشباب، يحزنون عليه تماما كحزنهم على رفاق المعتقل والنضال.
زوجته لا ترحم تعبه.. تعبت بدورها. لسنوات انتظرت زوجا يدرأ عنها عتب الأهل وسخريتهم.. كل ما أرادته هو طفل قبل أن تفقد كل أمل لها في الإنجاب..
تجره إلى غرفة النوم بعد أن استوطن غرفة الضيوف متجنبا صراخها، وتأمره بمعاشرتها..
لهذا تزوجتك أيها العجوز.. امنحني طفلا وعد بعدها لحشيشك.. قم بمهمتك واذهب بعدها للجحيم..
لكنه في الجحيم منذ جلسات التعذيب، بالكاد ينتصب شيئه مرة من حين إلى آخر.. يتذكر السجان الذي كان يغتصبه كلما أراد.. يتذكر السجانين الآخرين الذين كانوا يطلقون زغرودة ساخرة.. فيستسلم لنوبة بكاء..حينها تغطيه زوجته باستسلام وتبعد جسدها عنه..
جالسا على السرير، يتطلع إليها في صمت..
قد أتأخر.. حسب ظروف العمل، لا تقلق سيوصلني سائق الشركة..
وتخرج متعثرة في ملابسها الأنيقة وزينتها.. ستعود بمبلغ مالي أو.. طفل.
فاطمة الزهراء الرغيوي
تطوان- المغرب
لكنه لم يرضخ لأنه تعب من صعلوكيته، بل ليجد سقفا يأويه آخر الليل فزوجات إخوته لم يعدن يرغبن في استقباله.. وزوجته كانت قد اقتنت شقة من السكن الاقتصادي..
تداركته سنواته الخمسون والسجائر والقطع الخضراء التي أدمنها.. وعاود جلسات الصعلكة مع رفاقه.. يتذكرون بحنين وألم متفاوت أحلام التغيير.. يتقاسمون قطعة الحشيش لروح صديق لم يقاوم مثلهم وحشة ووحشية السجن. بعضهم مازال يحلم بالتغيير، يصطحب كتابا معه وبعض الورق.. لكن الحبر يأبى أن ينزف عليها وتبقى الجراح معلقة بالروح.. لا يتحدثون عن ذكريات السجن، أحيانا فقط يتذكرون سجانا ما، ذاك الذي كان يعتلي الطاولة ويرقص أو ذلك الذي كان يسمح لهم بالغناء أواخر الليل.. لا يرددون الآن أغاني مرسيل خليفة أو الشيخ إمام.. بقيت معلقة هناك بالروح جرحا آخر لا ينزف على الورق.. يستأنسون الآن بسكون الليل، وبالمقهى العتيق الذي شهد لقاءات النضال وحملات الاعتقال.. يتشاركونه الآن مع شباب ينتظرون فرصة لعبور البحر إلى الضفة الأخرى.. يحجون إلى الشمال للقاء السمسار الذي يعدهم بفرصة لمراوغة الشرطة والبحر..
هو وأصحابه يشاركونهم أعقاب السجائر ومن حين لحين قطعة خضراء.. وحين يأتيهم نبأ غرق أحد الشباب، يحزنون عليه تماما كحزنهم على رفاق المعتقل والنضال.
زوجته لا ترحم تعبه.. تعبت بدورها. لسنوات انتظرت زوجا يدرأ عنها عتب الأهل وسخريتهم.. كل ما أرادته هو طفل قبل أن تفقد كل أمل لها في الإنجاب..
تجره إلى غرفة النوم بعد أن استوطن غرفة الضيوف متجنبا صراخها، وتأمره بمعاشرتها..
لهذا تزوجتك أيها العجوز.. امنحني طفلا وعد بعدها لحشيشك.. قم بمهمتك واذهب بعدها للجحيم..
لكنه في الجحيم منذ جلسات التعذيب، بالكاد ينتصب شيئه مرة من حين إلى آخر.. يتذكر السجان الذي كان يغتصبه كلما أراد.. يتذكر السجانين الآخرين الذين كانوا يطلقون زغرودة ساخرة.. فيستسلم لنوبة بكاء..حينها تغطيه زوجته باستسلام وتبعد جسدها عنه..
جالسا على السرير، يتطلع إليها في صمت..
قد أتأخر.. حسب ظروف العمل، لا تقلق سيوصلني سائق الشركة..
وتخرج متعثرة في ملابسها الأنيقة وزينتها.. ستعود بمبلغ مالي أو.. طفل.
فاطمة الزهراء الرغيوي
تطوان- المغرب