جلس على المقعد المجاور لمقعد سائق سيارة النقل . كانت الأفكار تغزو عقله الشاب ، تمتد في كل جهة تنقل إليه هموما ثقيلة تحمل معها رائحة الحزن والأسى .
كان وجهه شاحبا تعلوه كآبة ، لم ينم منذ أن علم بالخبر ، كان يتساءل بين لحظـة وأخرى : كيف حدث هـذا ؟ وماذا بإمكاني أن أفعل بعد أن غادرني أبي وحيدا ؟ تساءل في نفسه .
كان أبوه كل شيء في حياته ، صديقه وسنده وأخوه ، في السراء وفي الضراء ، ففي أوقات الشدة لم يكن يلوذ بأحد سواه ، لدرجة أنه تعود الاعتماد عليه في كل أموره حتى بعد أن كبر ، أما طفولته فحدث عنها كيف شئت ، كان الطفـل المدلل يشتهي فينال أو لنقل إنه لم يكن يحلم ، كان أبوه يحضر له ما أراد وما لم يرد ، من الأدوات والأجهزة والملابس وكل شيء ، كان الأب قد كرس حياته كلها لهذا الابن الوحيد ضمن أسرة مكونة من ثمانية أشخاص ، خمس بنات وأبوه وأمه وكان هو الثامن .
كان أبوه كل شيء في حياته لكن ها هو يغادر الدنيا ويتركه لعواصف القدر تهوي به في لجج الحياة ، وحيدا بلا رفيق ولا مؤنس أو معين ، هكذا على الأقل كان يتصور الأمور.
رباه ماذا عساي أن أفعل ؟ ماذا في مقدوري أن أصنع ؟ كل هذه السنوات وأنا أعتمد على الوالد فجأة ودون سابق إنذار أجد نفسي أمام العاصفة بلا عدة ولا أدنى استعداد .
كانت الأسئلة تتزاحم في رأسه ، يلقح بعضها بعضا فتتناسل وتلد أخرى ، لكنها لم تكن تلد أجوبة ، الأمر الذي كان يزيد الصورة قتامة أمام ناظريه .
كيف تنقلب الأمور بهذا الشكل الجنوني وبهذه الصورة الغريبة ؟ أنا الذي كنت المدلل ، الكل يهرع إلى تلبية مطالبي ... كيف أصبح مسئولا عن أم وخمس أخوات وأنا لم أتعود بعد على تحمل مسؤولية نفسي ؟ هكذا كان يقول في قرارة نفسه . فكان في كل مرة يعض شفتيه ويضرب لوحة القيادة في سيارة النقل . وقد تردد السائق أكثر من مرة في أن ينهره لولا أن ما أدركه من ملامح وجهه جعله يصرف النظر خاصة أن ما كانت تكشف عنه ملامح الشاب من الحزن والكآبة لا يحتاج معه إلى طرح أي سؤال .
تمدد الشاب قليلا وألقى برأسه على مسند المقعد ، وتنهد طويلا ، كل الأبواب انسدت في وجهه ، لا أمل يلوح في الأفق ، ضاق صدره بالهم ، هذا الضيف ثقيل الظل ، هموم بعضها فوق بعض تصطدم بقفصه الصدري ، فتحدث وخزا مؤلما في الجهة اليسرى من جسمه ، بدأ الألم يشتد ويزول في تناوب هستيري ، قرر أن يفر من هذه الأفكار السوداء التي أثقلت كاهله لعله يجد صورة أخرى يلجأ إليها من هذا الضيق وهذا الكرب ، حدث الأمر مرات متوالية لكن دون جدوى . سائق سيارة النقل ينادي : شخص واحد ، ينقصنا شخص واحد . تقدم رجل مسن وفتح الباب ، الجميع يتهيأون للانطلاق ، ها هي يد توضع على كتفه برفق بعد أن لم يسمع : اسمح لي من فضلك ... يا أخ هذا المكان مخصص لشخصين ... لم يجب ، يا أخ تنح قليلا ... حركه السائق لعله أن يكون نائما ، لم يتحرك ... دفعه برفق فسقط على مقعد السائق ، لكنه لم يتحرك من تلقاء نفسه . أما هو فقد كان في عالم آخر ، ولم يترك في السيارة سوى جسده .
كيف تنقلب الأمور بهذا الشكل الجنوني وبهذه الصورة الغريبة ؟ أنا الذي كنت المدلل ، الكل يهرع إلى تلبية مطالبي ... كيف أصبح مسئولا عن أم وخمس أخوات وأنا لم أتعود بعد على تحمل مسؤولية نفسي ؟ هكذا كان يقول في قرارة نفسه . فكان في كل مرة يعض شفتيه ويضرب لوحة القيادة في سيارة النقل . وقد تردد السائق أكثر من مرة في أن ينهره لولا أن ما أدركه من ملامح وجهه جعله يصرف النظر خاصة أن ما كانت تكشف عنه ملامح الشاب من الحزن والكآبة لا يحتاج معه إلى طرح أي سؤال .
تمدد الشاب قليلا وألقى برأسه على مسند المقعد ، وتنهد طويلا ، كل الأبواب انسدت في وجهه ، لا أمل يلوح في الأفق ، ضاق صدره بالهم ، هذا الضيف ثقيل الظل ، هموم بعضها فوق بعض تصطدم بقفصه الصدري ، فتحدث وخزا مؤلما في الجهة اليسرى من جسمه ، بدأ الألم يشتد ويزول في تناوب هستيري ، قرر أن يفر من هذه الأفكار السوداء التي أثقلت كاهله لعله يجد صورة أخرى يلجأ إليها من هذا الضيق وهذا الكرب ، حدث الأمر مرات متوالية لكن دون جدوى . سائق سيارة النقل ينادي : شخص واحد ، ينقصنا شخص واحد . تقدم رجل مسن وفتح الباب ، الجميع يتهيأون للانطلاق ، ها هي يد توضع على كتفه برفق بعد أن لم يسمع : اسمح لي من فضلك ... يا أخ هذا المكان مخصص لشخصين ... لم يجب ، يا أخ تنح قليلا ... حركه السائق لعله أن يكون نائما ، لم يتحرك ... دفعه برفق فسقط على مقعد السائق ، لكنه لم يتحرك من تلقاء نفسه . أما هو فقد كان في عالم آخر ، ولم يترك في السيارة سوى جسده .