يلج المدرج قبلنا جميعا,عادة دأب عليها منذ أن عين أستاذا للشعر الجاهلي...
كنت وفريدة ,ظلي متى كانت السماء عارية وصافية,نركن الى جدع نخلة نمت
بشكل مثير...امتدت افقيا لبضعة أمتار تكاد تلامس الأرض ثم انتنت ناهضة,مشرئبة تزينها قلائد بلح علاها الاصفرار...نسترق النظر...يعدل وضعية الميكروفون,ينفخ فيه نفخا خفيفا,يبعده قليلا ثم يدفن رأسه في عتمة الكلمات...
يرفع عينين سكنهما الحزن,رغم مرحه الظاهر,ينطلق صوته الجهوري كعادته يطلعنا عما بين يديه...
كان كل حرف يخرج من فيه مشبعا بمساحته الصوتية,يقرأ بتأن فهرس الجديد
الذي يصاحبه,والذي ان لم يكن "الكرمل" ف "عيون المقالات" والا فأحدث الدراسات عن الشعر...
يبدو صلبا ,يعاند الزمن بقامة حادة.شعيرات طويلة يثبتها بكفه الناعمة بحركة من منبتها الى مستقر لها فتغذو خطوطا افقية رفيعة تخفي صلعا...استدارة الوجه نقطتها شامة ناتئة سوداء...قميصه القصير الاردان كشف عن ساعدين غطاهما شعر كثيف...
هذا الصباح,لم ترتد السماء عريها الازرق,فغاب ظلي وسط عتمة داكنة...
هذا الصباح,لم يدخل المدرج كما عهد...
كان شاردا,يضم كتبه الى صدره بكلتي يديه,يزجي الوقت مداعبا حبات البلح المتساقطة بحذاء لامع,يرصفها ,يراكمها,يبعثرها من جديد,يدوس بكعب حذائه ينفلق النوى نصفين متماثلين ثم...يرميهما بعيدا...
دنت منى رفيقة فريدة "المجزرة كانت رهيبة ,ولن تقو حتى الجبال على حملها "
نظرت اليها ووحدتنا غيمة الحزن...
كان آخر من دخل المدرج,جلس كأنه يرغم مفاصله على مطاوعته,نقر بسبابته رأس مكبر الصوت فتردد صوت كقرع طبل آت من بعيد...
جال بعينيه الحزينتين أركان المدرج وانطلق صوته متعبا ...
" البارحة زارني صديق شاعر,من مواليد ربى قريتي الهادئة...
البارحة أيضا,وعلى كل الهوائيات ,كنا جثتا تتعفن وأشلاء تشم ذاكرتنا بتاريخ جديد لفاجعة جديدة...ما أشبه الفواجع ...
البارحة لما زارنى ,كان قادما من أرض الديانات,حمل لي معه دالية عنب صغيرة مازالت تربة عروقها ندية بماء وطني.
وصرة هي مزيج من رمل واسمنت وطلاء وبعض الاحجار بحجم الكف..."
سكت فجأة,أبعد مكبر الصوت و...انخرط في بكاء موجع...بكينا معا...
الصمت الذى ران ,قطعه نحيب خفيف بين الفينة والاخرى...ثم أضاف "شممت دالية العنب,شممت عبق تربتها التى لم تطأ قدماي ارضها منذ ثلاثين سنة,كانت أمي تحب الخضرة,من أجلها كانت تدرع اميالا,تنوء تحت ثقل مدلجة بلاستيكية كي تتعهد حديقتها الصغيرة بدمعات ماء...كان لعنب داليتها طعم فريد...
صرة الخليط هي ما تبقى من بيت بناه والدى حجرا حجرا...لما كبرت بنى لي غرفة كانت تطل على تلال كستها غابة زيتون ,صارت اليوم غابة اسلاك واسمنت...يبدو أن هذه الصرة هي حصتي من وطني الرائع..."
تناول جرعة ماء ,أطرق مليا ليرتاح قليلا وليفكر كثيرا ثم أخرج ورقة وشرع يقرأ كمن يقرأ وصيته الأخيرة ...
"استاذنا الفاضل
بعد ان تدارس مجلس ادارة الجامعة طلبكم,
واذ نشكركم على ما بذلتموه من عطاء خدمة للبحث العلمي,
لا يسعنا الا ان نوافق على طلب اعفائكم.
و الســــــــلام."
رفع رأسه,نهض ثم انحنى كي يقترب من مكبر الصوت
"أمي الآن أحوج إلي".... وبقايا دموع تطفئ ضياء ابتسامة اراد لها ان تمسح الحزن عن عيوننا...
دنت منى رفيقة فريدة "المجزرة كانت رهيبة ,ولن تقو حتى الجبال على حملها "
نظرت اليها ووحدتنا غيمة الحزن...
كان آخر من دخل المدرج,جلس كأنه يرغم مفاصله على مطاوعته,نقر بسبابته رأس مكبر الصوت فتردد صوت كقرع طبل آت من بعيد...
جال بعينيه الحزينتين أركان المدرج وانطلق صوته متعبا ...
" البارحة زارني صديق شاعر,من مواليد ربى قريتي الهادئة...
البارحة أيضا,وعلى كل الهوائيات ,كنا جثتا تتعفن وأشلاء تشم ذاكرتنا بتاريخ جديد لفاجعة جديدة...ما أشبه الفواجع ...
البارحة لما زارنى ,كان قادما من أرض الديانات,حمل لي معه دالية عنب صغيرة مازالت تربة عروقها ندية بماء وطني.
وصرة هي مزيج من رمل واسمنت وطلاء وبعض الاحجار بحجم الكف..."
سكت فجأة,أبعد مكبر الصوت و...انخرط في بكاء موجع...بكينا معا...
الصمت الذى ران ,قطعه نحيب خفيف بين الفينة والاخرى...ثم أضاف "شممت دالية العنب,شممت عبق تربتها التى لم تطأ قدماي ارضها منذ ثلاثين سنة,كانت أمي تحب الخضرة,من أجلها كانت تدرع اميالا,تنوء تحت ثقل مدلجة بلاستيكية كي تتعهد حديقتها الصغيرة بدمعات ماء...كان لعنب داليتها طعم فريد...
صرة الخليط هي ما تبقى من بيت بناه والدى حجرا حجرا...لما كبرت بنى لي غرفة كانت تطل على تلال كستها غابة زيتون ,صارت اليوم غابة اسلاك واسمنت...يبدو أن هذه الصرة هي حصتي من وطني الرائع..."
تناول جرعة ماء ,أطرق مليا ليرتاح قليلا وليفكر كثيرا ثم أخرج ورقة وشرع يقرأ كمن يقرأ وصيته الأخيرة ...
"استاذنا الفاضل
بعد ان تدارس مجلس ادارة الجامعة طلبكم,
واذ نشكركم على ما بذلتموه من عطاء خدمة للبحث العلمي,
لا يسعنا الا ان نوافق على طلب اعفائكم.
و الســــــــلام."
رفع رأسه,نهض ثم انحنى كي يقترب من مكبر الصوت
"أمي الآن أحوج إلي".... وبقايا دموع تطفئ ضياء ابتسامة اراد لها ان تمسح الحزن عن عيوننا...