أي شخصية فذة تلك التي هزّ حُراسها (البودي غارد) بالرؤوس الحليقة أرجاء المطعم الهاديء في بهو الفندق( الكلاس) ، وكأنه هجوم مسلحٍ أو سطوٍ مفاجيء .. أقام المكان ولم يقعده.. ؟؟
عكّر علينا صفو سماع عازفة البيانو ، رجّ العصير في الجوف وأخرج القلوب الوجلة من بين الضلوع..
احتجت دقائق حتى أرخي أعصابي ، أعيدُ تنظيم دقات قلبي ،ويستقرُ زوغان عيني .. لأدرك ما جرى ومن يكون هذا المُهمّ الجائع الذي سبقه الوفد الشرس ليحتل الطاولات المقاعد والكراسي ..
يُمنع الدخول والخروج من عمالقةٍ، كل واحدٍ منهم بحجم دب قطبي ، متجهم الوجه
كشيطان غاضب .. يحمل في يده (موبايل) و(توكي وكي) يتحدث بهمس ويتحرك كقرد أجرب ينظر إلى الساعة ويراقب وجوه الحضور .
أصوات مظاهرة صاخبة ، تكتكة الفلاشات تسبق الموكب ، صراخ أنثوي يتوسل ويتسول : " أرجوووك ، دعني أمرّ .. يااااااي .. واوووووو ..بلييييييييييييييز ..!" .
تأهبٌ ، استعدادْ.. حانت لحظة الصفر ، هاهو (العظيم ) يقترب .. اصطف الحرس على الصفين ، هبّ الجميع.. (هرجٌ ومرجٌ) حتى عازفة البيانو قامت ترحب بالقادم المهيب و... قيدتُ جسدي بالمقعد حتى لا أطير مع قلبي الذي هرب مني وتدحرج بين القلوب المتزاحمة أمام قدميه ..!!
الطول الفارع ، الشباب المتألق ، الوسامة ، الفحولة الناطقة ، العيون الناعسة ، الابتسامة الساحرة ، والجمال الرباني يسير على قدمين ، سبحان الخالق الذي خلق .. يليق به لقب المطرب الوسيم ذي الصوت الرخيم ، محطم قلوب العذارى و(مولع ) غيرة الشباب ..
كالطاووس مختالا سار نحو طاولة مُدت بما لذ وطاب من قبل أن يطلب (المنيو..)
جلس مادا قدميه مسترخيا على الكنبة يوقع على أوراق ومناديل وأذرع الصبايا .. يوزع القبلات ،يربّت على الأكتاف ،والأرداف .
استغرق هذا الإحتفال نصف ساعة ، هدأت بعده القاعة إلا من تحرك ألعاب الدمى الخشبية المعلقة بالخيوط كما في (الليلة الكبيرة) للشاعر صلاح جاهين ..
طوال الوقت وأنا ساكنة أحاول السيطرة على كُــلّي..!
كي لا ينفضح أمري ، وأبدو في سخافة الفتيات الملوّعات بصاحب الصوت الآسروالقد الرشيق الفتان على المسارح..
تشاغلتُ بأوراق العمل المطلوب إعداد برنامجه للمكتب وبطرف خفي أراقب حركات وسكنات هذا التمثال المنحوت أمامي شحما ،لحما ودما..
أشعْــلَ سيجارا كوبيا ، وأمسك بكأس نبيذ أحمر (فرنسي) ، تناول بيده قطعة (بندورة) أتبعها قطعة (خيار ..)
إذن هو بشرٌ يأكل بيديه لا شوكة ولا سكين ويمضغ مثلنا وهو كاذب وممثل بارع ..!
في كل المقابلات الصحفية المسموعة والمرئية يحاربُ التدخين ويدعي أنه لا يعاقر الخمر :(حرام) أولا ، ومُضر للحنجرة ثانيا..
يُلقمُ شقراء تجالسه ويلّف ذراعه حول خصرها العاري .. (ليست زوجته ) هو خائن أيضا ويتبجح بالإخلاص والترابط العائلي واحترام المرأة ، وأنه أوفى من الوفاء .. !!
ضحكته المجلجلة ، جلسته الماجنة لا توحي بأنه يعاني حزنا ، أرقا ، خوفا على وطن أو الشعور مع أي وطن .. يشدو له ليل نهار ويبكي على الشهداء ،الأموات ،المشردين
والمهجرين في أصقاع الأرض والإنسان العربي المقهور..!
بدأ (التمثال) الذي سكن غرفتي بالصور ، المجلات ،الكاسيتات والمرافق خطواتي في السيارة ،العمل ،السهرات ومع الصديقات يتحطم رويدا رويدا ويذوب ..
هذا هو (المنافق) الذي إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان ..
من أنا لأحكم على أفعاله..؟
له حياته الخاصة ، ولا يمكنني قراءة أعماقه .. فقد يكون أكثر الناس عذابا ، لوعة ،وتعبا جسديا ونفسيا ويحتاج إلى ساعة راحة واستراحة من الجمهور والمعجبين والبحث عن الجديد ليبقى في القمة ..
أكملت طعامي ، وضعت نقاط البرنامج ، طلبت فنجان قهوة ، عدت
أركز سمعي على العزف لأغنية أحبها: (الشعور لا شيء غير الشعور)
ونسيت من حولي ..!
كم من الوقت مضى ..؟
جمعتُ أشيائي ، أعدت شعري الطويل إلى مكانه ، ارتديت جاكيت الجينز ، أشرت إلى (الجرسون) كي يحضر الفاتورة .. جاء مسرعا ، وقال :
- الحساب مدفوع ..
- كيف ؟
فجأة ، أحاطني عملاقان :
- (العظيم ) يدعوك لتنضمي إليه وهو يشرب الشيشة ، يبدو أنه أعجب بك .. حظك من السماء ..!
سمعت صوتي يهمس: (اوكي..)
نهضت وسلاسل الحديد تلف كاحلي ، مشيت بثقل القيود خطوة تجرها خطوة
نظرت مباشرة إليه ، لمحت ابتسامة انتصار .. أفسح لي مكان شقرائه ، فانكمشتْ المسكينة في زاوية المقعد كسيرة الخاطر كفردة حذاء..
اصطدمتُ بنظراته (الناعسة) .. وجدتُ فتاة قمحاوية البشرة ، جميلة المحيا ، منمنمة التقاطيع ، معتدلة القامة ، كل ما فيها يثير ..
ذئب، وحش يناظر صيده الثمين ويحتار من أين يبدأ النهش ..!
وقفتُ صامتة أرى جسدي كشجرة خضراء يعريها خريف مبكر ، ويسقط عنها آخر ورقة .. رفع كأسه ، وقال بصوت كسول :" لنشرب نخبك أيتها الحلوة.." .
فتحت حقيبتي ...
أخرجت شريط كاسيت يحمل صورة واسم مطرب المُثل والمباديء :"هذا الشريط اشتريته بدولار .. هو ثمنـُك " .
خرجتُ مسرعة ، ومن خلفي أصوات صاخبة ومناديل وفوط وأيدٍ تجفف نبيذا فرنسيا رُشِقَ في وجه تمثال الجماهير المهشم ..
محاسن الحمصي
كاتبة وصحفية
الأردن
كالطاووس مختالا سار نحو طاولة مُدت بما لذ وطاب من قبل أن يطلب (المنيو..)
جلس مادا قدميه مسترخيا على الكنبة يوقع على أوراق ومناديل وأذرع الصبايا .. يوزع القبلات ،يربّت على الأكتاف ،والأرداف .
استغرق هذا الإحتفال نصف ساعة ، هدأت بعده القاعة إلا من تحرك ألعاب الدمى الخشبية المعلقة بالخيوط كما في (الليلة الكبيرة) للشاعر صلاح جاهين ..
طوال الوقت وأنا ساكنة أحاول السيطرة على كُــلّي..!
كي لا ينفضح أمري ، وأبدو في سخافة الفتيات الملوّعات بصاحب الصوت الآسروالقد الرشيق الفتان على المسارح..
تشاغلتُ بأوراق العمل المطلوب إعداد برنامجه للمكتب وبطرف خفي أراقب حركات وسكنات هذا التمثال المنحوت أمامي شحما ،لحما ودما..
أشعْــلَ سيجارا كوبيا ، وأمسك بكأس نبيذ أحمر (فرنسي) ، تناول بيده قطعة (بندورة) أتبعها قطعة (خيار ..)
إذن هو بشرٌ يأكل بيديه لا شوكة ولا سكين ويمضغ مثلنا وهو كاذب وممثل بارع ..!
في كل المقابلات الصحفية المسموعة والمرئية يحاربُ التدخين ويدعي أنه لا يعاقر الخمر :(حرام) أولا ، ومُضر للحنجرة ثانيا..
يُلقمُ شقراء تجالسه ويلّف ذراعه حول خصرها العاري .. (ليست زوجته ) هو خائن أيضا ويتبجح بالإخلاص والترابط العائلي واحترام المرأة ، وأنه أوفى من الوفاء .. !!
ضحكته المجلجلة ، جلسته الماجنة لا توحي بأنه يعاني حزنا ، أرقا ، خوفا على وطن أو الشعور مع أي وطن .. يشدو له ليل نهار ويبكي على الشهداء ،الأموات ،المشردين
والمهجرين في أصقاع الأرض والإنسان العربي المقهور..!
بدأ (التمثال) الذي سكن غرفتي بالصور ، المجلات ،الكاسيتات والمرافق خطواتي في السيارة ،العمل ،السهرات ومع الصديقات يتحطم رويدا رويدا ويذوب ..
هذا هو (المنافق) الذي إذا حدّث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان ..
من أنا لأحكم على أفعاله..؟
له حياته الخاصة ، ولا يمكنني قراءة أعماقه .. فقد يكون أكثر الناس عذابا ، لوعة ،وتعبا جسديا ونفسيا ويحتاج إلى ساعة راحة واستراحة من الجمهور والمعجبين والبحث عن الجديد ليبقى في القمة ..
أكملت طعامي ، وضعت نقاط البرنامج ، طلبت فنجان قهوة ، عدت
أركز سمعي على العزف لأغنية أحبها: (الشعور لا شيء غير الشعور)
ونسيت من حولي ..!
كم من الوقت مضى ..؟
جمعتُ أشيائي ، أعدت شعري الطويل إلى مكانه ، ارتديت جاكيت الجينز ، أشرت إلى (الجرسون) كي يحضر الفاتورة .. جاء مسرعا ، وقال :
- الحساب مدفوع ..
- كيف ؟
فجأة ، أحاطني عملاقان :
- (العظيم ) يدعوك لتنضمي إليه وهو يشرب الشيشة ، يبدو أنه أعجب بك .. حظك من السماء ..!
سمعت صوتي يهمس: (اوكي..)
نهضت وسلاسل الحديد تلف كاحلي ، مشيت بثقل القيود خطوة تجرها خطوة
نظرت مباشرة إليه ، لمحت ابتسامة انتصار .. أفسح لي مكان شقرائه ، فانكمشتْ المسكينة في زاوية المقعد كسيرة الخاطر كفردة حذاء..
اصطدمتُ بنظراته (الناعسة) .. وجدتُ فتاة قمحاوية البشرة ، جميلة المحيا ، منمنمة التقاطيع ، معتدلة القامة ، كل ما فيها يثير ..
ذئب، وحش يناظر صيده الثمين ويحتار من أين يبدأ النهش ..!
وقفتُ صامتة أرى جسدي كشجرة خضراء يعريها خريف مبكر ، ويسقط عنها آخر ورقة .. رفع كأسه ، وقال بصوت كسول :" لنشرب نخبك أيتها الحلوة.." .
فتحت حقيبتي ...
أخرجت شريط كاسيت يحمل صورة واسم مطرب المُثل والمباديء :"هذا الشريط اشتريته بدولار .. هو ثمنـُك " .
خرجتُ مسرعة ، ومن خلفي أصوات صاخبة ومناديل وفوط وأيدٍ تجفف نبيذا فرنسيا رُشِقَ في وجه تمثال الجماهير المهشم ..
محاسن الحمصي
كاتبة وصحفية
الأردن