كـان يـمـسـك رأسـه بـيـن كـفـيـه ويـسـائـل نـفـسـه عـن سـبـب هـذه الـمـحـنـة الـتـي تـمـر بـه وكـأنـهـا عـاصـفـة هـوجـاء ، كـان مـن حـيـن إلـى حـيـن يـرفـع صـوتـه بـشـكـل مـفـاجـئ " تـفـو" يـصـاحـب صـوتـه ضـرب شـديـد عـلى الـطـاولـة الـمـوضـوعـة أمـامـه فـي الـمـقـهـى . لـقـد سـبـق لأصـدقـائـه الـمـقـربـيـن أن نـبـهـوه إلـى ضـرورة الـتـوقـف عـن هـذه الـحـمـاقـات خـاصـة وأنـه لـم يـعـد صـغـيـرا كـمـا أن الـفـتـاة الـتـي بـدأ يـلاحـقـهـا هـنـا وهـنـاك تـصـغـره بـأكـثـر مـن ثـلاثـيـن عـامـا ، هـي ابـنـة الـثـمـانـيـة عـشـر ربـيـعـا أمـا هـو فـقـد تجـاوز الـخـمـسـيـن مـنـذ فـتـرة لا بـأس بـهـا . إن أكـثــر مـا كـان يـؤلـمـه ويـحـز فـي نـفـسـه هـو هـذا الـتـغـيـر الـمـفـاجـئ فـي شـخـصـيـتـه وفـكـره ، خـاصـة وهـو الـشـخـص الـذي تـعـود أن يـأخـذ كـل أمـوره مـأخـذا جـادا عـقـلانـيـا ، مـحـلـلا ومـقـايـسـا ومـوازنـا . لـم يـكـن للـعـاطـفـة حـيـز يـذكـر فـي قـراراتـه وتـصـرفـاتـه ، بـل يـمـكـن الـقـول بـأن الأمـور الـعـاطـفـيـة لـم تـكـن ضـمـن بـرامـجـه بـلـه أن تـكـون مـن ضـمـن أولـويـاتـه . الـعـقـل ـ ولا شـيء غـيـر الـعـقـل ـ كـان سـيـد مـواقـفـه وتـصـرفـاتـه ، وحـركـاتـه وسـكـنـاتـه . لـكـنـه هـذه الـمـرة أحـس بـأنـه لـم يـعـد يـمـلك إرادتـه كـمـا لـم يـعـد يـتـحـكـم فـي خـيـاراتـه . كـانـت الأحـاسـيـس تـقـذف بـه مـن لـجـة إلـى أخـرى مـنـذ أن لـمـح تـلك الـفـتـاة الـغـضـة الـطـريـة ... اللـيـنـة الـمـلـيـئـة بـالـحـيـاة .
كـان يـقـف أمـامـهـا مـبـهـوتـا مـسـلـوب الإرادة ، حـتـى أنـه كـان يـخـجـل مـن نـفـسـه ، ويـتـسـاءل فـي قـرارة بـاطـنـه : هــل يـلـيـق بـه هـذا الـتـصرف وهـو الـكـهـل الـرزيـن ؟ هـل الأمـر يـتـعـلـق بـمـراهـقـة مـتـأخـرة ؟ أم أن الأمـر مـجـرد نـزوة عـابـرة ؟ هـل هـو تـصـاب وجـنـون طـفـولـي لا يـلـيـقـان بـمـقـامـه ومـركـزه ؟ أم أنـه مـجـرد هـفـوة أو ربـمـا سـحـابـة فـي سـمـاء يـوم صـائـف ؟
لـم يـكـن يـجـد جـوابـا ، والأدهـى والأمـر أنـه لـم يـكـن يـود لا الـسـؤال ولا الـجـواب . كـل مـا كـان يـريـده هـو أن تـتـاح لـه الـفـرصـة قـلـيـلا حـتـى يـسـتـمـتـع بـهـذه اللـحـظـات ، وقـد عـاش عـمـرا طـويـلا ، بـطـولـه وعـرضـه ، مـحـرومـا مـن كـل عـاطـفـة أو حـنـان . لـم يـكـن يـسـعـى حـتـى إلـى مـجـرد تـحـلـيـل الأمـر أو مـنـاقـشـتـه ولـو مـع نـفـسـه ، هـذه اللـحـظـات تـسـتـحـق أن تـعـاش ، لـكـن الأسـئـلـة كـانـت تـداهـمـه وتـقـتـحـم عـلـيـه نـشـوتـه .
كـانـت الأسـئـلـة تـتـنـاسـل ، يـلـد بـعـضـهـا بـعـضـا فـي حـركـة لا تـتـوقـف ، كـانـت تـفـرض نـفـسـهـا أمـام نـاظـريـه ، فـيـعـجـز عـن إزاحـتـهـا مـهـمـا فـعـل . يـود أن يـصـرخ بـمـلء فـيـه : يـا نـاس ، أي عـيـب فـي أن تـتـحـرك مـشـاعـر الـمـرء ، وتـتـدفـق فـي شـقـوق الـنـفـس خـيـوط الأحـاسـيـس ؟ هـل يـمـكـن لأرض لا تـسـقـى بـالـمـاء أن تـعـيـش وتـثـمـر ؟ هـل الـحـيـاة كـلـهـا نـقـد وفـكـر وعـقـل وقـيـاس وبـرهـان ؟ أم أن للـمـشـاعـر والأحـاسـيـس نـصـيـبـا يـجـب أن يـصـان ؟ كـان الـرجـل الـكـهـل مـصـرا عـلـى أن يـسـتـمـر فـي اللـعـبـة إلـى آخـر الـنـفـق ، لـكـن إلـى أي حـد يـسـتـطـيـع أن يـتـجـاهـل الـنـاس والــمـجـتـمـع ، فـإذا امـتـلك الـجـرأة ـ مـثـلا ـ فـهـل فـي مـقـدوره أن يـضـرب بـأبـنـائـه وبـنـاتـه عـرض الـحـائـط ؟ كـيـف سـتـكـون نـظـرة هـؤلاء إلـى صـورة أبـيـهـم ؟ كـيـف سـيـكـون مـصـيـر هـؤلاء الأبـنـاء ؟ هـل يـمـكـنـه أن يـتـجـاهـل الاحـتـمـالات فـي حـال فـشـل الأمـر ، أو فـي حـال عـجـز أو... ؟ هـل مـشـاعـره مـلك نـفـسـه وحـدهـا ؟ أم أن عـلـيـه أن يـراعـي الآخـريـن ؟ مـا ذنـب أولاده ـ مـثـلا ـ ؟ أو هـل مـن حـقـهـم أن يـمـنـعـوه مـن أن يـعـيـش ويـحـيـا وقـد فـارقـتـه زوجـتـه مـنـذ أزيـد مـن عـشـرة أعـوام ؟ قـدم خـلالـهـا مـا يـمـلك ومـا لا يـمـلك مـن الـتـضـحـيـات والـمـشـاعـر والأحـاسـيـس ، عـشـر سـنـوات كـان فـيـهـا أبـا وأمـا . عـشـر سـنـوات طـوال أخـذت مـنـه الـشـيء الـكـثـيـر ، حـتـى أنـه لـم يـكـن يـشـكـو أو يـتـألـم ، لـم يـسـمـع لـه أنـيـن طـيـلـة لـيـال مـا كـان يـحـصـيـهـا إلا مـن عـاشـهـا بـعـقـلـه وقـلـبـه ، عـاشـهـا وهـو يـقـدم دون أن يـأخـذ شـيـئـا ، ومـا كـان لـه أن يـأخـذ شـيـئـا ، ألـيـسـت الأبـوة عـطـاء وتـضـحـيـة ؟ فـكـيـف وهـو الـذي عـرف الأبـوة عـشـريـن سـنـة قـبـل مـوت زوجـتـه وعـرف الأبـوة والأمـومـة مـعـا بـعـد أن غـادرتـه وحـيـدا لـمـدة عـشـر سـنـوات أخـرى ؟ قـرر ألا يـصـحـب مـعـه أيـا مـن أبـنـائـه أو بـنـاتـه حـتـى لا يـقـلل ذلك مـن فـرصـه فـي نـيـل الـمـوافـقـة . ارتـدى مـعـطـفـا جـلـديـا أنـيـقـا ، وحـمـل فـي يـده عـلـبـة فـيـهـا بـعـض أنـواع الـحـلـوى . طـرق الـبـاب ثـم دخـل ... لـقـي كـل الـتـرحـيـب ، لـكـنـه حـيـن اقـتـرح مـراده كـان مـصـيـره الـرفـض بـحـجـة أن الـفـتـاة فـي سـن إحـدى بـنـاتـه ، ثـم إنـه لـو كـان أحـد أبـنـائـه هـو الـذي طـلـبـهـا لـكـان الأمـر مـعـقـولا ، كـمـا أحـبـوا أن يـسـمـعـوه .
لـم يـكـن يـجـد جـوابـا ، والأدهـى والأمـر أنـه لـم يـكـن يـود لا الـسـؤال ولا الـجـواب . كـل مـا كـان يـريـده هـو أن تـتـاح لـه الـفـرصـة قـلـيـلا حـتـى يـسـتـمـتـع بـهـذه اللـحـظـات ، وقـد عـاش عـمـرا طـويـلا ، بـطـولـه وعـرضـه ، مـحـرومـا مـن كـل عـاطـفـة أو حـنـان . لـم يـكـن يـسـعـى حـتـى إلـى مـجـرد تـحـلـيـل الأمـر أو مـنـاقـشـتـه ولـو مـع نـفـسـه ، هـذه اللـحـظـات تـسـتـحـق أن تـعـاش ، لـكـن الأسـئـلـة كـانـت تـداهـمـه وتـقـتـحـم عـلـيـه نـشـوتـه .
كـانـت الأسـئـلـة تـتـنـاسـل ، يـلـد بـعـضـهـا بـعـضـا فـي حـركـة لا تـتـوقـف ، كـانـت تـفـرض نـفـسـهـا أمـام نـاظـريـه ، فـيـعـجـز عـن إزاحـتـهـا مـهـمـا فـعـل . يـود أن يـصـرخ بـمـلء فـيـه : يـا نـاس ، أي عـيـب فـي أن تـتـحـرك مـشـاعـر الـمـرء ، وتـتـدفـق فـي شـقـوق الـنـفـس خـيـوط الأحـاسـيـس ؟ هـل يـمـكـن لأرض لا تـسـقـى بـالـمـاء أن تـعـيـش وتـثـمـر ؟ هـل الـحـيـاة كـلـهـا نـقـد وفـكـر وعـقـل وقـيـاس وبـرهـان ؟ أم أن للـمـشـاعـر والأحـاسـيـس نـصـيـبـا يـجـب أن يـصـان ؟ كـان الـرجـل الـكـهـل مـصـرا عـلـى أن يـسـتـمـر فـي اللـعـبـة إلـى آخـر الـنـفـق ، لـكـن إلـى أي حـد يـسـتـطـيـع أن يـتـجـاهـل الـنـاس والــمـجـتـمـع ، فـإذا امـتـلك الـجـرأة ـ مـثـلا ـ فـهـل فـي مـقـدوره أن يـضـرب بـأبـنـائـه وبـنـاتـه عـرض الـحـائـط ؟ كـيـف سـتـكـون نـظـرة هـؤلاء إلـى صـورة أبـيـهـم ؟ كـيـف سـيـكـون مـصـيـر هـؤلاء الأبـنـاء ؟ هـل يـمـكـنـه أن يـتـجـاهـل الاحـتـمـالات فـي حـال فـشـل الأمـر ، أو فـي حـال عـجـز أو... ؟ هـل مـشـاعـره مـلك نـفـسـه وحـدهـا ؟ أم أن عـلـيـه أن يـراعـي الآخـريـن ؟ مـا ذنـب أولاده ـ مـثـلا ـ ؟ أو هـل مـن حـقـهـم أن يـمـنـعـوه مـن أن يـعـيـش ويـحـيـا وقـد فـارقـتـه زوجـتـه مـنـذ أزيـد مـن عـشـرة أعـوام ؟ قـدم خـلالـهـا مـا يـمـلك ومـا لا يـمـلك مـن الـتـضـحـيـات والـمـشـاعـر والأحـاسـيـس ، عـشـر سـنـوات كـان فـيـهـا أبـا وأمـا . عـشـر سـنـوات طـوال أخـذت مـنـه الـشـيء الـكـثـيـر ، حـتـى أنـه لـم يـكـن يـشـكـو أو يـتـألـم ، لـم يـسـمـع لـه أنـيـن طـيـلـة لـيـال مـا كـان يـحـصـيـهـا إلا مـن عـاشـهـا بـعـقـلـه وقـلـبـه ، عـاشـهـا وهـو يـقـدم دون أن يـأخـذ شـيـئـا ، ومـا كـان لـه أن يـأخـذ شـيـئـا ، ألـيـسـت الأبـوة عـطـاء وتـضـحـيـة ؟ فـكـيـف وهـو الـذي عـرف الأبـوة عـشـريـن سـنـة قـبـل مـوت زوجـتـه وعـرف الأبـوة والأمـومـة مـعـا بـعـد أن غـادرتـه وحـيـدا لـمـدة عـشـر سـنـوات أخـرى ؟ قـرر ألا يـصـحـب مـعـه أيـا مـن أبـنـائـه أو بـنـاتـه حـتـى لا يـقـلل ذلك مـن فـرصـه فـي نـيـل الـمـوافـقـة . ارتـدى مـعـطـفـا جـلـديـا أنـيـقـا ، وحـمـل فـي يـده عـلـبـة فـيـهـا بـعـض أنـواع الـحـلـوى . طـرق الـبـاب ثـم دخـل ... لـقـي كـل الـتـرحـيـب ، لـكـنـه حـيـن اقـتـرح مـراده كـان مـصـيـره الـرفـض بـحـجـة أن الـفـتـاة فـي سـن إحـدى بـنـاتـه ، ثـم إنـه لـو كـان أحـد أبـنـائـه هـو الـذي طـلـبـهـا لـكـان الأمـر مـعـقـولا ، كـمـا أحـبـوا أن يـسـمـعـوه .