(1)
قبل عام حل بالبلدة أولئك الغرباء ظاهرو النعمة.. وزعوا أسئلة هنا وهناك , وبعض أسف وبسمات لا تسمن ولا تغني من برد..
قيل إنهم أعضاء لجنة وزارية..
بصلاحيات واسعة وأفق أوسع ..تفقدوا أحوال البلدة والناس, وعدوا خيرا..ثم ابتدأت الأشغال وقام البناء.. ذاك البناء الذي تراه "تزرورت" فتذكر الذين رحلوا وتغرورق عيناها بالدموع..
- أزيد من ثلاثين طفلا ..يا الله ..أي خريف للأطفال..أي خريف !..
يتهدج صوتها من فرط التأثر, فتشيح بوجهها جهة الصمت.. وتتيقظ الحواس للسعات البرد الذي حل من جديد..
(2)
هناك في الأعالي ..
في المغرب العميق العميق..بعيدا عن المدينة والأضواء والطرق المعبدة والمستشفيات وشبكات الهاتف وأجهزة التكييف واهتمامات الساسة وكتّاب الواقعية المزعومة .. بعيدا عن أي حلم جميل , قريبا من العطب تقع البلدة ..
وفي البلدة برد..
برد تفشى في الجو, تحت الجلد يلطع العظام .. كحّ الطفل قليلا, ثم انتابته نوبة سعال وألهبت جسده الضئيل حمى باردة.
لم تكن ذراعا الأم دافئتين بما فيه الكفاية ولا الأعين المتوجسة للإخوة المتحلقين عبر مدار الرعشة.. ولم ينفع المشروب الساخن الذي أعد على عجل تعويضا لدواء غائب.. حدق الطفل في فراغ السقف للمرة الأخيرة, وهمد الجسد.
وها خريف الأطفال قد حل.
(3)
طفلان..
ثلاثة..خمسة..عندها بدأ الكلام .. تحاكى الناس مأساة البلدة المعزولة التي يهد القهر عمرها الآتي, فالتقطت جريدة بعيدة سؤال الموت المريب:
لعل في الأمر وباءً تنقله المواشي أو ماء مدجج بالبكتيريا ..
أو ربما البرد هو السبب..
تلتهب الشعب الرئوية, وتهز الرعشة الأجساد الضئيلة المزرقة.. سعال وحمى ورجفة ورعب في العيون..
موت..
عشرة أطفال سقطوا كأوراق الخريف..
عشر زهرات يانعة أسقطها الزمهرير..
(4)
لم يرف جفن لمافيا الغابة..معدمي أشجار الأرز ومانعي الحطب عن العموم..لا نار في المدار.. بل برد فقط يزأر كما يشاء ويحصد أرواح الصغار.
بلغ العد ثلاثين ضحية, فتذكر الرجال الرجولة ودمدمت الجبال المحيطة من الحنق..
الأعين الراصدة لاهتزازات الأرض التقطت الإشارة, فحرك مسؤول بالعاصمة مقعدته, وحدّث الهاتفَ بشأن حبة أسبرين لتسكين الصداع.
(5)
في الأعالي أناس بسطاء..
كل مرادهم طريق تصلهم بباقي الوطن.. مستوصف صغير يساعد في توليد النساء ومدرسة وبعض حطب..
يحدث أن يشتهوا الجحيم, نارا تدفئ الوجوه أو ثوب امرأة جميلة تصدح بأغاني الحب, وتنقش على جسد النسيم لوحة "أحواش" مع الآخرين..
لكن البرد حل بالأرجاء..
وحل خريف الأطفال..وغضب..
(6)
"سنفك العزلة عنكم, ونحسّن شرط الحياة".. قالت اللجنة ذات الصلاحيات..
"نعبد الطرق..
"ونضمن توفير الحطب بحصص كافية للجميع..
"ونبني مستوصفا ومدرسة.."
ابتدأت الأشغال وقام البناء .. ذاك البناء الذي..
- هل تعرفون ما يبنى هناك؟
لم يصدق أحد !..
(7)
- ربما احتاج أعضاء اللجنة إلى المجئ ثانية, أو غيرهم من الكبار.. وربما احتاج عضو إلى قضاء حاجته.. فهل يضطر إلى قضائها في الخلاء مثلكم؟
- وأطفالنا الموتى.. والوعود والبرد الآتي؟
(8)
وعلا البناء وسط البلدة..
مرحاض للسادة المنعمين بالعاصمة.. تراه "تزرورت" فتغرورق العينان بالدموع ويهبط الضغط من الكمد.. وها حل موسم جديد, وبعد حين يبدأ الأطفال في الرحيل..
لا شئ تغير بعد عام, أو ينبئ بالتغير ذات يوم..
لا شئ غير مرحاض يعلو هناك في انتظار القدوم المزعوم لمسؤول ربما تداهمه حاجة البيولوجيا على حين غرة..
(9)
غائر هو الجرح..
برد تفشى في الجو, تحت الجلد يلطع العظام .. كحّ الطفل قليلا, ثم انتابته نوبة سعال وألهبت جسده الضئيل حمى باردة.
لم تكن ذراعا الأم دافئتين بما فيه الكفاية ولا الأعين المتوجسة للإخوة المتحلقين عبر مدار الرعشة.. ولم ينفع المشروب الساخن الذي أعد على عجل تعويضا لدواء غائب.. حدق الطفل في فراغ السقف للمرة الأخيرة, وهمد الجسد.
وها خريف الأطفال قد حل.
(3)
طفلان..
ثلاثة..خمسة..عندها بدأ الكلام .. تحاكى الناس مأساة البلدة المعزولة التي يهد القهر عمرها الآتي, فالتقطت جريدة بعيدة سؤال الموت المريب:
لعل في الأمر وباءً تنقله المواشي أو ماء مدجج بالبكتيريا ..
أو ربما البرد هو السبب..
تلتهب الشعب الرئوية, وتهز الرعشة الأجساد الضئيلة المزرقة.. سعال وحمى ورجفة ورعب في العيون..
موت..
عشرة أطفال سقطوا كأوراق الخريف..
عشر زهرات يانعة أسقطها الزمهرير..
(4)
لم يرف جفن لمافيا الغابة..معدمي أشجار الأرز ومانعي الحطب عن العموم..لا نار في المدار.. بل برد فقط يزأر كما يشاء ويحصد أرواح الصغار.
بلغ العد ثلاثين ضحية, فتذكر الرجال الرجولة ودمدمت الجبال المحيطة من الحنق..
الأعين الراصدة لاهتزازات الأرض التقطت الإشارة, فحرك مسؤول بالعاصمة مقعدته, وحدّث الهاتفَ بشأن حبة أسبرين لتسكين الصداع.
(5)
في الأعالي أناس بسطاء..
كل مرادهم طريق تصلهم بباقي الوطن.. مستوصف صغير يساعد في توليد النساء ومدرسة وبعض حطب..
يحدث أن يشتهوا الجحيم, نارا تدفئ الوجوه أو ثوب امرأة جميلة تصدح بأغاني الحب, وتنقش على جسد النسيم لوحة "أحواش" مع الآخرين..
لكن البرد حل بالأرجاء..
وحل خريف الأطفال..وغضب..
(6)
"سنفك العزلة عنكم, ونحسّن شرط الحياة".. قالت اللجنة ذات الصلاحيات..
"نعبد الطرق..
"ونضمن توفير الحطب بحصص كافية للجميع..
"ونبني مستوصفا ومدرسة.."
ابتدأت الأشغال وقام البناء .. ذاك البناء الذي..
- هل تعرفون ما يبنى هناك؟
لم يصدق أحد !..
(7)
- ربما احتاج أعضاء اللجنة إلى المجئ ثانية, أو غيرهم من الكبار.. وربما احتاج عضو إلى قضاء حاجته.. فهل يضطر إلى قضائها في الخلاء مثلكم؟
- وأطفالنا الموتى.. والوعود والبرد الآتي؟
(8)
وعلا البناء وسط البلدة..
مرحاض للسادة المنعمين بالعاصمة.. تراه "تزرورت" فتغرورق العينان بالدموع ويهبط الضغط من الكمد.. وها حل موسم جديد, وبعد حين يبدأ الأطفال في الرحيل..
لا شئ تغير بعد عام, أو ينبئ بالتغير ذات يوم..
لا شئ غير مرحاض يعلو هناك في انتظار القدوم المزعوم لمسؤول ربما تداهمه حاجة البيولوجيا على حين غرة..
(9)
غائر هو الجرح..
فكم من الحبات تنفع في تسكين الألم ؟