تلك الأسطورة البكر ، التي انقدّ الكون من أضلاعها ، ومن ركبتها كانت السلالات ، بهية الروح هي ، وفاتنة قسماتها ، حميمة لدرجة أن من يحتضنه آجرّها ينسى كينونته ، وحواسه لا تعد تدرك سوى صنعاء ، دفؤها خلاص الرجفات ، والابتراد بنسائمها شفاء من كل داء ، بلغت من الفرادة بحيث لا تتكرر ، ومن التميز حتى استعصت على كلّ استنساخ ، ومن التسامي أن تعالت على البحر ، وها هو يستجديها – على الآماد- سرّ خلودها ، من حُمرتها الآسرة كان الأصيل ، وبفجرها فضض سام بن نوح نهضة العالمين بعد الطوفان ، إنها ( أزال ) كما نقلت التوراة ، و( المحصنة ) كما ترجمتها لغة الأحباش ، ليس أجمل منها سواها ..
قمرياتها ما كلّت – منذ بلقيس - تنخل عصارة الأقمار ، وتغربل غلال الشموس ، ليلج الضوء نقياً متطيّفاً إلى بؤرة الأعماق ..
بوّاباتها عناوين سخائها ، كرمِها الذي لا يضاهى ، وشبابيكها ( المشربيات ) التي تنفذ منها أغنيات عائدة لتوها من جزر الحنين ، يرقد في أكنافها الماء المبخّر عذباً ، وكأنه يحرسنا من عطش قد يشيع ، أو يمتحن ديمومة الشذروان ( النوافير )الذي ما فتئ يستنهض رواكدنا ، و يشجعنا على أن نوزع صفاءنا على كل جهة تريد ..
و غير بعيد عن السماء يقربنا ( المفرج ) من الله وذواتنا ، فننجز فيه والخلصاء تأملاتنا والصلاة ، وتبذل الأفئدة في ( الدواوين ) في سبيل المحبة أحداقها ، وتنسج الشفاه ألفتها وحكايا الليل عن مجريات النهار ..
على ألسنة الأضياف طعم أسواقها ، تتنافس فيها القهوة والتوابل والبخور والأزمنة على إنتاج العبق ، تغذي الأرواح والجوعى ، فيدوخ المتجوّل من فرط انتشاء ، والنفائس التي لا تحصى من النقوش والمنحوتات والمصوغات التي بذل الصنعاني في تشكيلها روحه مدلوقة على أصابعه ، حتى لم تعد تكفي لأرشفتها مكتبات العالم ومتاحفه ..
من ذا الذي لا يعشق صنعاء : مرجانها والعقيق ، أزقتها و(مقاشمها ) المبهرة ، حماماتها ومساجدها ، قصورها وبيوتاتها الباذخة ، معمارها الفريد ، متاجرها وباعتها الممتلئين محبة ومرحا ، فلكلورها الذي لا ينسى ..
ونحن حين غربتنا تقطّر أحماضها في قلوبنا فيتآكل خفقنا والبطين كقطعة من صفيح ، إدراكُنا بأننا منصهرون كالأرقام في كُور معادلةٍ غيرِ عادلة ، عيوننا حين تشهدُ تحللَ أشيائنا من أشيائنا ...القولُ لنا بأننا على وشك الفناء ..سلالمُنا المكسورةُ من فرط أثقالنا ، أدراجُنا الملطخة بأحبارنا والخواء ..
إحساسُنا بفقدنا حين تغمرنا الأقاصي ، وتعرّي وجوهنا ، انكشافها على العالمين نيئة كشواء ، مالم نعرفْهُ - بعدُ - من أسماء نؤينا ، ما يعرفُنا من حفيفِ أثواب أودعناها هناك ..
كل هاتيك ..
وأخرى كثيرة ...
تجعلنا نردد مع الإمام الشافعي :
( لابد من صنعاء وإن طال السفر )
لن يعوضني عن صنعاء بهرجة مدن العالم الصاخبة ، وإسمنتيات مدنه المتطاولة حد الهلع ..
لصنعاء الشوق والتوق وأنا المنذورة لعشقها ، تسكنني ما حييت ..
* نجاة بلبل شاعرة يمنية مقيمة في الولايات المتحدة
من ذا الذي لا يعشق صنعاء : مرجانها والعقيق ، أزقتها و(مقاشمها ) المبهرة ، حماماتها ومساجدها ، قصورها وبيوتاتها الباذخة ، معمارها الفريد ، متاجرها وباعتها الممتلئين محبة ومرحا ، فلكلورها الذي لا ينسى ..
ونحن حين غربتنا تقطّر أحماضها في قلوبنا فيتآكل خفقنا والبطين كقطعة من صفيح ، إدراكُنا بأننا منصهرون كالأرقام في كُور معادلةٍ غيرِ عادلة ، عيوننا حين تشهدُ تحللَ أشيائنا من أشيائنا ...القولُ لنا بأننا على وشك الفناء ..سلالمُنا المكسورةُ من فرط أثقالنا ، أدراجُنا الملطخة بأحبارنا والخواء ..
إحساسُنا بفقدنا حين تغمرنا الأقاصي ، وتعرّي وجوهنا ، انكشافها على العالمين نيئة كشواء ، مالم نعرفْهُ - بعدُ - من أسماء نؤينا ، ما يعرفُنا من حفيفِ أثواب أودعناها هناك ..
كل هاتيك ..
وأخرى كثيرة ...
تجعلنا نردد مع الإمام الشافعي :
( لابد من صنعاء وإن طال السفر )
لن يعوضني عن صنعاء بهرجة مدن العالم الصاخبة ، وإسمنتيات مدنه المتطاولة حد الهلع ..
لصنعاء الشوق والتوق وأنا المنذورة لعشقها ، تسكنني ما حييت ..
* نجاة بلبل شاعرة يمنية مقيمة في الولايات المتحدة