اعتراف – قصة: أمينة شرادي

شكل العرض
  • أصغر صغير متوسط كبير أكبر
  • نسخ كوفي مدى عارف مرزا

جلست، نظراتها تائهة، وابتسامتها غائبة. تتمايل يمينا ويسارا، لا تشعر بالراحة. أصابعها متوترة تعبث بركبتيها عن قصد أو غير قصد. تهرب من نظراته المتوجهة اليها كأنها صاروخ سينطلق في أي وقت.
حاولت أن تدفع من فمها كلاما، ترددت، وخافت من عينيه اللتين تحملان انتظارا. همست دون أن تحدث ضجيجا" ما هذه الورطة. لم أدرك أن الأمر بهذه الصعوبة".
وضع يده على خده في انتظار حكايتها التي وعدته بأنها ستحيكها له. نظراته ممزوجة بالحزن والقلق والسؤال. تعود أن يسمع حكاياتها لكن هذه المرة هناك شيء غامض يستوطن سلوكها وتعابير وجهها.
حمزة، صديق قديم لليلى، تفتح له مغاليق قلبها. كان دائما يحضر ويختفي. لم تسأله يوما عن حياته الخاصة. تفرح لما تلتقي به، كلقاء طفلة بأبيها الغائب. تحكي له عن يومها أو أيامها، ان طال الغياب بينهما. وهو دائما ينتظر وينظر اليها ويسمع حتى الآخر. ترتاح اليه كثيرا.
استيقظت هذا الصباح وهي تشعر بصداع شديد برأسها. فتذكرت بكاءها بالأمس بعدما أنهت مكالمة ليلية. لم تنم ولم تحلم. تاهت وسط ضجيج المدينة محاولة نسيان تلك المكالمة التي جعلت فؤادها يتألم.
تشجعت وطردت السجان الذي كبل لسانها وقالت له دون أن تنظر اليه:
-لست أدري هل يجب عليك أن تسمع هذا الكلام أم لا.
حاولت أن ترفع نظرها اليه وتلتهم تلك النظرات التي كانت تجيبها قبل أن تحكي. تابعت:
-أرجو أن تسمع الى الآخر وبعدها قل ما شئت.

ظل حمزة صامتا، يحمل قلبه بين يديه. لأنها أول مرة تحكي بهذه الطريقة المقلقة. لم يرغب أن يتدخل، ترك صمته ينوب عنه حتى ترتاح وتنطلق عقدة لسانها. تابعت من جديد:
-ما سأقوله ليس سهلا علي، انه أصعب من الحكم بالإعدام. وتاهت بعيدا عنه، خجل وتردد وهروب من عينيه. مع أنها كانت دائما تقول له " لولا هذه الروحانية النائمة في عينيك، لما سلمتك كل حكاياتي."
كانت حركات أصابع يديها تحمل تيها ويأسا. تتراقص فوق ركبتيها وتابعت:
-حمزة، أول مرة تسمع مني هذا الكلام، لأنه ليس سهلا على المرأة أن تحكي عن تفاصيل حياتها الخاصة.
ظل حمزة لا يحرك ساكنا. ينتظر. تابعت ليلى:
- كانت لي علاقة مع رجل، تعرفت عليه صدفة عند احدى صديقاتي. توطدت العلاقة بيننا الى أبعد الحدود.
دفعت بآهات كأنها آتية من بئر عميقة. وأكدت له:
-أتفهم ماذا أعني الى أبعد الحدود؟
هنا صمتت صمت الكهوف، وتاهت بروحها بعيدا عن المكان الموجودة فيه. لم تعد تشعر بوجود حمزة. قفزت دمعة وتلتها دمعات متتالية كشلال غزير. عدل حمزة من جلسته ثم حاول ان يقترب منها ليفهم ما يجري. أول مرة يرى ليلى تبكي وهي تحكي. فليلى تعشق الحكي، عندما كانت تحكي له، كانت عيناها تلمعان وتنشران فرحا غير مفهوم. كانت دائما تروي له مشاكلها بنبرة عناد وقوة وصبر. "هذه المرة، أكيد أن الأمر أخطر مما كنت أتصور." همس لنفسه.
قامت، كأنها تبحث عن منفذ للهروب من تلك اللحظة. مسحت عينيها بيديها، عدلت من شعرها. وطلبت منه أن يعود الى مكانه. وأنها ستحكي. تابعت بكل إصرار ومرارة:
-لا تتخيل كم كنت أحبه. وكان يبدو لي أنه يبادلني نفس الحب. واتفقنا على الارتباط حتى نعيش عشقنا بكل حرية.
رفعت عينيها ونظرت الى حمزة وقالت له:
- كنت سعيدة جدا يا حمزة. لأنني ظننت أنني وجدت الرجل المناسب لي في كل شيء.
وقف حمزة، وجلب لها كأس ماء وطلب منها أن تشرب وترتاح قليلا. مسحت عرقها الذي سكن يديها وجبينها. عادت الرعشة والتردد الى أصابعها، حاولت أن تهدأ وتعيد ترتيب أفكارها وتابعت:
-اكتشفت فيما بعد، أنه متزوج وله أطفال، وكل كلامه لي، كان مجرد تسلية.
نظرت اليه بكل حزم وتابعت بكل حرقة:
-كيف تشعر لما تعلم أنك كنت مجرد لعبة؟
انهارت وبكت بشكل هيستيري. لم يتحرك حمزة لأنه وجد نفسه في ورطة ولم يكن مهيأ لها. ظل صامتا، لا حركة. عينان يعيشان حيرة غير متوقعة. حضن وجهه بين يديه، وبكى بحرقة شديدة. ظل شاردا ثم أخذ منديلا من جيبه ورتب به ملامح وجهه التي تأثرت بتلك اللحظة وبلحظات مرت بحياته. نظر اليها بخجل، ويده على جبينه كأنه يريد أن يمسح ذكريات لا تروق له. وهي تنظر اليه وتنتظر. سألته بنبرة هادئة:
-ما بك؟ ألهذه الدرجة أثرت فيك حكايتي؟
قال لها بصوت خافت:
- حكايتك جعلتني أكره نفسي. وأشعر بصغرها ودونيتها. تابع:
- ليلى، أنا بدوري أريد أن أبوح لك بسر.
ظلت ساكنة سكون ليل طويل. ثم أردف:
-لست أدري لماذا كنت لا أستمر في أية علاقة؟ حتى زواجي لم يدم طويلا.
رمقته كأنها تراه لأول مرة والدهشة مالكة لكل ملامحها. تابع بدوره كلامه:
-أنت أشجع مني، لأنك تكلمت بكل هذا الوضوح. اما أنا فكنت لا أرى ضرورة للحكي. لأنني كنت أعتقد أن كل ما أقوم به هو سلوك عادي. علاقاتي النسائية كثيرة. ولم أكن أعلم أنني أسبب كل هذا الألم والجرح لكل واحدة منهن.
ظلت ليلى جالسة، تتأمله. تجمعت الدموع في مآقيها، وضاع منها الكلام. قالت له وهي تفحصه بنظراتها:
-عجيب، كيف تستطيع أن تقول أحبك بكل هذه السهولة، الحب يعني أنني أهديك حياتي وأغلى ما عندي.
قامت واتجهت صوب نافذة كانت مفتوحة على فضاء شاسع، وفي الأفق يظهر البحر يتلوى بأمواجه. التفتت اليه وقالت له:
- حمزة، أريد أن أتطهر من كل هذا. لدي رغبة شديدة في الولادة من جديد. ممكن؟
اقترب منها، مسح دموعها، ومسحت دموعه. وقال لها بهمس كأنه اعتراف:
- ليلى، أنا الذي يجب على أن أتطهر أما أنت فإنك طاهرة.

 

تعليقات (0)

لاتوجد تعليقات لهذا الموضوع، كن أول من يعلق.

التعليق على الموضوع

  1. التعليق على الموضوع.
المرفقات (0 / 3)
Share Your Location
اكتب النص المعروض في الصورة أدناه. ليس واضحا؟

مفضلات الشهر من القصص القصيرة