أصبحت لا تطيق رؤيته مشغول البال صامتا مطأطئ الرأس على طول. تساءلت والحيرة تأكل أحشاءها: " فيم يفكر الرجل؟ ترى ما يشغل باله؟ "
رغم إلحاحها الشديد لم تلق جوابا، فمزاج الرجل كان مضطربا إلى حد أنه لم تعد لديه رغبة في الحديث والإفصاح عما به، وكان سؤالها الوحيد المتعدد الصيغ:
- " ما بك قد تغير طبعك منذ مدة؟"
وكان رده الذي لا يشفي غليلا:
- " لا شيء..."
تكدر الجو بين الزوجين ولجـﳲت هي في الصدود الذي لم ينتبه له الرجل إذ قد تمكن منه الانشغال حتى بات يهمل شكله، صارت لحيته كثة وصار هندامه متواضعا إلى حد القول أنه أصبح كهندام مجذوب.
تصدع تماسك الرفيقين الذين لم يسبق لهما أن عرفا توترا مثل هذا من قبل، فقد استمرت علاقتهما أكثر من سبع سنوات ذاقا فيها معا حلاوة السعادة بكل ما تحمله الكلمة من معنى. مضى على هذا الحال قرابة شهر، واضطراب الزوجة كان يزيد. فكرت في الانفصال تهورا لكن سرعان ما تراجعت. فهو زوجها على كل حال لا يمكن أن تنسى بين عشية وضحاها ما كان بينهما من مودة وسكينة. لكن المرأة بطبعها ضيقة النفس قد تفقد صبرها في أية لحظة وقد يكون تصرفها غير لائق. وهذا ما حصل، فقد تمكن منها الوسواس وظنت بزوجها ظنا خبيثا:
- " لا يفسد طبع الرجل إلا أنثى ... ترى من هي سعيدة الحظ التي جعلت زوجي بهذه الحالة؟!" كانت تقول في نفسها كل وقت وحين.
استبدت بها الظنون فأشارت عليها واحدة من معارفها أن تقصد عرافة الحي، فهي حسب قولها:
- '' عرافة يا أختي لا تفوتها جزئية وسرها نافذ، وبإمكانها كشف المستور."
طبعا لم تجد الزوجة بدا من أن تزور صاحبة السر النافذ لتكشف لها عن المستور. دخلت عليها وكلها ارتباك وارتعاش. سألتها العرافة بصوت ذكوري متحشرج:
- " اسمك يا بنت واسم أمك؟"
- " اسمي ليلى وأمي ماريا."
- " اسم زوجك واسم أمه؟"
- " سيف وأمه علية.."
- " ما حاجتك؟"
- " زوجي مشغول عني هاته الأيام الأخيرة..."
- "همممم .... فهمت...."
-" أظن أنه على علاقة بواحدة..."
- " همممم .... فهمت...."
شرعت العرافة تنثر حبات مما جمعت في كفها من بخور على مجمرة وهي تهمهم بكلمات غير مفهومة، ثم أردفت قائلة:
- " خائن وغدارة."
- " ماذا تقولين؟" صاحت ليلى وهي مصدومة ومرعوبة.
أضافت العرافة وهي تحدق مليا بالزبونة:
- " رشيقة وجميلة وجذابة، معذور ابن علية ... معذور..."
- " ها...! ها...!" تمتمت الزوجة مصعوقة.
- " ظنك كان في محله يا بنتي... سلبت عقله وجعلته كالمهبول اللعينة ...."
- " عرفتها جارتي سعاد هي من تستطيع فعل هذا..." قالت ليلى بجنون.
لإنهاء الزيارة، أمرت العرافة السيدة بأن تأتي في الغد بثوب مستعمل من أثوابه بعد أن تبلله بريقه قبل أن يستفيق من نومه، كما أمرتها بجلب حلاوة للأسياد واشترطت مبلغا ماليا مهما لكي تصلح من حال زوجها.
عند عودتها إلى البيت وجدت ليلى زوجها قد دخل الحمام، فقصدت غرفة النوم لتخبئ قميصه الذي كان يرتديه. جفلت أعصابها اضطرابا لما رأت علبة صغيرة وبرية حمراء موضوعة على المنضدة وقميص نوم نسائي جديد وفوقه رسالة، قرأتها وأناملها ترتعش:
- "فرجت عزيزتي ... فرجت ... ويحق لنا الاحتفال..."
فتحت العلبة، وهي تنظر إلى المرآة المثبتة فوق المنضدة، فبرقت القطعة الألماسية في الخاتم تماما كما برقت دمعة سالت على خدها الذي استعاد تورده.
فاس في 19/06/2013