أتت مقبلة علي بجسدها الكثيف و نظراتها الحادة، وقالت لي بصوتها القاسي:
ماذا تفعلين هنا؟
ارتبكت وارتجفت مفاصلي وطار الكلام. قمت بسرعة لا ألوي على شيء، أطرد كل ما علق بي من ورق وأقلام. كانت تحيط بي من كل جانب كطفلة بين لعبها. اقتربت مني أكثر وقالت بعنف وصرخت حتى ارتجفت أركان الغرفة:
-ساعة وأنا أنتظر في المطبخ لوحدي، من سيغسل تلك الأواني المرمية هناك؟
-في الحال ياخالتي، كنت فقط أرتب أوراق عملي للغد.
وتهت بين الأوراق التي انتشرت في الغرفة وبين صوتها الذي سلط علي كالسيف الحاد.
تابعت بنفس القوة التي تمتلكها:
-المرأة هي البيت أولا، هي صورتها أمام الأهل والجيران.
تركتها تعد محاسن المرأة التي تهتم ببيتها و محاسن التنظيف و الطبخ و.. وشمرت على ساعديها وأعادت ترتيب الغرفة التي كنت أعمل بها. مع أنني حرصت كل الحرص على تركها نظيفة وأنيقة.
دفعت الى المطبخ دفعا كمن ينتظر النطق بالحكم. خاطبت نفسي بصوت مسموع "لا بأس ان انتظرت الأواني قليلا". بدأت بتنظيف المطبخ فورا حتى لا يطاردني صوتها الجهوري الذي يمزق كل حواسي ويجعلني ألعن اليوم الذي قبلت فيه السكن معها. كانت غلطة عمري، يوم تنازلت عن حريتي وقبلت أن أعيش معها حتى لا تشعر بالوحدة. لم أقرأ جيدا عقولا تكبلت منذ زمن بسلاسل ظاهرها ذهب وباطنها حديد صدئ.
جعلني جسدها المترهل وعيناها القاسية وصوتها العنيف، أن أخرس وأنزوي في ركن من أركان البيت حتى أستطيع أن أعيش بعض السلام الداخلي. لكن ظل صوتها يعلو ويخبو ولا يتعب. يراقب كل صغيرة وكبيرة. انتهيت من أشغال البيت، اتجهت صوب ركني الصغير، أسرق بعض اللحظات الخاصة بي وأبحث عن أوراقي وأقلامي التي تبعثرت وهجرتني من شدة الخوف، وجدتها تلاحقني بصوتها، وتقول لي:
-أين أنت؟ لا تتركيني لوحدي.
تكره أن تراني احمل كتابا أو جريدة. كانت أحيانا تغضب وتحدث بلبلة غير طبيعية بالبيت وتعلنها حربا شعواء على أثاث البيت وحيطانه، بحجة أن قيمة المرأة تتجلى فبيت لامع وبراق. حاصرتني حتى استحالت حيطان البيت تراقبني وتردد كل كلامها.
أصبحت لها عيون جاحظة تكتب عني تقارير بشكل مستمر، صوتها في كل جانب يردد:
-الأواني أولا...
اخترت النوم بين ضجيج الأواني حتى لا تصيبني شظايا صوتها الحاد.
تكومت على نفسها ونامت وهي تحلم بأن المرأة هي الأواني، وأن الكتب والأوراق والقلم لعنة الزمن الحالي.