لمح فردة حذاء مقلوبة أمام باب الصالون . منذ كان طفلا ، كلما مر بصندل ، أو بَلْغَة ، أو حذاء مقلوب ، إلا وطلبوا منه تعديله ، وإعادته إلى وضعه الطبيعي . لم يسأل الكبار لماذا يتضايقون من ذلك .
عندما أصبح رجلا بدأ هو الآخر يتضايق من الأحذية المقلوبة ، ويطلب من يمر بجانبها بأن يعيدها إلى وضعها الطبيعي ، دون أن يعلم سبب ذلك .
بعد سنين طويلة ، اكتشف بأن الناس تتذمر من الأحذية المقلوبة ، لأنها تعتقد بأنها تجلب النحس والشؤم والخصومة لأهل البيت ، وتُغضب السماء ، وتمنع البركة من دخول المنازل.
قال لنفسه :
ـ والآن ، بعد أن عرفت السبب ، وزال العجب ، هل ستنهض لتعديل وضع الحذاء ؟
تردد في الجواب ، ودمدم بشكل مهموس مثل شيخ أنهكه الزمن ، ولم يعد قادرا على فتح الأسفار لخوض حروب جديدة :
ـ لا بأس ، السهم أصاب كُليبا* ! وضعت اليمامة* شرطها التعجيزي : ( الدم أو كليب حيا ) . بعد ذلك رفض بنو تغلب الصلح . رحلت الجليلة* من بيتها ، وخرج الزير سالم* من الحانة شاهرا سيفه . وقعت الحرب بين أبناء الدم الواحد ، واستمرت كل هذه الأعوام ، حتى أتت على الأخضر واليابس !
ربما وقع ذلك بسبب حذاء مقلوب ، لم ينهض أحد لتعديله في الوقت المناسب !
ـ رجاء انهض وأعد الحذاء إلى وضعه الطبيعي ، وأوقف الحرب قبل بدايتها . فالكثير من الحروب ربما نشبت بسبب أحذية مقلوبة ، لم ينتبه إليها الرواة والمؤرخون !
هوامش
*كليب بن وائل زعيم التغلبيين وملكهم قتله غدرا جساس بن مرة البكري
*اليمامة : ابنة كليب
*الزير سالم : أخو كليب وهو المهلهل بن ربيعة
*الجليلة زوجة كليب وأخت جساس بن مرة
وقد امتدت الحرب بين القبيلتين أربعين سنة