س: هل تتطلب ممارسة الترجمة نظرية في ترجمة النصوص؟
لا، لا أعتقد ذلك. إن الترجمة تتطلب حرفية، ومعرفة جيدة باللغتين (لغة المصدر ولغة الهدف). هذا كل ما يمكن أن أجيب به في الواقع. كان يمكن أن أقول، بطبيعة الحال، إنني أعرف نظرية والتر بنيامين في الترجمة، أو نظرية أخرى لشخص آخر، ولكن معرفتها وعدم معرفتها ليست في غاية الضرورة، فالترجمة هي بالأساس مسألة ممارسة: أعني أن نطرح الأسئلة المناسبة في الوقت المناسب بصدد النص المترجم. ليس للنظرية مكانة محددة سلفا إذن، فكل شيء رهين، في العمق، بالنص الأصل وبما إذا كان يتطلب التركيز في المقام الأول على الدال، أو على الرسالة باعتبارها ما يتعين أساسا نقله. لقد ترجمت كرواك مثلا في وقت سابق اعتمادا على السمع فقط، ولم أهتم بالمعنى إلا بشكل ثانوي. كما أن الترجمة التي قام بها جويس لرواية كرواك "مكسيكو سيتي بلوز" –وهو نص يستند على ارتجالات الجاز- تقود المترجم إلى الاهتداء إلى صوت وخطاب منطوق. غير أن صوت الترجمة هذا يبقى أداة تتغير من نص لآخر.
س:يتألف النص من كلمات لكنه يحمل ثقافة أيضا. ألا يجب أن تتعايش الترجمة اللسانية مع ما يمكن أن يسمى بالترجمة الثقافية؟
إذا لزم التعلق بترجمة ثقافية دقيقة، فإن ذلك معناه الاصطدام فعلا بما لا يقبل الترجمة. فالمعنى الكامن خلف الكلمات الأمريكية ليس هو المعنى الثاوي خلف الكلمات في الفرنسية. سواء تعلق الأمر بمفردات خاصة بالثقافة الأمريكية أو بمفردات في غاية البساطة. فكلمة "سينما" لا توحي البتة بالشيء نفسه عند الفرنسيين والأمريكيين. وكلمة "خبز" تحيل على شيء ثانوي في مائدة عشاء أمريكية، بينما تحيل على مكون أساس في مائدة فرنسية. ومصطلح wilderness (قفر) ليست له أي علاقة بترجمته الفرنسية، فهو يعبر عند الأمريكيين عن تجربة تأسيسية بينما يرتبط عند الفرنسيين بالمرحلة الاستعمارية لإفريقيا ومناطق أخرى.
وعليه إذا ما تعين علينا القيام بترجمة ثقافية دقيقة فإننا سنكون مجبرين على حشو النص بالحواشي، وسنتوقف، بكل بساطة عن الترجمة، إذ سنجد أنفسنا أمام فيض من الحواشي لا أمام النص. ثم إن الإيحاءات مختلفة، بالنسبة إلى كل الكلمات تقريبا، فكلمة "يهودي" ليس لها الإيحاءات نفسها التي لها في الأمريكية، وإيحاءات الاحتفالات بالذكرى الخمسينية في الولايات المتحدة الأمريكية ليست هي نفسها في أوربا. وقل الشيء نفسه عن كلمة "شيوعي". إن تاريخ اللغة الأمريكية وذلك الخاص باللغة الفرنسية -ويمكن تعدية هذا إلى جميع اللغات والترجمات-ليختلفان اختلافا بينا يصعب معه إنجاز ترجمة ثقافية مواتية.
س: عادة ما ينظر إلى الشعر بكونه أكثر الإبداعات صعوبة في الترجمة. في هذا الصدد هل توجد أنواع من النصوص يصعب ترجمتها موازنة بنصوص أخرى، وهل يوجد مؤلفون يصعب ترجمة أعمالهم أكثر من غيرهم؟ ومن هم؟
إن مشكل الشعر جدير بإثارته فعلا، فعلى سبيل المثال: هل ينبغي ترجمة نصوص القرن التاسع عشر الأمريكية المقفاة إلى الفرنسية بنصوص تلتزم بالقافية نفسها؟ إننا سنصطدم في هذه الحالة بإشكالات مرتبطة بأمانة المعنى وإشكالات أخرى تتعلق ببراعة استعمال اللغة وبمهاراتها التعبيرية. لذلك من الصعب ترجمة أعمال كومينغ مثلا؛ لأن نصوصه تمثل في حد ذاتها تجارب راهنت على القوة في عرض الشكل الطباعي. فهل يتوجب إيجاد شكل طباعي فرنسي مشابه، مخافة فقدان المعنى أو الدال؟ والأمر نفسه ينطبق على نصوص إيزرا باوند وآخرين كثيرين. وهنا يجد المترجم نفسه أمام معضلة، فهو إما أن يفقد شيئا في شكل الصفحة وإما في معنى القصيدة. يجب إذن، مضاعفة التوافقات حتى نصل إلى ترجمة رائقة. بهذا المعنى يمكننا القول إن الشعر يمثل النوع الأشد صعوبة في الترجمة. غير أن ذلك ليس معناه أني مقتنع بسهولة النثر في الترجمة. فترجمة رواية بوليسية كتبها روائي من الدرجة الثالثة لا تقل صعوبة عن تلك التي كتبها كاتب بارع. إذ يستهوينا تحسين بعض الجمل التي تكون مختلفة أحيانا وإعادة التوازن لها . ومن ثم فليس ثمة ترجمة "سهلة". والصعوبة تكمن مسبقا في الاختلاف القائم غالبا بين قراءة الكتاب بالأمريكية وبين الترجمة التي نقوم بها. إننا لا نتوقع دائما الصعوبات التي ستواجهنا. غير أنه مع مرور الوقت والمراس سيكون بمقدورنا تشخيصها بشكل أفضل. على أن ثمة شيئا لا يتغير، وهوأننا نكون دائما وفي كل حالات الصور المجازية أمام رهان أصعب مما كان متوقعا. فكلما تغلغلنا في صعوبات تولد عنها صعوبات أخرى تتطلب حلها عمليا. عندئذ لا تبقى لنظرية الترجمة أي فائدة؛ لأن ما يهم هو التعلق بالنص.
س: هل يوجد ما لا يمكن ترجمته؟
أجل، ما لا يمكن ترجمته موجود فعلا. إنه أمر يعود بنا إلى فكرتك عن الترجمة الثقافية. ومثال ذلك لعبة الكلمات، أقصد حاشية المترجم الشهيرة والتي لا تحتمل: "لعبة كلمات غير قابلة للترجمة"، فهي أمر بدهي لا طائل من إضافته إلى ترجمة النص. فالمترجم لا يمكن أن يطبق إلا أنساقا تعوضية. فإذا كانت لعبة كلمات غير قابلة للترجمة، وتمكن المترجم فيما بعد عشرة أسطر من استعمال لعبة كلمات أخرى فإن الميزان يكون آنذاك قد قارب الاعتدال. طبعا، ليس ثمة لعبة الكلمات فقط، هناك أنظمة الإيقاعات والجناسات لا تقبل الترجمة. يتعين إذن، الاهتداء إلى تكافؤ على مستوى نظام الدال سواء في الشعر أو في النثر وهذا ما يتطلب من المترجم أن يكون مرهف الحس لا مجرد عارف باللغة، فبما أنه من غير الممكن القيام بالترجمة بطريقة مباشرة، فإنه يتوجب عليه أن يكون على استعداد لابتعاد عن النص ومحاولة الاهتداء إلى صداه.
س- هل المترجم كاتب؟
ج- إذا جاز لي استعمال مصطلح بارث سأقول إن المترجم كاتب من الكتبة لكنه ليس كاتبا من الكتاب بالمعنى المعهود على جهة التأكيد. صحيح أنه من الناحية القانونية يعامل في فرنسا معاملة الكتاب فيحظى بموجب حقوق المؤلف بنسبة مئوية من عائدات المبيعات. غير أنه لا يمكن أن يحل محل الكاتب. إن وضع المترجم يبقى غامضا وملتبسا. إن عددا لا يستهان به من المترجمين يتحدثون عن كتبـ"هم". وهو أمر حصل لي شخصيا. والواقع أن مترجم الخواطر ليس بكاتب خواطر، ولا مترجم الرواية بروائي، ولا مترجم القصة بقاص، ولا مترجم الشعر بشاعر. غير أن هذه الحقيقة لا تمنع البعض من التمادي في الخلط بينهما، ولكني أعتقد أننا سنكون عرضة فساد شديد للذهن بالخلط بين المترجم والكاتب.
[1] - نشر هذا المقال ضمن مجلة Les entretiens الإلكترونية على الموقع:
http://pretexte.club.fr/revue/entretiens/entretiens-traducteurs/index.htm