تقديم:
إن البحث في موضوع الطب في العهدين السعدي والعلوي من المواضيع التي تحتاج التعمق والدراسة، لأنها لازالت لم تحظ بالعديد من الكتابات والأبحاث، وكل ما وصل إلينا هو عبارة في أغلبه عن مقالات. وتبرز أهمية البحث فيه، كون الطب استعمل خلال القرن 19م كأداة لنشر الديانة المسيحية في المغرب، ومن تم يجب التعمق في هذا الموضوع للكشف عن بعض الجوانب التي يمكن من خلالها إغناء التاريخ الاجتماعي المرتبط بالجانب الطبي، كما استعمل الطب أداة ناجعة للتسرب والتغلغل الاستعماري في مغرب القرن 19م وبداية القرن 20م، واستطاع العديد من الأطباء الأجانب كسب ود سلاطين المغرب والوصول إلى مراتب عليا خولت لهم الاطلاع على معلومات دقيقة، سربوها للمستعمر، وبالتالي نجح الطب الاستعماري في مساندة الجيش للوصول إلى مبتغى الدول الاستعمارية خاصة فرنسا بفرضها الحماية على المغرب سنة 1912م.
1- تصنيف الأطباء حسب أماكن الولادة والوفاة والزيارة:
أ- أطباء العهد ين:
بعد تصفح العديد من المصادر والمراجع التي تناولت الدولة السعدية والعلوية تمكنت من تجميع إحدى وستين طبيبا، عشرة منهم عاشوا خلال العهد السعدي وإحدى وخمسين طبيا خلال العهد العلوي، والجدول التالي يبرز ذلك.
جدول رقم 1: أطباء العهدين:
المجموع | العلوية | السعدية |
الدول |
61 | 51 | 10 |
الأطباء |
إن أول ملاحظة تتبادر للدارس وهو يقف على عدد الأطباء الذين ستتناولهم الدراسة، هو هزالة الرقم حيث لا يتعدى 61 طبيا، خاصة وأن الفترة الزمنية موضوع الدراسة طويلة وتعاقبت فيها دولتين كبيرتين، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تجسد واقع رقم عدد الأطباء الذين عاشوا خلال هذه الفترة الزمنية.
ويمكن أن نرجع ضعف هذا الرقم إلى مجموعة من الأسباب نلخصها في التالي:
1ـ الفترة الزمنية التي تعطى للطالب قصيرة جدا ولا تسمح بالاطلاع على عدد كبير من المصادر والمراجع.
2ـ هناك العديد من الأطباء الذين لم تتناولهم المصادر عاشوا في صمت وماتوا دون أن يترجم لهم.
3ـ لعل الأطباء الذين تناولتهم الدراسة، كانت لديهم إما شهرة كبيرة وصلت حتى المشرق وأوربا أو كانوا قريبين من البلاط الملكي مما ساعدهم على البروز والشهرة.
- العهد السعدي:
برز خلال هذه الحقبة التاريخية الطبيب أبا القاسم بن محمد الوزير الغساني الذي ولد سنة 955هـ/ 1548م بفاس، وأخذ الطب عن أبيه، وتفرد فيه وصارت له شهرة واسعة في كل من فاس ومراكش، وجعله السلطان أحمد المنصور الذهبي طبيبا لبلاطه الملكي، له العديد من المؤلفات في الطب والأعشاب نذكر منها: حديقة الأزهار في ماهية الأعشاب والعقار، والروض المكنون، وفي شرح أرجوزة ابن عزرون، ومغنى الطبيب عن كتب أعضاء أعداء الحبيب(1).
ونبغ كذلك أبو عبد الله محمد الأندلسي المراكشي المتوفي سنة 985هـ، سجن مرتين بأمر من السلطان السعدي أبو عبد الله محمد ابن الغالب عبد الله بن محمد الشيخ لآرائه الشاذة في الأمور الدينية، ثارت عليه العامة فقتلوه وصلبوه(2).
واشتهر خلال الفترة السعدية الطبيب محمد بن سعيد المرغيتي الأخصائي المتوفي سنة 1089هـ/ 1678م بمراكش، لكنه اعتزل الطب بسبب رجل حمل إليه قارورةا بول مريض وهو بالمسجد، فاستاء من ذلك، وقال " إن عملاً يؤدي إلى أن أكون سبباً في دخول النجاسة للمسجد لا أشتغل به"(3).
كما نبغ أبو علي الحسن بن أحمد المسفيوي المولود سنة 968هـ/ 1560م، الذي يرجع له الفضل في تعريب العديد من الكتب الأجنبية بإذن من السلطان أحمد المنصور الذهبي، توفي سنة 1003هـ/ 1594م(4).
– العهد العلوي:
تحدث الضعيف الرباطي عن طبيب عاصر العهد العلوي وكانت له نباهة في الطب قام بعملية جراحية خطيرة سنة 1101هـ، حيث استطاع أن يخرج من بطن امرأة بعد شقه ورما يزن خمسة وثلاثين رطلا، طبقت شهرته مدينة مكناس وكان مزارا للمرضى والمصابين بالعلل(5).
كما اشتهر خلال هذه الفترة الطبيب أحمد بن إبراهيم العطار الأندلسي المراكشي المتوفي سنة 1105هـ/ 1693م، الذي عرض عليه قضاء الجماعة بمراكش ورفض(6).
ونبغ كذلك الطبيب أحمد الدراق الذي عاش خلال القرن 18م، وكان طبيبا للسلطان سيدي محمد بن عبد الله، وأثناء حركة السلطان لتادلة أصابه مرض شديد فباشره حتى أفاق من علته، وجزاه السلطان على ذلك بألفين دينا(7).
ومن أطباء الحضرة السلطانية لسيدي محمد بن عبد الله الطبيب محمد المير بن الطاهر السلوي المتتوفي سنة 1214هـ/ 1799م وقيل في سنة 1220هـ/ 1805م، ذهب إلى المشرق وجلب العديد من كتب الحديث مثل مسند الإمام أحمد، ومسند أبي حنيفة(8).
ووفد من المشرق واستقر بمدينة فاس الطبيب عبد القادر العلج المتوفي سنة 1270هـ، غير أنه أصيب بالعمى فعالج نفسه وعاد له بصره، ومن تم بدأ يعالج العمى لدى الناس، وكان نزيها وعفيفا حتى إن رجلا طلب منه أن يعالج له جارية وأعطاه عطاء على ذلك، فامتنع من قبوله بعد أن رآها قد ماتت، فقال لسيدها كانت الموت بها الأمس مع أنها تقبل وتذهب. ويقال على أنه كان في نزهة مع أناس، فلما أكلوا أخذوا في البسط والمداعبة، فقالوا له افحص بطوننا لتخبرنا بمن أكل كثيرا منا، فقبض على نبض واحد منهم، فقال له أكلت حقك، إلى أتى لنبض رجل فلما وضع يده عليه تغير وجهه وقال لأصحابه لا أقبض على نبض أحد منكم بعد هذا، فلما قام ذلك الرجل من بينهم، ألحوا عليه في أن يخبرهم، فأعلمهم أنه بطنه كقربة من دم، وأنه يموت قريبا، فتوفي ذلك الرجل في الغد(9)، ومن خلال هذه الرواية نستشف أن الرجل كانت له دراية كبيرة بعلم الطب وأنه كان متفوقا في ذلك.
وعرفت مراكش ميلاد الطبيب محمد المكي المراكشي المتوفي أواسط القرن 13هـ، الذي عالج زوجة السلطان سيدي محمد بن عبد الرحمان من الحب الإفرنجي، وعالج كذلك الأديب الحاج إدريس بن إدريس نائب الحاجب موسى من داء السكتة، وكان ذا خبرة في صناعة الأدوية الغالية، ويداوي فقراء مراكش مجانا(10).
كما قدم من المشرق الطبيب أبي عبد الله امحمد شاكر المتوفي سنة 1323هـ/ 1905م، واستقر بمدينة سلا، يرجع له الفضل في نشر الثقافة العصرية بالمغرب لارتباطه الوثيق بالمشرق ولاستيراده العديد من المطبوعات الجديدة والمجلات والجرائد العلمية من المشرق، وجعلها في متناول علماء عدوتي سلا والرباط ، لقد كان حلقة وصل بين المشرق والمغرب، وكانت له خزانة علمية تزخر بالنفائس من المطبوعات الطبية والأدبية والتاريخية(11).
ب- توطين الأطباء جغرافيا حسب مكان الولادة والوفاة:
جدول رقم 2: تصنيف الأطباء حيب مكان الولادة:
...........
...... لقراءة تتمة المقال ، يرجى تحميله من هنا