يبحث أوشو في الحب والجنس والعلاقة بينها على أرضية فكرية هندوسية، ترى في الاستنارة المتواصلة والمتنامية وصولا إلى الخلاص والانعتاق هدفا أساسيا للحياة، وترتكز بشكل أساسي على مذهب التانترا الهندي القديم، وهو يسعى لتقديم هذا المذهب، الذي يعتبره أعلى أشكال الحب، وعلم ويوغا الحب، في صورة عصرية، يستطيع من خلالها الإنسان المعاصر أن يصل إلى شكل سليم وصحي من فهم الحب والجنس وعيشهما الفعلي البناء، الذي يمكّن هذا الإنسان من النمو الروحي والارتقاء الإنساني.
يرى أوشو أن ممارسة الجنس من دون حب هي عملية بائسة ولا تعطي شيئا سوى الاسترخاء الجسدي، ولكنها لا تقدم شيئا للإنسان على المستوين العقلي والروحي.
ولأن هذا يحدث اليوم في الغرب المتضخم جنسيا، فالناس باتوا هناك يذهبون إلى ما وراء الجنس طلبا لبديل يملأ فراغهم الحيوي، ولكنهم بدلا من طلب الأمور البناءة كالحب والتعاطف، فهم يذهبون إلى أشياء هدامة كالمخدرات، فالغرب قد دمر الجنس وجعله سخافة، وأفقده بهجته ومتعته، وحوله إلى ممارسة سطحية عديمة الفائدة.
ويرى أوشو أن الحب الرومانسي هو ليس حبا حقيقيا، ولكنه نتيجة للجنس المكبوت، فالطاقة الحيوية، يفترض بجزء أساس منها أن يتدفق بشكل طبيعي عبر الأعضاء الجنسية عند الممارسة الطبيعية للجنس، لكن عندما تكون هذه الممارسة متعذرة، فهذا الجزء من الطاقة يتجه إلى أعلى، إلى الرأس، ويتحول إلى حب رومانسي، وينتج شعرا وفنا ورسما وأحلاما جميلة.
لكن كل هذا انتهى في الغرب المعاصر، حيث أصبح الجنس متوفرا أكثر من اللازم، وقد خلق هذا مشكلة للغرب، إذ رحلت الرومانسية.
كلتا الحالتان ليستا سليمتين، فالحب الرومانسي الذي يمثل الشكل المصعّد للجنس في حالة الكبت، هو ليس حبا، والجنس الجسدي هو مجرد اتصال بين الأجساد للمتعة الجسدية، وهو لا يعطي شيئا على المستوى الروحي.
لكن في الحب الحقيقي يتكامل العقل والجسد في شكل أشمل، وعند نحب شخص من الجنس الآخر، يظهر الجنس كانعكاس للحب أو ظل له، وليس العكس، فعندما نحب شخصا حبا حقيقيا، فمجرد وجوده بجوارنا يجلب لنا السعادة والاكتمال ويجعلنا أكثر شمولية، وفي هذه العلاقة الجنس ليس هو المركز وإنما الحب، أما الجنس فهو محيط المركز، وهو ليس هدفا بحد ذاته وليس هاجسا ملحا، ولكنه فرصة لتشارك الطاقة، والحب هو انسجام وتناغم، فالمرء لا يجب جسد الآخر، ولكن كيانه كله، و«في الحب لا يتم استخدام الحبيب كوسيلة لتخيفض التوتر، فأنت تحب الإنسان نفسه، إنه ليس وسيلة، بل هو ثمين بحد ذاته»( ).
أما استخدامنا لكلمات "الجنس" و"الحب" كما لو كان لهما تشابه داخلي، فهو ليس صحيحا، فالحب الحقيقي يظهر بمعزل عن الجنس، أما ما نسميه حبا رومانسيا فهو فقط يصنع المسرح للعملية الجنسية، وهو بالتالي ليس إلا تمهيدا وإعدادا لممارسة الجنس، فالجنس بطبيعته خشن للغاية وعنيف، ولذلك فهو يحتاج إلى مقدمة تلطيفية وتمهيد ناعم، وهذا ما يؤمنه الحب الرومانسي.
لكن بمجرد وجود الجنس، يتبخر هذا الحب، وهو في الشكل الذي يعرفه فيه معظم الناس تغطية فقط لحقيقة الجنس العارية، ولذلك كلما زادت ممارسة الجنس بين الشركاء، قل بينهما الحب، وهذا هو السبب في زوال الحب الرومانسي من الحياة الزوجية، حيث يتعود الزوجان على بعضهما البعض، ولا يعودان بحاجة للمداعبة والرومانسية.
الحب الحقيقي لا يسبق ولا يمهد لشيء، وهو لا يظهر قبل الجنس فقط، ولكنه يبقى بعده، ولكن لكي ينمو يجب أن يتحول الجنس نفسه إلى طقس تأملي، بحيث يتوقف فيه الشريك عن أن يكون مجرد أداة للإرضاء البدني، ويصبح شريكا في التأمل العميق الذي يجمع بين الصداقة والامتنان والتعاطف، وهنا لا يعود الحب قطعا مجرد مقدمة وغطاء لممارسة الجنس، بل يصبح بحد ذاته نموا واكتمالا وتحقيقا تأمليا!
وعندما نحب بهذا المعنى، فحبنا يساعد شريكنا على الاندماج، وسيكون لديه القوة التي تدعمه ليصبح قادرا على جمع نفسه، فهذا الحب يعطيه الحرية، وفي ظله وحمايته سيبدأ بدوره بالنمو، «فكل الأشياء التي تنمو بحاجة إلى الحب، الحب غير المشروط. إذا تم وضع شروط للحب، النمو لن يكون شاملا وكليا، ذلك أن المتطلبات هي حاجز يتعرض له النمو».
لذا يجب على المحب أن يحب بلا قيود، ودون السؤال عن المقابل، فالمقابل سيأتي من تلقاء نفسه، وعلى المحب أن يكون إمبراطورا في الحب وليس شحاذا، وأن يمنح.. وسيكافأ بسخاء، لكن إذا استمر الإنسان بعطاء القليل وانتظار المكافأة، فهذه التوقعات ستقوم بتدمير جمال الكمال والمثالية، والمعاناة ستستمر إلى الأبد.
عند توقع الامتنان، سيشعر الشريك بأننا نتلاعب به، حتى وإن لم يفصح عن ذلك، والتلاعب يولد دائما الاحتجاج، الذي يتعارض مع احتياجات الروح، وأي شرط خارجي يحرم صاحبه من النزاهة، ويقطع التواصل بينه وبين شريكه، وهو يحد من حرية الشريك، ويوقف كونه مقدسا، وكونه هدفا بحد ذاته، ويجعله وسيلة، وهذا هو الفعل الأقل أخلاقية في العالم، لأنه يحول الآخر إلى عامل مساعد، بينما الحب يعامله كغاية بحد ذاته، وهكذا يصبح انتظار المقابل وتوقع المكافأة فخا يفسد الحب.
عندما نحب فنحن نمشي على أرض مقدسة، وندخل إلى أنقى معبد، بل إلى أكثر المعابد قداسة، ولذا علينا الحذر، وعلينا عندما نحب شخصا ما من الجنس الآخر، ألا تحب المرأة الرجل لكونه رجلا، فبهذه الطريقة سيكون الحب عاديا جدا، ولن ينمو إلى ما فوق الشهوة والشغف، وإذا كان الرجل يحب المرأة لكونها امرأة، فلن يرتفع هذا الحب إلى المستوى الروحاني، ولذا لا بدله من أن يحبها بوصفها إلها، وعندها يصبح الحب عبادة.
هذا هو الحب الحقيقي، ولكنه في الحياة العادية مستبدَل بالحب الكاذب، الذي صنعناه بمكر، والذي يختفي بعد ممارسة الجنس، ولا يظهر إلا قبله، «هذا الحب مصطنع، وهذا هو السبب في أنه بعد الجماع يأتي الشعور بفقدان الحب، فكأن الحب مجرد إعداد لممارسة الجنس، وبعد أداء الجماع لا يعود الحب ضروريا»( ).
بالنسبة للجنس، أوشو يتعامل معه على أساس مبدأ الاستنارة والنمو الروحي الهندوسي، وهو لا يرفضه أو يهينه، ولا يفعل العكس، بل يعتبره ضرورة ونشاطا طبيعيين، ولذلك على الإنسان ممارسته بدون قمع، ولكن هذا لا يجعله هدفا بحد ذاته، ولكن بما أنه ضرورة، فيجب ممارسته باعتدال واحترام وبشكل جميل وواع، ويجب عدم وضعه في موضع تناقض أو انفصال أو تخارج أو تداخل عشوائي مع النشاط الاستتناري التنموي، بل يجب دمجه به بشكل توافقي منظم، وتحويله إلى نشاط تأملي، يصبح فيه هو نفسه عاملا فعالا من عوامل استنارة الإنسان ونموه الروحي، ليصل في المحصلة إلى حالة يتم فيها تجاوز الحاجة إلى الجنس وتخطيه بشكل عفوي، ودون أي قمع أو قسر أو كبت، فهذه عمليات ضارة، وهي تعرقل النمو الاستناري، وتستنزف طاقة الإنسان الحيوية، ما يعني أنه على الإنسان أن يمارس الجنس مادام يشعر أنه بحاجة إليه، لكن ضمن مسار منظم يسعى فيه إلى الارتقاء الذي تلتغى فيه هذه الحاجة من تلقاء نفسها.
وختاما، أجمل ما يمكن أن يختم به هذا المقال، هو قول أوشو:
«الحب جميل لدرجة أنه ينبغي تعلم فن الحب، تماما كما يجب تعلم فن العيش، وإذا كانت ظروف الحياة تسمح بتخصيص غرفة منفصلة للحب، اجعلوها معبدا... واجعلوا الحب يتحول إلى تجربة جميلة»( ).