أوليات
تتعدد نظريات ومنهجيات التلقي والتأويل ( المستوردة ) التي تتصارع وتزداد تفاقما في ذهن القارئ الأمازيغي ( العليم ) ، حيث نجد أن سوادها الأعظم يرتكز على منجزات الأدب العربي والغربي المعاصرين بسماتهما وخصائصهما الجمالية ، والفكرية ، والمقامية ، والأنثروبولوجية الثقافية المتميزة . لذلك ، فإنه قد يتابع و يتشيع وربما يذعن أحيانا لبعض نزالاتهما وتحدياتهما وأطارحهما النقدية والتأويلية النصية التي تطمس شخصيته وملكيته الفكرية الخاصة ، وأحيانا أخرى يشق عليهما عصا الطاعة ويناصبهما العداء دون هوادة لإثبات وترسيخ هويته الأنثروبولوجية الثقافية المحلية .
تتداخل المصطلحات والمفاهيم الإجرائية بين طيات نظريات ومنهجيات التلقي أو القراءة المعاصرة ، حيث نعانق جمهرة من المعارف والأفكار والرؤى والتيارات والاتجاهات والثنائيات المنطقية الوضعية والعبثية الوهمية المترفة :
أ _ القارئ / النص.
ب _ الاتصال / التأثير .
ج _ التبادل الفني / الجمالي .
د _ الإنجاز / التأويل .
ه _ أسطورة القارئ الضمني / الورقي / العبثي ...
و _ أفق الانتظار والتوقع .
ز _ ملء الفراغات وإبراز النص الخفي .
ح _ النص المفتوح .
ط _ المسافة الجمالية . ..
لا يوظف ( الأدب الأمازيغي المعاصر ) الموجود حاليا في بلدان شمال أفريقيا مقاربات ومنهجيات معاصرة كافية وشافية تكون عميقة متخصصة ومستشرفة ( futurist ) تساهم في تحليل وتقويم المكونات والعناصر المشكلة لنصوصه المختلفة الأنواع ( رواية ، قصة ، شعر ، حكاية ، زجل ، لغز ...) ، وتقنياته السردية المتميزة ( الشخصيات ، الأحداث ، اللغة الواصفة الفضاءات والأحياز الزمكانية ، السارد ، الحبكة ، رؤية المؤلف ...) . نجده يقدم مقاربات محتشمة وبسيطة أو متجاوزة ومستوردة بطريقة تعسفية / ممسوخة لتحديد هذه الركائز الأدبية الاتصالية الأمازيغية البانية :
1_ المبدع الأمازيغي .
2 _ النص المنبع المنجز بلسان تيفيناغ المبين .
3 _ القارئ الأصلي بهويته وثقافته الأنثروبولوجية .
لا يمكن الاعتماد والاستفادة علميا من ( أدب أمازيغي معاصر ) يطمس شخصية القارئ الحقيقي أو يجعله ضمنيا / وهميا / خياليا / عبثيا ؛ لأنه العنصر المحرك والمفسر والناشر لهذا الأدب بمختلف أنواعه وتقنياته السردية ، ولا قيمة لأي عمل أدبي أو حياة فعلية من دون حضور واقعي للقارئ البشري الذي يكمل فراغات نصوصه وبعمِّرُ معانيه ويفَعِّلُها ، ويضبط مقاصدها ورموزها السيمائية .
يربط القارئ الأمازيغي الأصلي عملية قراءته لنصوص أهله وذوي قرباه بفضاءات وأحياز زمكانية وسياقات محددة .
ترتكز نصوص الأدب الأمازيغي المعاصر المنتشر في أصقاع شمال أفريقيا على عناصر محورية ومؤسسة :
أ _ دلالة النص ورؤية المبدع الأمازيغي وحنكته .
ب _ شخصية القارئ وموقفه من النص المنبع .
ج _ اللغة الواصفة الأمازيغية metalanguage) Amazigh ) لهذا النص.
د _ منهجية قراءة النص الأمازيغي التي تستورد وتحشد نظريات ومنهجيات التلقي المتنوعة .
تستند عملية القراءة عند المتلقي الأمازيغي الأصلي على ثلاثة مسارات بارزة تخلق تغذية راجعة feedback ) ) تكون مباشرة أو غير مباشرة بين الأطراف العاملة والمتفاعلة بشكل كبير :
1 _ الانطلاق من النص إلى القارئ .
2_ البدء بالقارئ ثم النص .
3 _ التركيز على الآثار الشعورية والفنية والجمالية النصية المثيرة .
يعانق القارئ الأمازيغي الحقيقي التاريخ والنص الإبداعي ومؤلفه دون أية وكالة أو تفويض عمله للقارئ الضمني الورقي العبثي ، فلا يمكن لقارئ إنساني بشحمه ولحمه أن يتحول إلى قارئ ورقي ، خيالي ، عبثي ؛ ساذج ...
تحتاج أغلب أعمال مؤلفي الأعمال الأدبية الأمازيغية المعاصرة الموجودة في بلدان شمال أفريقيا إلى التركيز على أهم الأسس الرائدة والهادفة والاستشرافية :
1 _ ضبط أفعال وأعمال المؤلف الحقيقي للنص ، والتمييز بينه وبين العوامل الأخرى التي يصطنعها لتفعيل تقنياته السردية .
2 _ تحديد السمات والهوية الثقافية للقارئ الأمازيغي من خلال النصوص المنجزة ، وتدعيم حريته .
3_ بلوة التأثير المتبادل بين الطرفين .
يتطلب الأمر وعي المبدع الأمازيغي وعيا عميقا بدور القارئ الأصلي لعمله ، وهذا ما سيجعل إنجازه ينفتح على تأويلات متعددة . لذلك ، فإن الظروف والسياقات المختلفة والبيئة المحيطة بهذا المبدع تؤثر في إنتاجه ، وتضعه في الغربال ، وفي أذهان أرباب التقويم .
يستفيد ( النقد الأدبي الأمازيغي ) المعاصر من بعض النظريات والمنهجيات المتنوعة التي تضم الغث والسمين ، حيث نجده يهتم بعدة مظاهر وعناصر :
أ _ مضمون النص المحلي .
ب _ التجربة وفرضيات المتلقي الأصلي .
ج _ حوار الأجيال من خلال الأنثروبولوجيا التعاقبية diachronic) ) ، والربط بين المعرفة الجمالية والمعرفة التاريخية والجانب الإنساني .
د _ تمتين العلاقة بين القارئ والنص من خلال ملء فراغات النص وفجواته ، وإدراك صيرورته الدينامية / المعمارية المتفاعلة .
ه _ استشراف نظرية عامة للتواصل تعانق ضروبا من التناص والتداخل والشمولية .
القارئ الأمازيغي والانثروبولوجيا الثقافية المحلية
يتعامل القارئ الأمازيغي الأصلي من خلال الأنثروبولوجيا الثقافية المحلية مع ثقافة أجداده وذوي قرباه بكل عدتها ، وأجهزتها ، وأدواتها الخاصة ، ونوع العمران والسكن ، والأزياء ووسائل الزينة ، والفنون ، والآداب ، والقصص ، والخرافات والأساطير ، والألغاز والنكت بكل تجلياتها . إنه يقتفي أثر كل تجليات هذه الأنثروبولوجيا المرتبطة بالاتصال الحضاري القائم بين أجيال الشعب الأمازيغي ، وكذلك الأنماط المتنوعة من المثاقفة ( interculturalism ) ، وحوار الحضارات الشامل والهادف .
يعانق القارئ الأصلي في هذا المجال جمهرة الأعمال المتخصصة التي تدرس المُجتمع الأمازيغي القديم / المهد ، كما أنه قد يصادف بعض الدراسات التي تقارب المجتمع الأمازيغي القروي والحضري في جل أمصار وديار أهله وعرقيته التي تشهد أنواعا من النمور والتطور التعاقبي .
يعالج هذا المجال الثقافي المبثوث بين طيات عدة أعمال أمازيغية متخصصة البنى والنظم والعلاقات الاجتماعية المحورية ( القبيلة ، العشيرة ، العائلة ، الفخذ ، القرابة ، الزواج ، الطبقات ، الطوائف ، النظم الاقتصادية ، كالإنتاج ، والتوزيع ، والاستهلاك ، والمقايضة ، والنقود ، والنظم السياسية ، كالقوانين ، والعقوبات ، والسلطة والحكومة ، والنظم العقائدية ، كالسحر ، والدين ، كما تعالج عناصر البيئة الأمازيغية ... ) .
تقوم الأنثروبولوجيا الاجتماعيّة الأمازيغية المعاصرة الموجودة في دول شمال أفريقيا بتفسير سمات البناء الاجتماعي للمجتمع / المهد والمنبع ، حيث تبرز تكامل عناصر هذا البناء ومستودعه الثقافي والحضاري بشكل عميق ومتماسك ومتبادل ووظيفي بين النظم الاجتماعية .
تمثل النظمَ الاجتماعية عند الأمازيغ الموجودين في أمصار شمال أفريقيا نسقا متداخل المكونات والعناصر المتفاعلة والمعمرة ، كما أنها تقوم بتحديد وظيفة النظام الاجتماعي الواحد في البناء الاجتماعي للمجتمع.
الأنثروبولوجيا الأمازيغية التطبيقية
تهتم بدراسة ثقافة الشعب الأمازيغي في مهده الأول من أجل الوصول إلى الفهم الدقيق ، واستشراف أنساق الحضارة والمدنية الهادفة ، كما تتم معالجة قضايا ومشاكل الاتصال بالمهد الأول لأمة الأمازيغ ، ومعضلات إدارتها وتصريف شؤونها ووجوه تحسينها .
لقد تطورت فروع الأنثروبولوجيا بعد الحرب الكونية الثانية في عدة أعمال أمازيغية راجت في أمصار شمال أفريقيا ، إذ سعت إلى خدمة الإنسان والمُجتمع المحلي .
نجد في هذا الصدد عدة مظاهر جلية المعالم :
1 _ حضارة وثقافة السُكان الأصليين .
_ 2التربية والتعليم .
_ 3التنمية المحلية الاجتماعية والاقتصادية والطبية ، والنفسية، والعسكرية ، والإدارية والسمعية البصرية والإبداع الأدبي والفنية .
خلق هذا التطور تداخلا وتكاملا بين عدة فروع علمية اجتماعية وإنسانية
كالاثنولوجيا التي تهتم بتأريخ حضارات الشعوب وعلاقاتها ، وتصنيفها وتوزيعها وانتشارها في العالم ، والأثنوغرافيا التي تصف حضارة المجتمعات وثقافتها ، والأركيولوجيا كعلم للآثار يدرس القضايا الاثنولوجّية والاثنوغرافية المتعلقة بمنبع الحضارة الأمازيغية وحفرياتها .
نجد كذلك بين ثنايا هذا التطور المتداخل والسريع مجالا يختص بعلم الاجتماع الذي يعالج الظواهر النابعة من العلاقات القائمة بين المجموعات البشرية ، كما أنه يهتم بالعلاقة الموجودة بين الإنسان الأمازيغي ومحيطه . يركز جل الباحثين الأمازيغ المعاصرين على معالجة مشكلاتِ المُجتمعات المحلية ، خاصة المركبة والمتطورة .
نشاط القارئ الأمازيغي المعاصر
يقوم هذا النشاط على عدة ركائز ومعايير بارزة :
أ _ الأبعاد الأنثروبولوجية الثقافية المحلية .
ب _ نسق العادات والقيم والأدوات والفنون والمأثورات الشعبية .
ج _ الأبعاد الزمكانية للأنثروبولوجيا الثقافية من خلال أعمال المبدعين المحليين .
د _ النشاط الثقافي بشكل وصفي ، واقعي ، محايد .
والملاحظ أن القارئ الأمازيغي الأصلي الذي يعيش في بلدان شمال أفريقيا يربط بين جوانب وفروع الأنثروبولوجيا المحلية من خلال الإبداعات الفكرية ووثائق حضارة مهد الأجداد والأسلاف ؛ الأصيل والمتسق بالاعتماد على الفضاءات والأحياز الزمكانية ، كما أنه يقوم بالمقارنة بين الفروق والتماثلات البارزة .
إن الأنثروبولوجيا الأمازيغية المعاصرة تبدأ حيث تنتهي الاثنولوجيا المحلية .
تبرز لنا الأعمال الأمازيغية المتخصصة في هذا المجال وجود عدة أسس وضوابط :
1 _ تجميع العينات والمدونات الثقافية الأصلية .
2 _ تنسيقها والمقارنة بينها .
3 _ تحليلها وتأويلها .
بناء النصوص الأمازيغية الفكرية
يتطلب الأمر من القارئ الأصلي الإلمام بلغة تيفيناغ الواصفة التي يوظفها المبدع المحلي ، وربط الاتصال بمحيطه وثقافته الخاصة ، كما أن هذا الموضوع يحتاج أيضا إلى تعقب طريقة تعامل المبدع الأمازيغي مع واقعه المعيش ، وتأويل ملاحظاته وآرائه .
يجب على المنهج الإثنوغرافي الموظف من طرف المبدعين الأمازيغ المنتمين إلى ديار شمال أفريقيا التركيز على :
أ _ الملاحظة الحقلية الاجتماعية .
ب _ دينامية / معمارية العملية التلقائية .
ج _ الوصف الرصين .
د _ تحليل وتأويل المعلومات بشكل موضوعي .
تساعد الأبعاد الانتروبولوجية الثقافية القارئ الأمازيغي على معرفة بعض السمات والقيم الخاصة بإبداعات المؤلفين المحليين :
1 _ اللطف .
2 _ الصداقة .
3 _ الأمانة .
إن تتبع عمل المؤلف والقارئ الأمازيغيين يبرز لنا وجود بعض العلاقات الرابطة بينهما على مستوى نظريات التلقي ؛ فالأول ينتج النص والثاني يملأ فراغاته ويكملها ، ويحرك معانيه ومقاصده ، ولا يعطلها أو ( يُخْصِيهَا ) .