عتبات الموضوع :
كيف يتجلَّى تعدد المعاني POLYSEMY من منظور علم الدلالة المعاصر بين طيات الإبداعات الأدبية المتنوعة التي يقدمها إلينا الشاعر البحريني المعاصر علي عبد الله خليفة في ديوانيه الاثنين ( حورية العاشق ) و ( لا يتشابه الشجر ) ؟ ما أهم مظاهر التناص الشعري POETIC INTERTEXTUALITY في هذين العملين ؟ ما نوع التساؤلات التي تثيرها الدراسة الإحصائية المعجمية التي تعالج المشترك اللفظي HOMONYM ، والترادف SYNONYM ، والتضادCONTRARY ، والتكرارREPETITION ؟ كيف يمكن ربط تعدد المعاني الشعرية بالمستوى الصوتي الوظيفي PHONOLOGICAL ؟ ما طريقة عمل (( ذاكرة الشاعر )) عندما تروم إنتاج هذه المعاني المتعددة ؟ ما الخصائص التي تميز عملية الإبداع من خلال المقاربة اللسانية الخطابية المتعلقة بالديوانين المدروسين ؟ كيف تبرز مستويات التحليل اللساني المؤسسة لإنجازات الناظم ؟ ما علاقة عملية الإبداع بشعر الحداثة العربية وثقافته الخاصة ؟ ما السمات الخاصة بتعدد الأصوات ، والحوارات ، والنداءات ، والعناصر المكونة لهذين العملين ؟ ما الهدف من وراء هذه الدراسة اللسانية الدلالية الإحصائية المعجمية LEXICAL STATIC ؟
الشاعر والمتن المدروس :
1 ) الشاعر : يعدُّ علي عبد الله خليفة من أهم المبدعين المعاصرين الذين يجسدون بعمق وأصالة السمات المتعلقة بنسق القريض العربي في مملكة البحرين . تمتد تجربته لأكثر من ثلاثين عاما ظل يبث من خلالها إلى المتلقين العرب ( رسائل ) MESSAGES أدبية تعج بالموضوعات THEMES، والقضايا المهمة ، والأحلام ، والمشاريع ، والتوقعات التي تتميز بثراء الخصائص الجمالية ، والفكرية ...
إنَّ نفَسَ هذا الشاعر الشعري صوفيٌّ عميق ذو طابع أصيل ، وحسه جميل ، ولغته العربية شفافة تساير جل الأذواق والعقليات ... نجده يجتنب غموض بعض الدوال الشعرية العربية المعاصرة ليعانق البنى اللسانية المقدرة في قصائده ( 1 ) ، مما يستفز الحس الجمالي والتأويلي عند المتلقي العربي المتمرس .
يَمْلكُ علي عبد الله خليفة معجما شعريا ثريا من حيث الدوال والمدلولات ، كما أنه يبني صوره الشعرية بعمق وتأن خلاقين باستخدامه لعدة أساليب بلاغية جديدة كالتشبيه ، والاستعارة ، والكناية … تتأسس موسيقاه الشعرية على صوتيات وظيفيةPHONOLOGY FUNCTIONAL جميلة الإيقاعات ، والتنغيمات ، والنبرات ، والمقاطع المتميزة بعيدا عن الثقل ، والنشاز ، والحذلقة ، والتقريرية المباشرة … تحتاج هذه البنى الصوتية إلى دراسة خاصة ، كما أن إبداعيه الأدبيين ( حورية العاشق + لا يتشابه الشجر ) يحملان أبعادا اجتماعية ، ونفسية ، ودينية تروج أنواعا من التناص INTERTEXTUALITY النحوي الشعري أو التجاذب النصي TEXTUAL GRAVITATION مع التراث العربي والإسلامي بجل أجناسه . يتطلب هذان العملان أيضا مقاربة سيميائية تفك وتركب خيوط أنواع هذا التناص ( التجاذب النصي ) TEXTUAL GRAVITATION.
يَبْرزُ لنا إنجازه الشعري العربي المعاصر العمق ، والأصالة ، والتنوع في التجربة ، ووجهة النظر المتأنية ، والرؤية الدقيقة ، والوعي المتفتح على العالم … إنه يمثل طبقة من الشعراء العرب المعاصرين الذين يستخدمون سلطة إبداعية متميزة تحاور وتشاور سلطة النصوص ، ثم تبنيها بعمق . تخلق سلطة هذا العمل تواصلا كبيرا عبر رسالة القريض مع سلطة المتلقي دون أي تعطيل للدلالات الشعرية أو (( إخصائها )) بكل ترف ، وغرور ، وتبجح …( 2 ) .
إنَّ تفردَ بعض سمات الإبداع التي تحكم أعمال علي عبد الله خليفة ورؤاه الأصيلة تجعله يستشرف عدة قضايا وموضوعات ومقاصد تداولية ، فيصبح مساهما في التنمية ببعض المخططات والآراء المبثوثة بين طيات عدة قصائد . يتطلب فهم كل هذا وتأويله متلقيا عربيا صافي السريرة ، حسن النية ، واعيا ، ومتمرسا يشتغل ضمن (( جماعة)) لغوية خاصة ( 3 ) …
يَتناصُّ ( يتجاذب ) الناظمُ مع تراثه العربي الإسلامي المتميز الفضاءات والخطابات ، ويتجاذب مع نصوصه بوعي ورؤية متميزة إذ يستلهم ويثاقف :
أ _ الخطاب الثقافي _ الاجتماعي اليومي .
ب _ الخطاب الأسطوري .
ت _ الخطاب الرمزي .
ث _ الخطاب الديني .
ج _ الخطاب التاريخي …
لذلك فإنَّ نصوص قريضه تتنوع من حيث بناها الجمالية والفكرية ، مما يخلق صنوفا من الدهشة ، والانصهار ، والتقمص ، والتأثر ، والتكملة ، والمقاصد المكثفة الجلية بالنسبة للمتلقي العربي . يستنطق في بعض إنجازاته الرقيقة الحلم المتداعي ، فينبش صفحات من التراث ويمارس أنماطا من التقريع والمحاسبة والغربلة ، كما نجده في إنجازات أخرى مضارعة يبعث الأمل والعزيمة في النفس ، ويرأب بعضا من التصدع والانشطار ، والتواكل والتسول الفكري المنتشر بين كثير من المستويات الاجتماعية ، وهذا ما يجعله يحيي قسطا كبيرا ناصعا من الثقافة القومية والإسلامية …
يَبْنِي هذَا المبدعُ البحريني مشاهده الشعرية المتنوعة بكل مهارة ووعي ، حيث يلون أساليبه البلاغية كالتشبيه ، والاستعارة ، والكناية بغية تشكيل صور فنية رائقة . إنه يستعمل نسقا شعريا عربيا متطورا على مستوى العلاقات والوظائف تتحرك فيه التقنيات المسرحية والسينمائية ، وأنواع جديدة من طرائق ( الإخراج) STAGING للقصائد العربية المعاصرة ( اللقطة ، الومضة ، الارتداد ، المناجاة ، تعدد الأصوات ، التنغيم ، التبئير FOCUS ، التنميط ، الأنا / المخاطب ، الغائب ، المجرد ، والموضوعي ، السرد / المحكي ، خطاب العقل الباطن …).
2 ) المتن المدروس :
سنقاربُ من منظور لساني دلالي SEMANTIC عملين شعريين للمبدع
علي عبد الله خليفة . يحمل العمل الأول عنوان ( حورية العاشق ) ( 4 ) . نشرته المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت ، سنة 2000 م . يقع هذا الإنجاز في 125 صفحة من الحجم المتوسط . رتب الشاعر قصائد ديوانه على النحو التالي :
1 _ قمر وحيد لزنا بق الماء .
2 _ صباح الخير .. عيناك .
3 _ مرايا الزمن الباقي .
4 _ ألتقي قلبي .
5 _ عند المفترق .
6 _ المسافة .
7 _ الرقص حبا .
8 _ حديث الفضة .
9 _ زهرة الندم .
10 _ ربابة الغياب ..غزالة المعنى .
11 _ وردة العشق .
12 _ في جلال النور .
13 _ في التجلي والتضاد .
14 _ قبرات الحنين .
15 _ عاديات الليل .
16 _ ليلة الورد .
17 _ القطا وبركان الليل .
18 _ ازدواج .
19 _ يلتقي الغرباء .
20 _ وجه في الحلم .
21 _ حورية العاشق .. حرية المعشوق .
22_ قبلتني الجديلة .
23 _ أرنبة البياض .
أَمَّا العملُ الثاني فيسمَّى ( لا يتشابه الشجر ) . نشر هذا الإنجاز سنة 2005 م عن طريق المؤسسة العربية للدراسات والنشر ببيروت ، ومساهمة وزارة الثقافة والإعلام بمملكة البحرين . يضم هذا الديوان ( 171 ) صفحة من الحجم المتوسط . جمع فيه الشاعر القصائد التالية :
1 _ زبرجدة في إناء الورد .
2 _ يحدث فينا .
3 _ ذلك الهارب مني .
4 _ حزامها الأخضر .
5 _ ذاكرة المكان .
6 _ موال أندلسي .
7 _ اختراق .
8 _ في حرير دمي .
9 _ لماذا الشجر ؟
10 _ أخرجي من دم القلب .
11 _ ظل تهويدة .
12 _ ما عاد للنهرين ماء .
13 _ عشرون ألف ليلة .
14 _ تفاحة على النهر .
15 _ إهدأ قليلا .
16 _ لم تجد على التل قتيلا .
17 _ نخب .
18 _ تبصر نارا .
19 _ عبور .
20 _ غسول المرافئ .
21 _ نافذة .
22 _ ماء السراب وماء اليقين .
23 _ عندما تكبرين .
24 _ زيتونة الوقت العصيب .
25 _ الرمق الأخير .
26 _ كان البنفسج حاضرا .
27 _ احتمالات .
28 _ اعتكاف .
أَنْتَجَ هذا المبدع أعمالاً شعريةً أخرى تحمل بين ثناياها موضوعات وقضايا متنوعة الرموز ، والدلالات ، والاستشرافات ، والأحلام ... نذكر منها مايلي :
_ أنين الصواري ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1969 .
_ عطش النخيل ، دار العلم للملايين ، بيروت ، 1970 .
_ إضاءة لذاكرة الوطن ، دار الآداب بيروت ، 1973 .
_ عصافير المساء ، دار الغد ، البحرين ، 1983 .
_ في وداع السيدة الخضراء ، دار الغد ، البحرين ، 1992 .
_ حورية العاشق ، المؤسسة العربية للدراسات والنشر ، بيروت ، 2000 .
_ يعشب الورق ( مختارات شعرية ) ، أسرة الأدباء والكتاب ، البحرين ، 2005 .
كَمَا نجدُ له بعض الإنتاجات في مجال الأوبريت الغنائي :
_ صانع المجد ، 1996 .
_ انتظرناك طويلا ، 2001 .
_ على قلب واحد ، 2002 .
المنهجية الموظفة :
تَزْخَرُ العلاماتُ اللسانية العربية التي يستعملها علي عبد الله خليفة في ديوانيه ( حورية العاشق + لا يتشابه الشجر ) بالمعاني المتعددة المثيرة للانتباه التي يمكن تقسيمها من منظور علم الدلالة SEMANTIC المعاصر إلى أربعة أقسام :
1 _ المشترك اللفظي الشعري POETIC HOMONYM
2 _ الترادف SYNONYM .
3 _ التضاد CONTRARY .
4 _ التكرار REPETITION .
تُثيرُ دراسةُ تعدُّدِ المعاني POLYSEMY بالنسبة للديوانين الشعريين المذكورين إشكاليتين جوهريتين :
أ _ إشكاليةُ العلاقة بين المشترك اللفظي والترادف في مجال الشعر.
ب _ إشكاليةُ العلاقة بين المشترك اللفظي والكلمات ذات المعنى الواحد .
يَقْصِدُ بعض الزملاء الباحثين والأنداد في مجال اللسانيات الدلالية بمصطلح (( المشترك اللفظي )) تعدد المعنى POLYSEMY ( 5 ) …ونحن نعدُّه نوعًا من الجناس الصوتي وشكلاً من دوال القريض الحاملة لصور سمعية متلاحمة الأصوات المدركة ذهنيا عند أفراد المجتمع الذين يوظفونها للتعبير عن مختلف مآربهم وأغراضهم .
تَقومُ الكلماتُ المشكلة (( للمعجم الشعري )) عند علي عبد الله خليفة على أنواع من التَّجاذب النظمي ( التَّناص النصي ) التي تتقاطع فيها الأقوال ، والصور ، والمفاهيم . إنها تنحو في بعض قصائد المتنين CORPUS المدروسين ( حورية العاشق + لا يتشابه الشجر ) مناحي متنوعة نذكر منها :
1 _ المنحى الأدبي .
2 _ المنحى الثقافي .
3 _ المنحى الديني .
4 _ المنحى التاريخي .
تُجَسِّدُ كلماتُ معجم القريض المحلَّل حرية ، ورحابة ، وثراء (( ذاكرة الشاعر )) التي تبني جسورا لسانية اتصالية بين الإنجازات PERFORMANCES الشخصية والاستعمالات العربية التراثية المعيارية STANDARDالتي تتجاذب ( تتناصُّ ) معها . يؤدي هذا النوع من البناء إلى جعل الإبداعين المدروسين يؤرخان لبعض مراحل تطور الثقافة البحرينية والعربية…
ترصد هذه الكلمات أيضا (( الثروة المعجمية )) المتعلقة بتعدد المعاني الشعرية القابعة بين ثنايا الديوانين .
تعدد المعاني الشعرية في الديوانين :
يَسْتَنِدُ هذا المفهوم الدلالي بالنسبة للمتنين المدروسين إلى عملية التكرار REPETITION أو التواتر . فالكلمات الشعرية التي تتردد بكثرة في الديوانين هي التي تخلق تعدد المعاني .
يُقدِّمُ G K. ZIPF صيغةً علميةً محددةً في هذا الصدد نلخصها كما يلي :
ع = عدد معاني الكلمة .
ت = التواتر المتعلق بالكلمة المعنية (6 ) .
إنَّ تطبيق الصيغة العلمية السابقة على المتنين المحللين يحدد جانبين مهمين يرتبطان بالقاموس العربي الذي يستخدمه الشاعر فيهما معا . يتمثل هذان الجانبان في :
1 _ وجود كلمات شعرية متعددة المعاني لكنها تكتنز بعض المعاني الفرعية .
2 _ شيوع كلمات عربية أصيلة لكنها متفردة من حيث المعنى .
إِنَّ الدراسة الإحصائية المعجمية LEXICAL STATISTIC STUDY التي تعالج المشترك اللفظي HOMONYM ، الترادف SYNONYM ، التضاد CONTRARY ، التكرار REPETITION في ديوان ( حورية البحر ) وديوان ( لا يتشابه البحر ) تطرح بعض الأسئلة المهمة :
أ _ هل يمكن أن نعدَّ كلمات المعجم الشعري العربي المستخدم في الديوانين أكثر ثراء وعمقا من كلمات المعجمات الأخرى الموجودة بالدواوين البحرينية المعاصرة ؟
ب _ كيف نعالج المقابلات اللسانية العربية الموجودة بالديوانين ؟
ج _ ما وجوه الالتقاء ، والاختلاف بين (( الثروة المعجمية )) التي تقبع داخل هذين العملين الشعريين والأعمال البحرينية الأخرى المنتمية لنفس الجنس الأدبي ؟
د _ هل حدث أي تطور في هذه (( الثروة المعجمية )) الشعرية عبر المراحل التاريخية التي عرفها الشعر العربي بمملكة البحرين ؟
تَتَطَلَّبُ الإجابةُ عن هذه الأسئلة وما تثيره من مشكلات دلالية اتباع طريق الدراسة الإحصائية المعجمية الشعرية التي تيمم وجهها شطر أربعة فروع :
أولا ) المشترك اللفظي الشعري :
يَحْوِي العملان المحلَّلان عدة كلمات عربية يمكن تصنيفها تحت ما يسمَّى في علم الدلالة المعاصر بالمشترك اللفظي HOMONYM . نجد في ديوان ( حورية العاشق ) ما يقارب ( 115 ) كلمة متجانسة لفظيا وفي ديوان ( لا يتشابه الشجر ) ما يربو على ( 112 ) كلمة متجانسة لفظيا أيضا . يبرز هذا الإحصاء المعجمي مدى التقارب العددي بالنسبة لهذين العملين ، وهو ما يجسد بكل وضوح حسن توزيع ودقة انتقاء الشاعر علي عبد الله خليفة لكلماته التي تمثل المشترك اللفظي في كلا الديوانين ... تتنوع معاني هذه الكلمات تبعا لتنوع استعمالات المبدع لها في العملين معا .
والحقيقةُ أنَّ التطبيق الرصين والصارم لعمليات الإحصاء المعجمي يجعل من هذه الدراسة عملا تجريديا غامضا . فهذا الحقل العلمي اللساني المعاصر يهتمُّ بوصف المعجم الشعري لمعرفة (( الثروة المعجمية )) في مجال القريض من خلال الموازاة بين الشعراء . يقوم العمل الإحصائي هنا على عينة خاصة تستخرج بعناية من مجموع المتن CORPUS .
يُعالجُ الإحصاء المعجمي قضايا الأسلوب الشعري المتعلقة بالثروة المعجمية الموضوعية القابعة داخل عمل معين ، خاصة تلك التقابلات الأسلوبية التي تحتويها النصوص المدروسة . تساعد هذه العمليات الإجرائية على دراسة (( الثروة المعجمية )) عند أحد الشعراء في فترة معينة وموازنتها بفترة أخرى ، كما أنها تهتم أيضا بالإضافات المعجمية التي قد تلحق بالنص المرجعي عند هذا الشاعر أو ذاك .
إنَّ تقصيًّا شاملاً لهذا الموضوع يسمح بمعرفة طرائق توظيف المعجم المعيار ضمن خطابات أو نصوص إنجازية فعلية . يرى شارل مولر أن التقصي الشامل بعيد المنال ، لذلك فإنه قد استحدث منهجيات بديلة في هذا المنحى .
يُعانِي مجال الإحصاء المعجمي من ضبط القاعدة الخاصة أو المعيار الاتفاقي CONVENTIONAL ، النموذجي ، القياسي STANDARD ، إذْ أنَّ الكلمات الشعرية الموظفة حاليا تثير عدة مشكلات تتعلق بالترادف ( أحبَّ ، عشِق ، أُغرم ، وله ، كلف ، هام ، متيم بها ، به وجد ) ، أو ( مسرور ، فرح ، مغتبط ، مبتهج ، في نشوة ، في حبور ، في انشراح ) ، فهل هذه الأفعال والأسماء متساوية من حيث الدلالة ؟ .
يَعْتمدُ الاحصائيون المعجميون على تحديدات أرباب القواميس العامة والمتخصصة ، لذلك فإننا لانجد معيارا اتفاقيا موحدا ، علاوة على أن القواميس لاتحمل نفس المدخل المعجمي .
يُمثلُ العمل اللساني الخاص باللغات الرسمية مقاربةً كمية ، مما يجعله يتجه مباشرة إلى تحديد الكلمات ذات لاستعمال الشائع ، وهو ما يساعد على تدريسها لغير الناطقين بها . يؤدي هذا العمل إلى التمييز بين مستويات اللسان الواحد ، وسجلاته ، وتنوعاته ، وضبط الفرق بين تردد كلمة معجمية معينة واحتمال تكرارها . لكن تردد كلمة معجمية تنتمي إلى مستوى لغوي معين يمكن أن يكون دالا ، ويمكن أن يكون عدميا بالنسبة لمستوى آخر ، لذلك فإن علم المعجم الإحصائي الكمي يتطلب إدراج مواقف / حالات الاتصالSITUATIONS COMMUNICATION اللغوي ، والاهتمام بتنوع الكلمات المقبولة والشائعة داخل القواميس وفي النصوص والخطابات الفكرية المتعددة …
يَتوزعُ المشتركُ اللَّفظي الشعري عند علي عبد الله خليفة إلى صنفين لسانيين مهمين :
1 _ كلماتٌ شعريةٌ عربيةٌ متعددة المعاني : يخلق توظيف هذا الصنف من الكلمات في ديوان ( حورية البحر ) وديوان ( لا يتشابه الشجر ) تطورا دلاليا شعريا جلي المعالم ؛ إذ أنها تكتسب معاني جديدة من خلال سياقاتها ، مثل كلمة ( سحر ) التي تشير في قصيدة ( صباح ..عيناك ) الموجودة بديوان ( حورية البحر ) ص18 ، إلى معنى (( الجمال ، الحسن ، الفتنة ، البهاء …)) ، وقد ترمز إلى (( عمل شرير ، فعل غير مفلح ، ضرر ، تفرقة بين الرجل ، وزوجه ، أو بين متحابين …)) . نجد كذلك كلمة ( قصور) في قصيدة ( اعتكاف ) ، المنتمية إلى ديوان ( لا يتشابه الشجر ) ص 166 التي تحمل معني (( نقص ، ضعف ، وقلة الحيلة في بلوغ المعنى ، والمراد المقصود …)) ، وقد ترمز أيضا إلى (( صروح منيفة وبنايات سامقة ؛ وثيرة ، ومثيرة …)) . نجد في قصيدة ( القطا وبركان الرصاص ) الواقعة بديوان ( حورية العاشق ) ص 91 القول الشعري التالي :
براعم وادي الزهر
تَحْمِلُ كلمةُ ( براعم ) معنى (( فروع الزهر ، الصغيرة الطرية ، القادمة للحياة بكل عنفوان ، ونضارة …)) ، وقد تعني حسب السياق والإنجاز الصوتي التنغيمي INTONATIVE (( كل مخلوق جديد يرى النور و يتزايد في النمو والتقدم بعوده الغض الواهي دون أي حول أو قوة …)) . نصادف في قصيدة ( ربابة الغياب ..غزالة المعنى ) المصنفة بديوان ( حورية العاشق ) ، ص 56 قوله :
أبحث عن رحيق زهرة عجيبة الأريج
لم تبح بسرها لأي كائن من البرايا
تَحْمِلُ كلمةُ ( البرايا ) باعتبارها جمعا لبرية معنى ( الخلق ) أو ( البشرية ) بصفة عامة . قد يمنحها السياق الشعري بمختلف ضروراته وانزياحاته اللغوية معنى ( صحراء ) أو ( يابسة ) ، مقابل ( البحر ) . تشير عبارة ( ألوان الطيوف ) المستخدمة في قصيدة ( ما عاد للنهرين ماء ) التابعة لديوان ( لا يتشابه الشجر ) ، ص 76 إلى تنوع الألوان وتناسقها ، كما هو الشأن بالنسبة لقوس قزح البديع الألوان . قد تقودنا هذه العبارة أيضا إلى تأويلات متشعبة تخص (( عالم الأشباح والتهيؤات والتخيلات المبهمة المعالم في الأمكنة المظلمة أو العميقة المتعددة المتاهات …)) .
2 _ كلماتٌ شعريةٌ عربيةٌ متعددةٌ ذات معانٍ متعددة : يرتبط هذا الصنف من الكلمات بتطور أغراض وموضوعات الشعر العربي في مملكة البحرين ، خاصة على المستوى الصوتي PHONOLOGICAL . قد نصادف في هذا المنحى كلمتين شعريتين ضمن بعض قصائد الديوانين المدروسين تدلان على معنيين مستقلين ، لكنهما تقتربان من بعضهما على مستوى النطق :
أ _ يقول في ديوان ( حورية العاشق ) ، ص 19 :
صباح الخير
صبح وردك الوسنان مفتون
وشف حنينه ألقا
ب _ ونقرأ في ديوان ( لا يتشابه الشجر ) ، ص 105 قوله :
تبصر نارا .. فتمشي ، وأمشي
لعل الطريق إلى دار بكر
يقود إليه السرى
فيكشف سر الطريد الذي خبأته الفيافي
يَرْتَبِطُ هذَا الصِّنْفُ من المشترك اللفظي الشعري ( صباح _ صبح ، السرى _ سر ) بالحركات الصوتية الوظيفية ومستوى التنغيم وبعض الظواهر المقطعية ، مما يحدد السياق والقصد المراد رغم حدوث بعض الابتعاد والانزياحات أحيانا عن القواعد اللسانية العربية المعيارSTANDARD .
تُحدِّدُ لنا دراسة المشترك اللفظي الشعري عند علي عبد الله خليفة بعض الخصائص المتعلقة بمعاني كلمات (( المعجم الشعري )) الرائج في البحرين . نجد في هذا المنحى :
1 _ استعمال أغلب الشعراء البحرينيين المعاصرين لدوال ومدلولات لسانية عربية أصلية تتشبث بها مدلولات أخرى فرعية .
2 _ توفر الدوال في الشعر البحريني المعاصر على مدلولات متعددة تخضع لسياق الموقف CONTEXT OF SITUATION الذي يبني جل نسق القريض في هذ
3 _ استغلال الشعر العربي المعاصر في البحرين كلمات معجمية عربية تحمل معاني مثيرة من أجل إثراء المقاصد والدلالات ، وهو ما يبرز تطور مدلولات القريض في هذه البقعة من الوطن العربي .
4 _ توظيف المتنين CORPUSالمدروسين أحيانا لكلمتين شعريتين مستقلتين بينهما تقارب صوتي أو جناس متنوع .
تتكونُ المدلولات الشعرية الأصلية والفرعية المنتشرة بين ثنايا قصائد ديوان ( حورية العاشق ) وديوان ( لا يتشابه الشجر ) انطلاقا من مخزون (( الذاكرة الشعرية )) التي يمتلكها الناظم ... إنها ترتبط بأثر المعاني والتصورات الفنية التي تحويها هذه الذاكرة . تقدم لنا المدلولات الشعرية الفرعية الموظفة انطباعات متينة عن المدلولات الشعرية الأصلية المشكلة للعملين المحللين .
يتجلَّى تعدد المعاني الشعرية POETIC POLYSEMY في الديوانين المقصودين اللذين أنتجتهما (( ذاكرة شعرية )) أصيلة عن طريق مقابلتها بالمعاني الحقيقية الشائعة في المعجم العربي . يبرز لنا استعمال (( ذاكرة الشاعر )) لهذه الكلمات العربية وجود عدة جوانب مجازية ؛ إذ أنها تقتبس مفردات عربية عامة لتمنحها معان شعرية خاصة وشيقة جدا ، لذلك فإن نقل هذه (( الذاكرة )) لكلمة عربية معينة من حقل ثقافي_ معرفي إلى آخر يكسبها معان جديدة .
يَتأسسُ تعدُّدُ معاني القريض هنا بناء على عدة اقتباسات ، واستشهادات ، وأنواع من التناص النظمي INTERTEXTUALITY SYNTACTIC النظمي / التجاذب GRAVITATION النصي ( 7 ) مع التراث . تمارس (( ذاكرة المبدع )) هذا العمل لإنتاج معجم شعري يذيع بين المتلقين العرب بلاغة اتصاليةCOMMUNICATIVE تكون متميزة من حيث الإقناع والحجاج والحوارات والمقاصد والرموز، مما يعيد تشكيل وترتيب الموروث العربي وإضافة موضوعات ومفاهيم حديثة وظيفية ، وتسمية بعض الموجودات المضمرة ، وتنظيم العالم من حولها بناء على فلسفات جديدة ونظريات معرفية رائدة .
يُحددُ لنا رصد تعدد معاني (( معجم القريض )) سمات (( ذاكرة )) علي عبد الله خليفة من خلال نوعية الانتقاء والإنجاز اللساني ... يبرز هذا المستوى :
أ _ تطور الثقافة العربية بالبحرين على مستوى الاستعمال PERFORMANCE اللساني الشعري .
ب _ تجذُّر (( ثروة معجمية )) عربية أصيلة تنسج وحداتها الخاصة كلمات متعددة المعاني .
ت _ نُدْرةُ القيود المعجمية المتعلقة ببعض الكلمات والمفاهيم العلمية ، المستخدمة في الشعر البحريني المعاصر .
تعتمدُ طريقتنا اللسانية المرتبطة بتحديد تعدد المعاني في ديوانَيْ ( حورية العاشق + لا يتشابه الشجر ) على منهجيةٍ خاصةٍ :
1 _ تقصي عدد المعاني التي تحملها الكلمة الشعرية المقصودة .
2 _ إحصاء نسبة ترددها وتكرارها .
تُبْرِزُ لنا الدراسة الإحصائية المعجمية LEXICAL STATISTIC وجود معان شعرية أصلية وأخرى فرعية ترتبط بالكلمات المحللة المهيمنة على المتنين المدروسين ، وهو ما يؤدي إلى اكتشاف معان أحادية وأخرى متعددة الجوانب . تثير هذه الدراسة أيضا إشكالية التطابق اللفظي IDENCITY أو التجانس الصوتي HOMONYM المتواتر في هذين العملين ، كما تبلور ذلك الأمثلة التالية :
أ _ في ديوان ( حورية العاشق ) :
_ حدثت عنا فصول الريح من عام لعام
حدثت عنا المسافات التي نجهلها ( ص 27 ) .
_ فالناس من دون وجوه يركضون
حياتهم تسير بالتروس والدوائر المبردة
الناس من دون قلوب يكبرون ( ص51 ) .
_ عيناك ، أطياف ذكرى ما لها صور
يذكي بها الشوق نار الذي
في حبه الأحباب قد رحلوا
عيناك ، يا عينك ، من أي أودية ( ص 64 ) .
_ يمازج تكوينها الطلح والطلع
والبان والبيلسان ( ص 69 ) .
_ وأطل عند لقائنا شجر ، تألق بالندى
وأطل طير ازرق .. ( ص105 ) .
ب _ في ديوان ( لا يتشابه الشجر ) :
_ وما الذي يحدث فينا .. ؟ !
ما الذي يدعو وجوها أن تظل مقيمة ( ص16 ) .
_ لاشيء يقلق صفو النهارات هنا ..
لاشيء يشجي أثر الأهل ( ص36 ) .
_ أتركيني ، للفراشات التي لا تجحد
اللمسة البكر لأزهار الحديقة
أتركيني لنهار وهواء لست فيه ( ص 57 ) .
_ يسمي باسم رب العرش كي تنجو ( ص101 ) .
_ تعيد تأسيس ما خربته أيادي اللئام ..
تعيد تجميع أوصال طير ( ص 125 ) .
_ سلام عليك في وحشة الفقر ..
سلام على ظل هذا البهاء النبيل ! ( ص128 ) .
_ أحبك
في التمنع والتجني
أحبك
في التحقق والتمني
أحبك
في ارتيابي وحسن ظني ( ص 153 ) .
تُجسِّدُ هذه الأمثلة الشعرية عدة علاقات وروابط وشيجة تقوم بين المشترك اللفظي وثقافة المجتمع البحريني والعربي من حيث الوظائف والأغراض ، علاوة على أنها ترسم مستوى من التواتر RECURRENCE أو التكرار المنظم بالنسبة لبعض الوحدات الصوتية العربية المستعملة في القصائد المعنية .
يُمثلُ توظيف الشاعر لبعض الكلمات العربية المتطابقة صوتيا IDENTICعدة اختيارات دلالية تحدد الموروث الثقافي المرتبط (( بذاكرته )) ، كما أن هذا التوظيف يبرز أيضا قدرته على انتقاء كلمات رائعة دون غيرها . يجعل هذا الانتقاء المبدع يبني (( معجما شعريا )) عربيا خاصا وأسلوبا شخصيا يتسم بالاقتصاد ، والوضوح ، والسلاسة ويعج بالاستعمالات العربية الجديدة الآسرة...
لاَ تَحْملُ كلمات (( المعجم الشعري )) المتطابقة لفظيا نفس الدلالات العربية أثناء استعمالاتها المتنوعة داخل القصائد المتعددة الأغراض والموضوعات والوظائف . فالجذور التاريخية المعجمية ETYMOLOGY العربية تبرز لنا وجود عدة اختلافات تساهم في بناء معان عربية فرعية كثيرة …
يمكن إقصاء الغموض AMBIGUITY الذي قد يحصل بين معنيين شعريين يتعلقان بكلمة واحدة متعددة المعاني وكلمتين شعريتين متطابقتين لفظيا عن طريق الاستعمالات الأسلوبية الخاصة بالشاعر والثقافة البحرينية ...
يوظف الناظم الكلمات الشعرية السابقة المتطابقة صوتيا HOMONYMS : ( حدثت / حدثت ، الناس / الناس ، عيناك / عيناك ، وأطل / وأطل ، ما الذي / ما الذي ، لاشيء / لاشيء ، يسمي / باسم ، تعيد / تعيد ، أحبك / أحبك …) لخلق دلالات مشتركة ، مما ينتج نوعا من التقابل أو التعارض أحيانا ، تبعا للسياق أو البعد الرمزي المقصود ...
يَنْجُمُ التطابق IDENTICITY إذن بين الكلمات العربية الشعرية الموظفة في ديوان ( حورية العاشق ) وديوان ( لا يتشابه الشجر ) على المستوى الصوتي ، والصرفي ، والمعجمي ، والجدلالي ، والتداولي PRAGMATIC .
تَبْرُزُ هذه الكلمات ترابط الدوال والمدلولات الشعرية المستهدفة على مستوى التبادلSUBSTITUTION أو التعويض PERMUTATION ، كما عند البنيويين اللسانيين الغلوسيماتيكيين الدانمركيين والتوزيعيين الأمريكيين .
يَلْعبُ التبادل اللساني دورًا مهما بين هذه الكلمات على المستوى الصوتي الوظيفي ، خاصة ما يتعلق بوحدات التمفصل الأول ( 8 ) . يصنف التيار البنيوي اللساني التوزيعي الأمريكي عند زليج هاريس الكلمات المعنية ضمن قائمة محددة تتوزع / تتبادل عناصرها داخل نفس المحيط والموقع . قد يؤدي تبادل كلمة مع أخرى مماثلة لها صوتيا إلى تغيير في التعبير ، خاصة على مستوى المجاز ، لذلك فإن تقنية التبادل بين الكلمات الشعرية المتطابقة أو المتجانسة صوتيا تؤثر في مستوى المضمون تبعا للبناء الداخلي الذي يخضع لقصد الشاعر . قد يحدث أحيانا العكس ، حيث لا يغير هذا التبادل شيئا من المعنى الشعري ، فيقبع التغير داخل المستوى الصوتي فقط . يلغى التبادل اللساني بين الكلمات المتجانسة أو المتقاربة صوتيا عندما يتغير المعنى الموظف داخل سياق محدد .
تُجَسِّدُ بعض الأمثلة السابقة المتطابقة أو المتجانسة صوتيا عملية تماثل ISOMORPHISM وتناظر بناء على التقابل الكمي بين الكلمات التي وضعنا تحتها سطرا ، حيث تتداخل عناصرها التي تكون متساوية في كل كلمتين متماثلتين أو متناظرتين ، لذلك فإذا كانت قوانين التداخل في الشكل تتماثل مع قوانين التداخل في المضمون الشعري ( تركيب = دلالة ) ، فإننا نحكم على البنيتين بالتماثل والتناظر .
تُفْضِي بنا عملية التماثل الصوتي الوظيفي التي تحويها بعض قصائد الديوانين المحللين إلى نتيجة مهمة مفادها أن التماثل قائم على هذا الأساس كذلك بين اللغة العربية والثقافة البحرينية والحضارة الإسلامية . فهذه اللغة تعد هي المنظمة لتجارب أهالي المنطقة في الحياة والحاملة والمروجة لرؤيتهم ووعيهم بالعالم …
نَجِدُ أنَّ التناسب الذي يقوم بين الكلمات الشعرية المتجانسة صوتيا هو شبه ثنائي بناء على علاقة ثنائية مضارعة تخلق تناسقا بين الكلمتين المقصودتين على مستوى الدال ومستوى المدلول ، مما يبلور العلاقة الأفقية ، والعمودية بينهما .
وَالمُلاحظُ هنا أن التطابق أو التجانس التام بين الكلمات الشعرية السالفة غير ممكن بالنسبة لمستوى الشكل والمضمون ، لكننا نجد بعضا من التناسب بين وحداتهما ، لذلك فإن موضوع التطابق الجزئي يبرز لنا وجود نوع من الاختلاف والاستقلال بالنسبة للعناصر التي تكون عملية الإبداع الشعري عند علي عبد الله خليفة .
تُثيرُ عمليةُ التماثل / التناظر الموجود بين بعض الكلمات المعجمية التي يستخدمها شاعرنا عدة قضايا :
أ _ طريقة ارتباطها بعملية الإبداع الشعري .
ب _ التداخل المتجدد بين الأشكال الشعرية البانية لمضامين متنامية ولانهائية .
ج _ علاقة تماثل البنى اللغوية الشعرية بالقيم الخلافية .
د _ تبرير عملية التماثل والموازاة بين التراكيب والدلالات في مجال القريض .
ه _ وصف العلاقات بين البنى الصوتية ومعانيها الشعرية .
ثانيا ) الترادف الشعري :
يَظْهَرُ لنا الإحصاء المعجمي أن الكلمات العربية الشعرية المترادفة SYNONYMS في ديوان ( حورية العاشق ) تمثل ما يقارب (57 ) كلمة وما يزيد عن ( 80 ) كلمة في ديوان ( لا يتشابه الشجر ) . تتبادل هذه الكلمات المواقع والعلاقات داخل السياقات الشعرية المتنوعة التي تؤسس موضوعات قصائد الديوانين ... تطرح هذه الكلمات المترادفة قضية الإحالة REFERENCE أو المرجع في الحياة : قد نجد في بعض الأحيان عدم إحالة الكلمتين الشعريتين المترادفتين إلى نفس المرجع نظرا لاختلاف الاستعمالات البلاغية والسياق الاجتماعي الثقافي الذي تستند إليه (( ذاكرة الشاعر )) لبناء الموضوعات . تنتج الكلمات المترادفة هنا انطلاقا من مستويات ودرجات معينة ، فلا يمكننا القول أن بعض هذه (( الكلمات الشعرية )) العربية هي مترادفة ترادفا تاما إلا إذا كانت تملك نفس المدلولات العربية التي تستبدل ببعضها دون إحداث أي إبهام .
يَتجلَّى الترادفُ أحيانا على مستوى الدوال والمدلولات الشعرية ، مما يخلق عدة عراقيل تختلف طرق التحليل بين هذين المستويين اختلافا كبيرا . يطرح الترادف بين الدوال الشعرية تناظرا بين عناصر المدلولات التي تتجلي من خلال ٍتعبيرين شعريين مختلفين ، لذلك فإن التبادل الحاصل بين بعض الدوال في مجال القريض لن يخلق بالضرورة تغييرا مضارعا على مستوى المدلولات . نجد الشاعر يستعمل بكثرة معجما عربيا مترادفا على مستوى المدلولات ، لكنه يتبادل في جل القصائد على مستوى الدوال ( الحب = الهوى ) . نلاحظ هنا أولوية الدوال الشعرية لأنها المنبع والطريق المؤدي إلى فضاءات المدلولات .
إِنَّ الأشكال الشعرية التي يستخدمها علي عبد الله خليفة تثير الاهتمام ، لأنها هي التي تحدد سمات المضامين وعددها . يرى لوي يلمسلاو ؛ زعيم التيار البنيوي اللساني الغلوسيماتيكي بالدانمرك أن وجود الترادف اللفظي بين تعبيرين يجعلنا نغوص في فهم وتأويل المعنى ، حيث نصادف عدة اختلافات وتمايزات دقيقة . نجد هذه الفرضية التوزيعية جلية المعالم في قوله الموجود بديوان ( حورية العاشق ) ، ص 57 :
أبحث عن غزالة العاشق للمعشوق
قَدْ تَسْتعملُ كلمة ( غزالة ) استعمالا عاما ظاهرا باعتبارها تمثل حيوانا جميل الصورة والأفعال والمشاعر ترادفها كلمات أخرى ؛ مثل : الظباء والريم ، وقد تستعمل استعمالا آخر ( غزالة ترسل خيوطها العسجدية على جزء من هذا الكون ) . نجد كذلك قوله في ديوان ( لا يتشابه الشجر ) ، ص 55 :
وأخرجي من ألق الوقت
وملح الدمع .. أخرجي مني .. دعيني
تَرْتَبِطُ كلمةُ ( ملح ) كثيرا بالطعام ، لكنها قد تستعمل استعمالا آخر ( ملح الدمع ) لتقدم لنا مجازا عن السخونة والمرارة المسيطرتين على الموقف الموصوف .
يطرح الترادف الدلالي مشكلة اختلاف العناصر الدلالية التي تكون متشابهة على المستوى التركيبي ، لذلك فإن الاستبدال أو التعويض بين بعض المدلولات الشعرية يبرز عدة اختلافات صرفية . فالكلمات المترادفة على مستوى الدوال التي يطبق عليها مبدأ الإبدالSUBSTITUTION أو التوزيع DISTRIBUTION لاتخلق أية اختلافات بين المدلولات . يبرز التوزيع وجود تناسق بين دلالة الوحدة وبين توزيعها ، حيث توضع الكلمة المقصودة على محور المركبات :
أ _ تفجرت من الأرض اثنتا عشرة عينا .
ب _ سلمه أجرته عينا .
ج _ فاضت عيناه بالدموع .
د _ تندس عيون الحاكم بين الناس .
وَالحَقِيقةُ أن موضوع الترادف الشعري لا يقتصر بالنسبة للعملين المحللين على الكلمات المعجمية التي تم حصرها وإحصاؤها فقط ، بل إنه يستند إلى المعجم الشعري البنيوي بأكمله . فالمرجع REFERENCE أو السياق CONTEXTهو الذي يحدد العلاقات والوظائف المتنوعة الخاصة بالكلمات المترادفة . تحل التراكيب والسياقات بقواعدها وخصائصها المتميزة الشعرية المتنوعة أنواع الغموض التي قد تصيب بعض الكلمات على مستوى الدوال أو المدلولات كقولنا :
أ _ إن الحب الصوفي يجعل الشاعر يزهد في مباهج الحياة الدنيا .
ب _ إن الحب المالي يجعل الشاعر يزهد في مباهج الحياة الدنيا .
يَعْتَمِدُ تحليلُ الترادف اللفظي هنا على مجموعة من السمات والقيم التمييزية المرتبطة بالأشكال والمعاني مثل : حي ، جامد ، إنساني ، حيوان … لذلك فإن موضوع الترادف يتجاوز مستوى البنى السطحيةSURFACE STRUCURES ( = الظاهرة ) ليبرز دوره جلي المعالم عن طريق عدة تحويلات توليدية GENERATIVE TRANSFORMATIONS تجسد الأصل الذي يستند إلى البنى العميقة ( المُقَدَّرة ) DEEP STRUCTURES .
يَبْرُزُ لنا الإحصاء المعجمي أن الكلمات الشعرية المترادفة تخلق نوعا من فئات التعادل (9 ) بين عدة جمل بانية لقصائد الديوانين ، إذ إن التحليل السيميائي SEMIOTIC ANALYSIS يرصد هذه الكلمات الشعرية المترادفة ، وخاصة تلك التي تحمل سمات تحديدية متطابقة كما في الأمثلة التالية :
1 _ من ديوان ( حورية العاشق ) :
_ يلملم ما قد سفحت
ويجمع ما باعدته الشتات ( ص 16 ) .
_ الحب ما أوحت به عيناك من لجج
وفي هواك الذي يجدي هو الغرق ( ص 42 ) .
_ وأعطي له ما يفوق التوهج في الاشتعال
وأوصل منه التماع النهى ( ص 68 ) .
يدلُّ فعُل ( يُلَمْلِمُ ) على حدث حالي أو استقبالي يخص الجمع والحشد للأشياء المتناثرة أو المبعثرة وتنظيمها على نحو معين . أما فعل ( يجمع ) فهو مرادف له ، حيث إن الفعلين يملكان نفس السمات والملامح الدلالية المشتركة ( حشد كل ما هو مشتت وتنسيق كل ما هو متفرق …) . يسري التحليل عينه على الكلمات المترادفة الموجودة بالأبيات الأخرى : الحب / الهوى ، التوهج / الالتماع...
2 _ من ديوان ( لا يتشابه الشجر ) :
_ أشق الحجر الصلد طريقا للنجاة
وعروق الصخر من آن لآن
تفتح الفتنة قدامي بصيصا ( ص 5 ) .
_ لهذا المكان رائحة
من خليط ( العود ) و ( الصندل ) و ( والكاذي )
وزهر البيلسان ( ص 25 ) .
_ كأن السنين وما مر بها ،
وما آل إليه الزمان ( ص 32 ) .
_ دمعها يستغيث ..
على وجهها يستجير ملك ( ص 43 ) .
_ مسحت دمعي ودمي ..
ضمدت جرحي
وضمت بحنان موضعه ( ص60 ) .
_ فاجأ الصبح تراتيل فراق
شط بالنأي ولم تلحق به
مهجة الساري وعطشى العيس
والقلب الضنين ( ص 95 ) .
_ وما الكلمات رهان العصافير ، إذا زقزقت
يطير الصباح على جنحها شقشقات ( ص 124 ) .
_ شعت دموع للأساطير التي رويت
وانهل إشراق لآيات بها شرقوا ( ص ، 140 ) .
نَجِدُ هنا أن الفعل المضارع ( أشقُّ ) يرادف الفعل ( أفتحُ ) ، فهما معا يتوفران على نفس الملامح الدلالية المشتركة ( الولوج بطريقة محكمة العمل إلى شيء كان موصدا ومستعصيا ، وهو ما يبرز مستوى المكابدة والجهاد في الفعل وتداول الحدث…) . تحمل الكلمات المترادفة المتبقية نفس السمات الدلالية SEMANTIC TRAITS المشتركة : رائحة ( العود ) و( الصندل ) و ( الكاذي ) ، السنين / الزمان ، يستغيث / يستجير ، مسح / ضمد / ضم ، فراق / نأي ، مهجة / القلب ، زقزقت / شقشقات ، شعت / إشراق …
تُبَلْوِرُ هذه الكلمات الشعرية المترادفة المستقاة من المتنين المدروسين ، جانبين مهمين :
1 _ خصائص السياق الشعري في العملين .
2 _ الزينة اللفظية الشائعة في الشعر العربي المعاصر .
إن َّالكلمات الشعرية المترادفة التي تنتجها (( ذاكرة الناظم )) لبناء موضوعات THEMS دوانيه الاثنين ( حورية العاشق + لا يتشابه الشجر ) تُلْغِي تعدُّدَ وتنوعَ المقابلات والاختلافات في المعنى ، فتصبح عملية تلازم لساني متبادل … نجد أن السمات المشتركة بين فعل ( يلملم ) وفعل ( يجمع ) وكذلك الكلمات الأخرى : الحب / الهوى ، التوهج / الالتماع ، أشق / أفتح ، رائحة ( العود ) / ( الصندل ) / ( الكاذي ) ، السنين / الزمان ، يستغيث / يستجير ، مسح / ضمد / ضم ، فراق / نأي ، مهجة / قلب ، زقزقت / شقشقات ، شعت / إشراق ، لا تعالج المعاني الأسلوبية العربية الخاصة بهذه الكلمات . ففي كل ثنائية مترادفة تكون إحدى الكلمتين الشعريتين أقوى من الأخرى نظرا لتعدد المستويات اللغوية العربية المعاصرة في مجال القريض ، كما أن بعض الكلمات الشعرية المترادفة المذكورة قد يحمل شحنة عاطفية أكثر من غيره نظرا لتجسيده علاقات حميمية قوية ، مثل : المهجة _ القلب ، الحب _ الهوى ... قد يدخل بعض هذه الكلمات الشعرية في أنواع من السياقات والمعاني المجازية والإيحائية ، المؤسسة لمضامين قصائد الديوانين : التوهج _ الالتماع ، المسح _ التضميد ، الإشعاع _ الإشراق…
لاَ تَحْوِي الكلماتُ المعجمية ، التي تنتجها (( ذاكرة )) المبدع لبناء فن قريض عربي معاصر نفس المكونات والصور الفنية وإن عانقت نفس القصد والمقام . فكلمة ( زقزقت) ليست مرادفة قي جميع المقاصد والمقامات لكلمة ( شقشقات ) وكذلك كلمة ( مسح ) بالنسبة لكلمتي ( ضمد ، ضم ) … قد نجد أحيانا تشابها بين بعض الكلمات المعجمية العربية الموظفة في الديوانين ، لكن تبقى مع ذلك لكل كلمة شعرية مترادفة سمة أو إحدى القيم الخاصة التي تميزها عن باقي الكلمات الأخرى المنتمية إلى نفس الجنس ، خاصة على مستوى الشكل والصيغة التي ترد عليها .
تَرْتبطُ الكلماتُ الشعرية المترادفة في الديوانين المدروسين بالمدلولات التي يرمي إليها الناظم . مع العلم أن هذه الكلمات التي تنبع من ذاكرته ليست متطابقة تماما ، ولا ترقى إلى إقامة تبادلات سياقية كاملة وشاملة بين بعضها على جميع المستويات …
تحملُ الكلمات المعجمية التي يوظفها علي عبد الله خليفة بين طياتها فروعا متعددة تتعلق بأشكال المعنى ( أسلوبي ، نفسي ، إيحائي ، أساسي ، إضافي ).
يُصبحُ (( الترادف الشعري )) POETIC SYNONYM المنتشر داخل بعض القصائد المدروسة ثريًّا وعمليًّا نتيجة للاحتكاك بالاستعمالات العربية المتخصصة عن طريق التناص والقراءة (10 ) المتنوعة .
يطرح موضوع الترادف في بعض الدراسات اللسانية الدلالية المعاصرة ، من خلال مظهرين مهمين ، هما :
أ _ الترادف على مستوى فئات التعادل EQUIVALENCE CLASS، كما طرحها زليج هاريس ، أثناء تحليله لبعض المتواليات المتعلقة بالخطاب الاشهاري.
ب _ الترادف والتحويلات TRANSFORMATIONSاللسانية كما عند التوليديين (11).
ثالثا ) التضاد الشعري :
يَقومُ التَّضادُ بالنسبة للكلمات الشعرية المنتشرة بين ثنايا قصائد متن ( حورية العاشق ) ومتن ( لا يتشابه الشجر ) على تقابل حوالي ( 50 ) كلمة في العمل الأول وما يقارب ( 60 ) كلمة في العمل الثاني . تختلف هذه الكلمات من حيث الإنجاز الصوتي PHONOLOGICAL PERFORMANCE والاستعمال المتداول في مملكة البحرين والبلدان العربية الأخرى تبعا لاختلاف المناطق و(( الجماعة )) COMMUNAUTYاللسانية التي تستخدمها عبر فترات التاريخ ...
تَضمُّ الكلماتُ المتقابلة داخل العملين المحللين عدة أنواع من التضاد :
أ _ كلمات شعرية متضادة دون أية سلمية أو درجات ، مثل قوله في قصيدة ( قبرات الحنين ) المنتمية لديوان ( حورية العاشق ) ، ص 77 :
تزوجني البحر ، كدت أموت ، تذكرت
وجد المحبين .. أين الحياة وأين الذي في الكتاب ؟
وفي قصيدة ( اختراق ) الموجودة في ديوان ( لا يتشابه الشجر ) ، ص 42 نقرأ قول الشاعر :
وما عذاب الروح الذي نفنى ويبعثنا
يَظْهَرُ التَّضادُ بين هذه الكلمات الشعرية واضحا على مستوى التقابل أو الطباق الحاصل بين (( الموت _ الحياة )) في البيتين الأولين ، و(( الفناء _ البعث )) في البيتين الأخيرين ، فلانجد أي تدرج بين (( أموت _ الحياة )) أو (( نفنى _ يبعثنا )) ، حيث يقع التركيز على شق معين ، مما ينفي الشق الثاني . فالقول (( كدت أموت )) يعني قلة فرصة الحياة والبقاء . لا ترتبط كلملتا ( الموت ) و ( الحياة ) أو ( الفناء ) و ( البعث ) في مجال القريض العربي المعاصر بأي تقويم أو رأي خاص تتدخل فيه (( ذاكرة )) الناظم ، كما أن هذين الطرفين المتناقضين لا يجتمعان ولايمكن تصديقهما أو تكذيبهما بناء على وجهة نظر معينة ...
ب _ كلمات شعرية متضادة حسب سلمية أو درجات معينة مثل قوله في ديوان ( حورية العاشق ) ، ص : 10
سؤال وأشرعة من زبد
وهذا السحاب
فكلمتا ( الزبد ) و ( السحاب ) نجد لهما ضدا مشتركا هو ( الصفاء ) ، لذلك فإن التضاد بين : الزبد _ الصفاء والسحاب _ الصفاء يستند إلى سلمية متدرجة ؛ إذ إن التقابل بين هذين الطرفين المتناقضين لايعني الاعتراف بالطرف الآخر ، لأنهما قد يفندان ؛ أي عدم وجود شيء محدد ينطبق عليهما نظرا لوجود وسط بينهما . فإنجاز (( ذاكرة الشاعر )) للنموذج السابق يعني أن السماء قد اكفهرَّتْ وتلبَّدتْ بالمُزْنِ ولم تبقَ صافية الأديم بالنسبة للمنظر العام المرتبط بالصحو ، وجلاء الرؤية واحتجاب الحيرة والتساؤلات عند المهتمين بهذا الأمر . يقول الناظم في الصفحة 45 من ديوان ( لا يتشابه الشجر ) :
أنير لها في الطريق الحلك
يَرْتبِطُ القصدُ INTENTION من وراء هذا القول بعقلية الشخصية المخاطبة ومستوى وعيها ، وكذلك بنوعية وانتماء المتلقي العربي المتمرس المؤول لهذا البيت الشعري . فالإنارة وسط الظلام الحالك تختلف من شخص إلى آخر ، فهي ترتبط بالبيئة ونوع التربية والسن . نجد بعضهم يعد هذه الإنارة عبارة عن عملية إقصاء للخوف والتخيلات النفسية المزعجة المتصلة بكل سواد دامس وغامض ، حيث لا يصبح الأمر جلي المعالم ، وبعضهم الآخر يعدها هداية ونصحا غير مباشر أو توجيها معينا يرشده إلى الحياة النافعة.
ت _ كلمات شعرية متعارضة : تقيم (( ذاكرة الناظم )) هنا علاقات محددة بين زوجين .
يقول في ديوان ( حورية العاشق ) :
_ وأشرق خفق بعيد .. قريب ( ص 72 ) .
_ اثنان ، في النأي المبرح ، أطلقا
عند اللقاء حمائما .. ( ص 106 ) .
يُوجدُ بين الكلمات الشعرية السابقة المتقابلة ( بعيد _ قريب ) و( النأي _ اللقاء ) تضايفٌ كبيرٌ ، حيث تستلزم إحداهما الأخرى على مستوى (( درجة اتصال أو انفصال الخفق بالشخص المعني تبعا لطول أو قصر المسافة الخاصة المرتبطة بفضاء مكاني … )) ، كما أن (( تغير حال الفراق أو البعد قد فرض انبثاق الفرحة والسلام عند الوصال واللقاء …)) . يخلق هذا التضايف الحاصل بين الكلمتين المتضادتين عملية تبادل مستمر واستراتيجية كر وفر دائم أثناء العمل المتأرجح بين الطرفين .
ث _ كلمات شعرية متضادة بناء على الجهة المقصودة من وراء الإنجاز الشعري مثلما نجد في بعض قصائد ديوان ( حورية العاشق ) : يرحل _ يبقى ، حضور _ غياب ، فراق _ وصل ، يروينا _ يظمينا ، سري _ جهري ، طليق _ حبيس ، الصباح _ المساء ، صحوة _ منام …
تَحْوِي عدة قصائد تابعة لديوان ( لا يتشابه الشجر ) كلمات شعرية تنتمي إلى الصنف السابق نفسه : ظلمة الحبس _ نور الحرية ، يفلت _ يأسر ، طارت _ حطت ، نجاة _ موت ، هرم _ شباب ، يضيء _ يخفت ، مر _ عذب ، تعرى _ اكتسى ، عدو _ صديق ، نسيان _ تذكر ، صعود _ انحدار ، سراب _ يقين ، جف _ قطر ، الحضور _ الغياب ، كتبت _ محوت ، بسمة _ انتكاسة …
ج _ كلمات شعرية متضادة جغرافيا : السماء _ الأرض ، الصحراء _ البحر ، الجبال _ البراري ، المدن _ القرى …يقع التضاد هنا بين سمات تكوين السماء وفيزيائها ، من حيث غلافها البديع وزرقتها المترامية الأطراف ، والأجرام ، والمصابيح المختلفة التي تزينها بالليل من جهة ، والأرض بتنوع تربتها وطبيعتها ، وعمرانها ، ومخلوقاتها المتعددة الصور من جهة أخرى . يسري التضاد عينه على المقابلة الحاصلة بين : الصحراء _ البحر ، الجبال _ البراري ، المدن _ القرى …
ح _ كلمات شعرية متضادة حسب وجود اشتقاق لغوي أو انعدامه : نعيش _ نموت ، محوت _ كتبت ، طارت _ حطت ، تعرى _ اكتسى ، يرحل _ يبقى ، يروينا _ يظمينا…
خ _ كلمات شعرية متضادة بالسلب والإيجاب : تقابل (( ذاكرة )) علي عبد الله خليفة في عدة قصائد بين كلمتي : كشف وسر وكذلك سر ويقين أو طليق وحبيس وغيرها من الكلمات الأخرى المتعددة الفلسفات والمعارف والتجاذب النصي TEXTUAL GRAVITATION في مجال القريض العربي المعاصر…
يُؤدِّي وجود كلمات متضادة متنوعة داخل بعض قصائد الديوانين المحللين إلى وضوح المعاني المقصودة وجلائها ، حيث إنها تنط إلى ذهن المتلقي العربي بسرعة . علاوة على هذا فإن الكلمات الشعرية التي أحصيناها من المنظور المعجمي تحمل قوة تعبيرية متميزة تبهر وتجذب المتلقي العربي المتمرس ، وهو ما يجعله ينجز تأويلاته الشخصية الخاصة ، من خلال (( جماعته اللسانية )) الخاصة ...
لاَ ترْكنُ الكلمات الشعرية العربية أحيانا في متن ( حورية العاشق ) ومتن ( لا يتشابه الشجر ) إلى القواعد الصرفية الخاصة بمقولة (( النوع )) ، إذ إنها تمارس عملية (( اغتصاب للمطابقة )) التي تتمُّ بين مكونات COMPONENTSبعض الجمل الشعرية ، لذلك تقع مقابلة الفعل مع اسم مضاد ( نموت _ الحياة ، يفلت _ أسير ، هرمت _ الشباب …) تبعا لخصوصية البناء اللغوي والضرورة الشعرية ، وبعض والانزياحات DEVIATIONS ، ونوع الإيقاع الصوتيPHONOLOGY المستخدم ، والمقام التداولي PRAGMATICالمقصود…
رابعا ) التكرار الشعري :
يعدُّ تكرار REPETITION بعض الكلمات أو العبارات CLAUSESالشعرية العربية الموظفة في الديوانين مهما وكثيفا . نجد ما يقارب ( 75 ) كلمة مكررة في ديوان ( حورية العاشق ) وما يفوق ( 100 ) كلمة في ديوان ( لا يتشابه الشجر ) . تتكون هذه الكلمات انطلاقا من نوع (( القانون اللغوي )) الذي تنتجه (( ذاكرة )) الناظم كنسق من العلامات اللسانية العربية الموجهة لشكل (( الرسالة الشعرية )) . إنها تتوخى إذاعتها بوعي وعمق بين المتلقين العرب المتمرسين .
يستندُ تكرارُ كلمات (( المعجم الشعري )) عند علي عبد الله خليفة إلى عدة جوانب ووسائل :
1 _ الموضوعاتTHEMES والقضايا PROPOSITIONS الشعرية ، المطروحة في الديوانين .
2 _ وسائل الإيضاح والإفهام الخاصة .
3 _ نوع المتلقي العربي .
4 _ طرق التوظيف البلاغي عند الناظم .
لاَ تَظْهرُ (( القدرة اللسانية )) LINGUISTIC COMPETENCE الشعرية هنا جلية باعتبارها كمية من المعلومات المرسلة إلى المتلقي العربي إلا إذا كانت كل الكلمات المستعملة تملك احتمالات متساوية في التكرار ، والتوزيع ، والاستبدال ضمن مواقع وسياقات محددة .
يُبلوِرُ تكرارُ بعض الكلمات الشعرية العربية داخل العملين المحللين السمات الآتية :
أ _ قوة تكرار أية كلمة عربية تبعا لرواجها وترددها ضمن (( معجم القريض العربي الاتفاقي )) CONVENTIONAL المعيار STANDARD .
ب _ معمارية / دينامية (( النسق اللساني )) العربي الشعري .
ج _ ثراء المعلومات التي تقدمها عملية التكرار .
ترَى فئةٌ من الزملاء الباحثين اللسانيين في موضوع التكرار الشعري أنه مجرد (( زينة أسلوبية )) ، لكن دراستنا لعملية (( الاتصال )) في مجال القريض ، من خلال المتنين المذكورين تبرز مدى دقة (( الاستعمال التقني )) الخاص بالكلمات المعجمية المكررة .
تُحددُ عمليةُ التكرار الشعري هنا نوع العلاقات الموجودة بين كمية المعلومات الأدبية الفعلية وأعلى مستوى معجمي يخص النسف اللساني العربي المفترض.
قد ينتج هذا الأمر عملية انزياح عن الوحدة اللسانية الشعرية التي تمثل الجذر.
إنَّ تكرارَ بعض الكلمات الشعرية التي تستخدمها (( ذاكرة الناظم )) ، يكشف عن تلك الطاقة اللسانية العربية المضمرة الفياضة التي لم يوظف منها إلا القليل في مجال القريض العربي .
ترَى فئةٌ ثانية من هؤلاء الزملاء الباحثين اللسانيين أن التكرار الشعري مملٌّ ولا يضيف أية معلومات جديدة ، لكننا نراه ثريًّا من المنظور الصوتي الوظيفي PHONOLOGICAL ، لأنه يرسم بعض مظاهر التنغيم INTONATION ، والنبر TONE ، والمقطع ويغير بعض الإيقاعات MELODY ، مما يجسد مشاعر الفرح ، والحزن ، والتسلط ، والخوف ، والتأهب ، والإدبار ، والتقاعس… التي لاتبرز على المستوى التركيبي الأفقي _ الخطي المتعلق بالنسق العربي الشعري وهذا يمثل قراءة جديدة للعمل المدروس .
تُقدِّمُ لنا بعض الآلات الصوتية المعملية الحديثة تحديدا لموضوع (( التكرار المعجمي )) في مجال القريض ، حيث تضبط المعلومات المتنوعة المرتبطة بكمية البث الخاص (( بالرسالة الشعرية )) بناء على وحدات الإحصاء المزدوج BIT المتصلة بالكلمات المعجمية .
تَتردَّدُ بعضُ المقاطعِ والجملِ والملفوظات ENUNCIATIONS والعبارات الشعرية عند علي عبد الله خليفة في هذا المستوى حسب موقع وزمن محددين . يؤدي هذا الإنجاز أيضا إلى إحصاء (( القدرة اللسانية )) الشعرية التي تحويها عملية (( تكرار المعجم الشعري )) في المتنين المحللين ، حيث تضبطها بطريقة لوغارثمية .
تبرز قلة التكرار الشعري الفرق بين القدرة الإبداعية الخاصة بالنسق اللساني العربي والكمية الضئيلة من المعلومات الشعرية الموجهة إلى المتلقي العربي . ف(( ذاكرة الشاعر )) لا تستغل إلا النزر اليسير من النسق اللساني العربي العام ، ولو استغلت سواده الأعظم لقدمت لهذا المتلقي معارف كاسحة وزاخرة تحرق جل مظاهر ذوقه البالي وتطوره وتنميه ، كما أنها تبني (( كونا شعريا )) POETIC UNIVERSE عربيا معاصرا استفزازيا يشكل مالم يشكل ، ويسمي مالم يسم ، ويعلم ما لم يعلم ...
إنَّ غيابَ عملية (( تكرار المعجم الشعري )) يبرز أن (( القدرة اللسانية )) العربية لم توظف بصورة كافية وملائمة ، وهو ما يجعل المعلومات المستخدمة قليلة وسطحية ومبعثرة… وعلى العكس من هذا فإن شيوع عملية (( تكرار المعجم الشعري )) يوضح أن (( الرسالة الفنية )) الخاصة بهذا الجنس الأدبي تحوي معلومات عميقة ملائمة ومتنوعة .
ونتيجةً لما سلف ، فإن عملية (( تكرار المعجم الشعري )) في ديواني ( حورية العاشق + لا يتشابه الشجر ) تقوم على عناصر إيجابية جد مهمة تساهم في بث رسالة قريض عربي معاصر متميز . تعد هذه العناصر السبب الأساسي في إثراء المعلومات المرسلة إلى المتلقي العربي وإيصال المقاصد التي يرمي إليها المبدع من وراء إنتاجه . نذكر بعض هذه العناصر وسماتها الخاصة المتميزة :
1 _ صلاحية وسيلة البث في الديوانين .
2 _ جودة ظروف الاستقبال للعملين بالنسبة للمتلقي العربي .
3 _ مراعاة قواعد النسق اللساني العربي .
4 _ انتقاء دوال عربية شعرية شيقة الإيقاعات .
5 _ استعمال وحدات صرفية ومعجمية مقبولة .
6 _ توظيف دلالات عربية جلية .
يَبْرُزُ تكرارُ بعض الكلمات الشعرية في ديوان ( حورية العاشق ) وديوان ( لا يتشابه الشجر ) أن النظام اللغوي في هذين الإنجازين الأدبيين يتأسس على (( عملية نصية مضمرة )) تبتغي إعادة (( تبئير )) FOCUS كلمات شعرية بعينها لإثارة انتباه المتلقي العربي وإفهامه معنى معينا .
تتجلَّى خصوصيةُ النسق اللساني العربي في المجال الشعري عن طريق عملية التكرار ، حيث تطلعنا على (( المظهر الخلاَّق )) CREATIVE ASPECT الاقتصادي لهذا النسق : إن استعمال (( ذاكرة الشاعر )) لعدد قليل من العلامات اللسانية العربية يبرز أن (( رسالة الشعر )) تبث أكبر كمية من المعلومات و تستخدم وسائل منتهية لتوليد مالا نهاية له من جمل القريض العميقة المدهشة . تحدد هذه العملية جانبين مهمين :
أ _ تكرار وتردد بعض الكلمات العربية دون غيرها .
ب _ وجود علاقات صوتية وصرفية وتركيبية ومعجمية خاصة بعملية التكرار المعجمي في المجال الشعري …
سمات الإبداع والحداثة عند الشاعر :
لَقدْ أنتجَ علي عبد الله خليفة هذين العملين المدهشين مستندا إلى رؤية شعرية متميزة ووعي مثير بالعالم . إنه يعرض ثقافة عربية (( حداثية )) بوسائلها ومنطقها الخاص . يعانق معجمه في الصدد ثقافة المتلقي العربي الضليع التي ترتبط باللغة العربية الشعرية المعاصرة ذات الدوال الواقعية المتداخلة المعارف ، والحقول ، والمفاهيم الرائقة ... نجده يستعمل علامات لسانية عميقة وكثيرة التناسل والتفريخ ، حيث يربطها بالخطاب الشعبي ، والفلكلوري ؛ اليومي العربي المعيش …
يتجاذب ( يتناصُّ ) شعره العربي الحداثي مع التراث القديم بشتى ألوانه ، مما يخلق تعايشا وحوارات عملية متعددة بين الاتجاهات والأساليب المختلفة . تكتنز مقاصد العملين المحللين أيديولوجية عربية بها (( شورى حداثية )) و(( حوار حضارات )) وثقافة اجتماعية متفتحة . يتوخى الناظم هنا خلق أنماط من الجمال ، واللذة والسعادة ، والاتصال العملي بالنسبة للمتلقي العربي ليطمس بعض الفوارق والصراعات المتعلقة بالمظاهر والأشكال الزائفة ...
تَسْعَى (( ذاكرة الشاعر )) في هذين الإبداعين إلى تفكيك الموروث الشعري العربي القديم وإعادة قراءته وتركيبه بغية بنائه بناء لسانيا جديدا يساير أطاريح (( الحداثة الشعرية )) وينهج طرقا متراصة تهتم بالكشف والتجريب . يبرز عمل هذه الذاكرة جليا من حيث نوع السَّبْك التركيبي COHESION والحَبْك الدلالي COHERENCE والتداولي ، لذلك فإنه لاوجود لقريض عربي معاصر مهما اختلفت موضوعاته وأغراضه وسياقاته وعلاقاته ووظائفه البنيوية الداخلية خارج هذه (( الذاكرة المبدعة )) ، فهي التي تغدقُ عليه صنوفًا من الإنجازات والدلالات المتطورة وتمنحه سرَّ الوجود والماهيَّة الفلسفية والنفسية _ التربوية والثقافية _ الاجتماعية.
تتميز عملية الإبداع الشعري في الديوانين المدروسين بالسمات التالية :
أ _ مواجهة الذات عن طريق التجاذب مع التراث القديم وقراءته بشكل حسن النية ؛ أي متمرس وهادف .
ب _ إنتاج قريض مشهدي متنوع .
ج _ صراع بين الاتباع والإبداع .
د _ تغيير نظام السرد بالنسبة لبنية (( ذاكرة الشاعر)) : وجود بعض الاختراقات كالحلم ، والأسطورة ، والانفصال ، وتقطع التسلسل الزمني وتداخل عدة سياقات …
ه _ غياب المطلق والانغماس في البعد التاريخي العربي الواقعي المتغير .
و _ توحيد بين الذات والموضوع ، والدال والمدلول ، والجمال ، والاتصال ، والالتزام ، والإبداع ، والعقل ، والحلم ، والروح ، والزمن ، والفن ، والسياسة …
يَتمَّيزُ النسقُ الشعري الحداثي عند علي عبد الله خليفة من خلال معجمه الكلي الشمولي المتنوع التمظهرات والتجليات ولغته الصوفية ... نجده يوظف بعضا من هذا المعجم الصوفي للبحث عن السبيل القويم ، والمصير المنشود ، والمعتقد المتين . يصبح المعجم الشعري هنا ذو بعد إنساني كبير ؛ إذ إنه يعرض علينا رؤية واقعية وظيفية للحظة التاريخية والواقع العربي المعيش (11 ) .
تُبْرِزُ لنا المقاربةُ اللسانية النصية المطبقة على المتنين المحللين تفردهما ببعض السمات :
1 _ تقديم النسق الشعري الموظف لتحولات ورؤى ومشروع حضاري نهضوي مهم .
2 _ المقابلة بين شخصية الإنسان العربي وعدة قوانين وأوامر وقوى خارجية متنوعة.
3 _ خلافته في الأرض وأهليته لتفسير نظام الأشياء ، والإعراب عن سلوكيات مختلفة ، وإفشاء سر المضمر ، والتطلع إلى التغيير …
4 _ توسيع رقعة النصوص الشعرية في الديوانين من أجل احتضان الجانب الفلسفي ، والمعرفي ، والرمزي ، والدلالات غير المباشرة ، والاختراقات ، والعلامات الصوتية المتعددة ...
5 _ تنوع كلمات معجم القريض عند الشاعر : الموت / الحياة ، الحب / الهوى ، السر / اليقين ، النور / الظلام ، اللقاء / الفراق ، الحبس / الانعتاق ، التوهج / الخفوت ، والانطفاء ، التعري / التدثر والتزمل ، الارتواء / الظمأ ، الفتح / الإغلاق ، الإقدام / الإدبار
تَمْلِكُ العلاماتُ اللسانية العربية الشعرية التي ينتجها علي عبدا لله خليفة أصالة ومشروعية كبيرة ، حيث إنها تخلق عملية اتصال تداولي بين هذا المبدع ومتلقيه بناء على نسق عربي اتفاقي _ معياري تبادلي يربط بينهما . يمثل هؤلاء المتلقون العرب (( ذاتا فاعلة )) تساهم في إنجاز نصوص شاعرنا ، لأنها تعد أحد عناصره المكونة . تتسم لغة العملين المدروسين ببعض المحايدة وقلة الشفافية والمخاتلة الطبيعية من أجل إنتاج معان متعددة ، كما تتنوع الإيحاءات ، والمطابقات ، والمجازات المرتبطة بآليات بناء نصوص الديوانين معا .
والواقع أن هذين الإنجازين الشعريين يتأسسان على عدة مستويات لسانية تحليلية محورية :
أ _ المستوى الصوتي وبناه الإيقاعية التفعيلية المتداولة .
ب _ المستوى الصرفي بكل تشكلاته ومظاهره واشتقاقاته عند إنتاج كل بنية لغوية ثرية مؤسسة لمعنى شعري متلاحم غير قابل للتجزيء .
تظهر هنا (( شعرية )) POETIC العملين جلية المعالم من خلال استعمال لغة عربية غنية ، تستلهم عدة حقول معرفية تتخطى حدود النحو ، والدلالة الطبيعية ، والسياق العادي الذي تبلوره الجمل الشعرية الظاهرة .
ج _ المستوى التركيبي SYNTACTIC : يبرز الدلالة الكلية للنصوص التي تخضع لقواعد بناء الجمل النحوية … نجد في هذا المستوى تطبيقا مهما لجل أقسام الكلام والأبواب والقضايا والمقولات النحوية العربية . تتنوع النصوص الشعرية وقواعد الإنتاج عند الناظم تبعا لتنوع القواعد التحولية كما عند التوليديين.
لَقدْ خلقتِ الأشكالُ الشعرية التي قدَّمها لنا الناظم دلالات متنوعة ومدهشة ، كما أن مقاربتنا اللسانية النصية قد أبرزت أن هذه الدلالات هي الحاملة لكل أشكال القريض ، من خلال تجليات أنساقه البنيوية .
تَرْتبِطُ (( شعرية )) POETICالعملين بطبيعة النصوص التي تشكلهما ، فهي عبارة عن قواعد إنتاج دلالي مترابط تجد لها حياة وفعالية كبيرة داخل هذه النصوص ، إذ إنها تبني جمهرة من الانتظامات والتناسقات الضابطة للبنى النصية والناشرة لتأثيراتها المتعددة .
تُجسِّدُ هذه (( الشعرية )) POETICعند علي عبد الله خليفة رؤية خاصة تحمل بين جوانحها منهجا بارز المعالم النظرية ، حيث تتبلور عن طريق المعجم الشعري المستخدم لتشكل عملية إبداع للقريض في ذاته ونتاج له وليست تجريدا أو إسقاطات دخيلة ...
د _ المستوى الرمزي : يقوم ديوان ( حورية العاشق ) و ديوان ( لا يتشابه الشجر ) على نسق سيميائي SEMIOTIC عربي حداثي متميز . يوظف الناظم هنا فروعا كثيرة من التجاذب النصي المتنوع الحقول والمعارف :
أ _ الحقل الديني والصوفي بمختلف الرموز والمقاصد .
ب _ الحقل الاجتماعي والثقافي العربي المتغير .
ج _ الحقل الجمالي والفكري العربي من خلال سمات خاصة في النظم .
د _ الحقل التاريخي بوقائعه وأحداثه الاستلهامية التمثيلية المستنهضة للهمم ، والخطط ، والمشروعات ، والاستشرافات .
يُمثلُ الإبداعُ الشعري في هذين الإنجازين عملية فنية ترصد أنشطة إنسانية تروجها كل القصائد المرتبطة بمحيط أيديولوجي بحريني وعربي محدد . يستعمل الشاعر لغة عربية تداولية تهم ترسيخ السلطة العامة بكافة أشكالها وتنميط الحركة الاجتماعية البحرينية والعربية تبعا لمسار هذه السلطة العامة .
تقومُ (( اللغة الشعرية )) المشكلة للمتنين المحللين على بنى تتحرك في فضاءات مستقلة ، مما يجعلها تتجاوز هيمنة السلطة الاجتماعية ، والثقافية ، واللسانية لبناء شرعيتها الخاصة غير المتواكلة على غيرها . تؤسس هذه اللغة الواقع العربي حسب مرجعية جديدة ذات سحر ولذة عجائبية وسلطة تداولية.
تَتميزُ عمليةُ الإبداع الشعري عند علي عبد الله خليفة بانتمائها إلى شعر الحداثة العربي الذي تحركه ثلاثة أنواع من الإنجاز اللساني :
1 _ الإبهام AMBIGUITY .
2 _ الاتصال / الانفصال بين التركيب والدلالة .
3 _ الوظيفة المتطورة .
تَتألَّفُ النصوصُ الشعرية المدروسة من جمل عربية دلالية متنوعة ، وملفوظات CLAUSES ترسم مختلف العلاقات والوظائف بين الموضوعات ومحمولاتها . تتعدد الفعاليات النصية الخاصة بالوحدات اللسانية البانية للجمل الشعرية تبعا لتعدد الأصوات POLYPHONY داخل بعص القصائد ، أثناء استعمال الشاعر لبعض الحوارات والتبادلات اللسانية بين الطرفين ( الشاعر والحبيبة ، الشاعر والمجتمع ، الشاعر والتراث ، الشاعر والكون …) . يبرز هذا التعدد في الأصوات عدة أنواع من التباين والاختلاف في الموقف والأفكار والرؤية للعالم بين الطرفين .
تَتحرَّكُ العناصرُ المكونة للإبداع الشعري عند علي عبد الله خليفة بناء على أربعة عناصر محورية :
أ _ لغة عربية متميزة بمعجمها الخاص .
ب _ مستوى صوتي وظيفي بإيقاعاته الجمالية التداولية PRAGMATIC المتنوعة .
ج _ أشكال بلاغية شيقة وثرية .
د _ مضمون فكري حداثي استشرافي .
لذلك فإنَّ القيمةَ الفنية الكبرى لعملية الإبداع الشعري في هذين العملين المدروسين تتجلى بمختلف سماتها من خلال اتساق وتلاحم العناصر المحورية السابقة على مستوى التراكيب والدلالات ، وهو ما يخلق (( كونا شعريا)) POETIC UNIVERSE متلاحم البنى .
إنَّ طريقةَ تعامل الناظم مع بعض الأشكال الشعرية الحداثية تنطلق من رؤية متمرسة بطبيعة التراث الإبداعي وعدم الانقطاع عنه (13) ... لقد منح هذا التوجه لبعض من نصوصه إيقاعات ثرية تنوع بين الضبط التماثلي والتشكيل الشعري الحر ، كما أن المستوى الصوتي PHONOLOGICAL قد ساهم في بناء الدلالة الكلية لقصائد الديوانين معا ومعانيها المرتبطة بالسياقات الخارجية .
تَقومُ الإنجازاتُ اللسانية العربية عند شاعرنا على سمات خاصة تسيطر إلى نصوص الديوانين برمتها :
1 _ المعادلة بين جماليات الدوال الصوتية للقريض وجماليات الرؤية الفكرية الخاصة.
2 _ الاستخدام لقسط من التداخل INTERFERENCE ، والمستويات اللغوية باعتماد بعض المصطلحات العلمية .
تُعبِّرُ (( شعرية )) POETIC المبدع هنا عن طبيعة المرحلة التي يعيشها وطبيعة النمط الثقافي المهيمن عليها بناء على الازدواج DIGLOSSY ، أو التعدد في بعض المفاهيم الموظفة ( الأوكسجين ، النيون ، إسفلت …) .
3 _ الارتباط الوثيق بين الصور الشعرية والانفعالات النفسية من جهة ، والواقع الاجتماعي _ الثقافي البحريني والعربي ورؤية الشاعر المتميزة من جهة أخرى .
4 _ الانسجام بين الخصائص الجمالية والفكرية داخل (( كون شعري )) POETIC UNIVERSE منظم بسياقاته وفضاءاته الزمكانية .
تَخْلُقُ اْلسِّماتُ الخاصَّة بهذا الإبداع الشعري الحداثي نسقا جماليا ومعرفيا يربط بين التراث العربي والإنساني بجل أنماطه بناء على (( رسالة )) اتصالية متميزة ، لذلك فإن سماته الفنية تبرز لنا خصوصية رؤية الشاعر الإبداعية والفكرية عن طريق المعجم الموظف ، والعلاقات ، والقيم ، وطرائق النظمPOETIC الشخصي .
يُعبِّرُ هذَا القريضُ عن موضوعات وقضايا أدبية ، وتجارب إنسانية مهمة ( الحب ، العمران البشري ، العلاقات الاجتماعية ، الرحلات ، الصراعات ، الحياة / الموت ، التراث ، جمال القول وطيبته ، جمال الكون والخلافة فيه ، سر الوجود ، المصير ، الوعي بالعالم ، الآخر ، انفعالات الذات وتنوع تجليات الموضوع ، الاغتراب ، النفي …) .
تَتمَّيزُ قصائدُ الديوانين بطابعها الواقعي وابتعادها عن الرومانسية السطحية المتجاوزة . إنها تنطلق من تجارب حياتية معيشة ساخنة ومتغيرات اجتماعية ملموسة تعانق جل المعارف الذهنية المشتركة بين المتلقين العرب المتمرسين . يبني المبدع هنا خطابا تواصليا يتجاوز النماذج العربية السردية القديمة . نجده يوظف في هذا الصدد ضمائر الخطاب :
1 _ في ديوان ( حورية العاشق ) :
_ تبدين رائعة
حين يزهر بين يديك
الآس ، وينتشي الحبق ( ص 25 )
_ ما الذي كنت تريدين ؟ !
لماذا حدقت عيناك في وجهي طويلا ؟ ( ص36 ) .
_ يا وردة عشقي ،
هاأني قد جئت إليك يسابقني قلبي
فخذيني بين يديك
خذي مني تعبا .. وترا ، ضميني ( ص60 ) .
_ وقالت لسرب اليمام : انطلق إثرها ! ( ص75 ) .
_ قالت : جفلت ، وكدت أصدق
إن المكان مشاع لمن يطرق الباب
انك في كل حال تبيع على السابلين الثمر
وانك تؤوي السلاحف
تعطي الضفادع للجهر أسبابها
كاد قلبي يصدق ما لا يطيق
********************
قلت : هذي بلاد مشرعة الباب
مفتوحة للعبور بحكم الزلازل
2 _ في ديوان ( لا يتشابه الشجر ) :
_ قفي ، واستأنسي الطوب في الجدران
حصى الممرات .. خليط ما يلغو به السائحون
ارتحلي عبر انسراب الماء في نسغ النبات
أما ترين الوردة النادية القد في الردهة
وجها لامرأة .. ؟
تأملي الأفياء ، والنوافير ، وشكل احتشاد الزهور ( ص33 )
_ أنت في أغلال طاغ من بنيك
يتغشاك الذهول ( ص 74 ) .
_ فرحماك ، قل لي أي الذنوب أخف
عذابك فيها مرير وعذب ( ص 84 ) .
_ ساهم أنت ، وأطياف حفيف
تعبر الآن وزخات وجوه
لأناس طيبين
بادلوك الحلم ، لكن الهديل
فاجأ الصبح تراتيل فراق ( ص 94 ، 95 ) .
_ فافتح نوافذ صبرك ..
مرر على الأفق عند الضحى
حجة المستهام . ( ص124 ) .
تَجْعَلُ هذه الضمائر الناظم يندمج مع متلقيه في محاورة ومناظرة المجتمع البحريني والعربي والأحبة ومساكنهم والمدن والوطن من جهة والإنسان بمختلف عرقياته وانتماءاته وبعض مظاهر الكون والحياة من جهة ثانية . يستعمل في هذه الحوارات طريقة فلسفية وحكمية رقيقة .
تُوزِّعُ (( ذاكرة الشاعر )) أسلوبَ النداء بين ثنايا عدة قصائد . إنها تستخدم في بنائه سمات سردية عربية معاصرة ، مما يخلق صورا متنوعة تعانق بعض جزئيات الحياة البحرينية والعربية والمشاهد البصرية اللافتة للنظر :
1 _ في ديوان ( حورية العاشق ) :
_ يا أندى زهور الكون ، يادفلى
صباح ينعش الدنيا ، ( ص 17 ) .
_ يا وردة عشقي ،
حين ينام الناس
وتطفأ أنوار الشرفات
يظل وحيدا زورق ليلي ( ص 59 ) .
_ يا قبلة لم تسارع نحونا غسقا
أرجوك أرجوك يا قبلة الشوق نادينا ( ص 86 ) .
2_ في ديوان _ لا يتشابه الشجر ) :
_ يا فتنة الحلم ، أيا لغة للشعر
مسحورة على لسان العاشق الوجد .. ( ص 42 ) .
_ يا سيدتي ، هرمت ن غير انك الشباب كله
بداخلي ، وانك الحياة ثرة ومترعة ( ص68 ) .
_ أيا ظهر صيف الخليج ،
لقد فاتني أن أرى طائرا ( ص 118 ) .
_ يا سكر الأعناب ،
قد مرت بأوردتي
كل الخيالات التي قد ظنها قلقي ( ص151 ) .
يَقومُ أسلوبُ النداء في الشعر العربي المعاصر على حوارات سردية موزونة ، يؤثثها معجم لساني ذو كلمات راقية حامية . تتنوع فيه الصور والصيغ الحوارية الوصفية الجديدة ، حيث نجدها أحيانا تنحرف عن الاستعارات والرموز العربية الشعرية القديمة . إنها تمثل نماذج معاصرة تمتزج بواقع المتلقين وهمومهم وثقافتهم ، وأحوال المدنية ، والعولمة ، واغتراب النفس ، وفوضى المصطلحات اللغوية ... يمثل أسلوب النداء هنا تجسيدا فعليا لحياة المتلقين العرب الذين يخاطبهم المبدع في ديوانيه الاثنين( حورية العاشق+ لا يتشابه الشجر) ...
يَرْسُمُ علي عبد الله خليفة صورا كثيرة تلتحم بموضوعات وقضايا الحداثة الشعرية العربية وثقافتها الخاصة :
أ _ الصراعات المختلفة والنفي والاغتراب ورثاء النفس والنقد المتنوع ...
ب _ البعد التداولي لوصف الفضاء والناس والألوان والإيقاعات ...
ج _ الاستلهام المتنوع للتراث واستخدام المثل والحكمة .
د _ تعدد الأشكال التعبيرية والغموض والتجريب المتفرد ...
ه _ حداثة الإخراج STAGINGللقصائد وتنوع عناصر السيناريو الخاص بها وتغير العلاقة بالمتلقي وسلطته …
و _ خصوصية البنى التركيبية والدلالية للنص الشعري المعاصر وثراؤها .
ي _ البعد الرمزي والفلسفي للمقاصد INTENTIONS .
تَتَنَوَّعُ طرائقُ الوصف ، والسرد في العملين المدروسين ، مما يدرجهما في إطار شعر الحداثة العربية ويقلل من شأن الغنائية LYRICALالقديمة وينشر الأيقونات التمثيلية باعتبارها علامات تصور نماذج متخيلة .
والواقع أن الخصائص الجمالية والفكرية البانية للديوانين تبرز متسقة ومتماسكة على مستوى التراكيب والدلالات . نجد الناظم ينتقي بكل رقة وعمق البنى الصوتية المكونة لجمله ومقاطعه الشعرية ذات الأوزان والتفعيلات المحكمة ، مما يجعلها متنوعة ورائقة النغمات والنبرات التي تجسد الفرح ، والحرية ، والصفاء ، والقلق ، والحيرة ، والتعجب ، وحمى العولمة ، والغواية ، والادبار ، والانكسارات ، والانشطارات ، والردة ، والجبن ، والمثاقفة ، والحوارات ، والمواجهات ، والتطلعات ، والاستشرافات والتنبؤات المتنوعة …
تَحْمِلُ (( ذاكرة الشاعر )) عدة نماذج ، وانساق أطر ، ومخططات ، ومدارات ذهنية متميزة هي التي ساعدته على تقديم طرائق خاصة لبناء المعلومات ، وتصويرها . كما أن هذا العمل قد ساهم في بناء شعرية POETIC لسانية متلاحمة ، من حيث الوظائف اللغوية التي تجسد قوة نظمه وعمق تفقهه بميدان القريض
لَقَدْ استعملَ المبدع فروعا كثيرة من التجاذب النصي ، حيث استلهم بعض السور والآيات القرآنية ، والأمكنة ، والشخصيات التاريخية ، والمواقع الجغرافية ، كما أنه وظف عدة مفردات علمية تنتمي إلى حقول معرفية أخرى ، مما يبرز التداخل INTERFERENCE المعجمي ضمن بعض قصائده .
اسْتخْدمَ علي عبد الله خليفة أشكالا لسانية عربية أصيلة تحمل بين ثناياها وظائف عميقة... تلعب السياقات الشعرية المتنوعة هنا دورا مهما في الفهم والتاويل بالنسبة للمتلقين العرب ، كما أن طريقة عرض الموضوعات تشكل نماذج محورية تهم تمثيل مضامين الخطابات الشعرية المحللة … ترتبط طرق (( إخراج )) STAGING وإنجاز الديوانين بالتصور الذهني لبنية الخطاب الشعري... ينتج المبدع في هذا الصدد المعلومات ويبنيها تبعا لنظام صوتي وظيفي يحدد الوحدات النغمية والمقاطع والعبارات والصيغ النظمية والجمل بأبعادها النفسية .
تقوم التراكيب اللسانية عند شاعرنا على عدة إحالات نصية ، واستبدالات ، وترابطات ، وضمائر ، وأقسام كلام عربي متنوع . تتماسك هذه العناصر على مستوى التركيب والدلالة ، حيث تتبلور الوظائف اللغوية جيدا . يصبح الخطاب الشعري مفهوما بالنسبة للمتلقين العرب بالاعتماد على : بناء الأفعال الإنجازية PERFORMATIVE VERBS التداولية ، والمعرفة بالعالم ، وطرائق تمثل المعلومات الشعرية في ذهن الناظم ومتلقيه ( الإطارات المعرفية FRAME ، المدارات SCRIPT ، المخططات الذهنية SCENARIO ، الأنساق الذهنية SCHEMATA، النماذج الذهنية SCHEMA) ( 13 ) .
التركيب :
إنَّ هدفَنَا من وراء هذه الدراسة اللسانية الدلالية هو رصد تعدد المعاني داخل النصوص الشعرية المحللة ومعرفة ديناميتها / معماريتها المتفتحة ، وتنظيماتها المختلفة ، واستبدالاتها الدلالية الواسعة .
لقد بنينا من أجل تحقيق هذا الهدف منهجية لسانية نصيةة ( بلاغية / خطابية ) للاهتمام بالعلاقات والوظائف الرابطة بين عناصر نسق القريض عند علي عبد الله خليفة ، لذلك فإن دراستنا لتعدد المعاني ترتبط بالبنية الكلية للقصائد ، وهو ما يبرز نشاط هذه البنية بين طيات إنجازات شاعرنا.
ينسجم المستوى الصوتي مع طبيعة اللغة الشعرية المنتقاة ومع أنواع الدلالة بمختلف علاقاتها داخل قصائد الديوانين .
تَتوجَّهُ دراستُنا لتعدد المعاني أيضا نحو تقصِّي عناصر (( الكون الشعري )) المشكلة للعملين المحللين بالاعتماد على العلاقات والوظائف بين الوحدات اللسانية التداولية القابعة داخل العمل الشعري .
لقدْ حاولتْ هذه الدراسة اللسانية الدلالية تعقب توزيع العلامات الشعرية بغية الكشف عن (( مضمرات نصية )) مهمة ، من خلال تفكيك جوانب كثيرة من هذين العملين ثم إعادة بنائها من جديد ، لذلك فإن (( الذات المنتجة للدلالة )) تبرز واضحة عند استخدام عدة فعاليات منهجية وإعادة بناء الإنتاج الشعري من جديد … تخلق هذه (( الذات )) منهجية ورؤية نقدية خاصة بنا قد تكون ناجحة أو فاشلة وربما مضللة .
الهوامش:
1 _ من صفحة غلاف ديوان ( لا يتشابه الشجر ) .
2 _ أبرز جاك ديريدا في بعض أعماله التفكيكية تعطيل معاني النصوص وتأجيلها وأحيانا (( إخصاءها )) ، وهي وجهة نظر مصابة بحمَّى الترف وصرعات التجديد ، والاستخفاف بسلطة المبدع وسلطة النص وسلطة المتلقي ... فلا وجود للنصوص من دون هذه السلط الكونية ، كما أنه لاوجود للحياة نفسها من دون نصوص ، فهي تسكننا ونسكنها ، وتخلخلنا ونخلخلها بصورة متلازمة ومتبادلة شئنا أم أبينا . يمارس نفس الترف والاستخفاف بعض الفلاسفة الهيرمونوطقيون ( التأويليون ) الألمان.
3 _ تتحرك استراتيجيات القراءة بالنسبة للنصوص الشعرية العربية المعاصرة حسب الفهم والتأويل الشخصي للمتلق (( العليم )) . يرتبط فكُّ (( شفرة )) معجم هذا القريض بمستوى الاستيعاب ، والمعارف الذهنية ، والممارسة التداولية المتعلقة بالملَكة / الكفاية اللسانية العربية الاتفاقية وطرائق إنجازاتها الفردية عند المتلقي العربي المتمرس ...
4 _ تمت مناقشة هذه الأفكار والآراء والتوجهات النقدية مع بعض الأنداد المغاربة والبحرنيين ، والزميل القاص والناقد الليبي المعروف الدكتور زياد علي .
5 _ يملك هذا المفهوم اللساني النصي ( البلاغي / الخطابي ) الخاص بنا كفاية نظرية وتفسيرية معممة تتجاوز مكونات وعناصر التناص INTERTEXTUALITY الجملي كما طرحتها جوليا كريستيفا وأتباعها . يرتكز التجاذب النصي عندنا على نشاط ثلاثي :
أ _ النشاط التركيبي والدلالي داخل النصوص المتقاطعة التي تخلق (( كونا خطابيا )) محدد السياقات والفضاءات .
ب _ النشاط الموجه لبؤرة التجاذب : يجسد((انغماس )) التداخلات والتقاطعات الخطابية الساعية لتكوين (( البنية النصية الكلية )) فيما بينها بناء على متواليات متراصة تتجاوز حدود الجمل البنيوية . تعتمد هذه المكونات على النشاط التداولي الثلاثي الذي تنضد عمله (( قمة / هيكلة )) نصية محورية ناقلة للخصائص الجمالية والفكرية .
ج _ النشاط المرتب لتفريعات التبادلات والتوزيعات الاتصالية الصغرى والكبرى الحاصلة بين سلطة الكاتب وسلطة النصوص وسلطة المتلقي (( العليم)).
7 _ استعمل هذا المفهوم اللساني الأمريكي زليج هاريس ، من خلال منهجه التوزيعي . يرى أن كلمتين معينتين قد تصبحان متعادلتين أو متكافأتين توزيعيا عندما تخضعان لنفس التوزيعات والاستبدالات . يشار دائما إلى هذا التعادل برمز ( = ) . إنه يمثل العلاقة القائمة بين عنصرين يتحركان داخل مواقع متطابقة ، مما يجعل هذه الأخيرة هي أيضا متعادلة :
أ _ يستلهم الشاعر التراث .
ب _ يستلهم الشاعر البلاغة العربية .
ج _ الشعر العربي يستخدم البلاغة العربية .
د _ لابد من استغلال التراث .
نستنتج من هذه الجمل مايلي :
1 _ وجود تعادل EQUIVALANCEبين ( التراث ) و ( البلاغة العربية ) . وبناء على هذا فإن ما يوجد بعدهما يعد متعادلا أيضا .
2 _ إن قولنا (الشعر العربي يستخدم …) وقولنا ( لابد من استغلال …) يعدان أيضا متعادلين ، ما دام ما قبلهما متعادلا ( = التراث + البلاغة العربية ) . لذلك فإن التعادل هنا يمثل نوعا من الترادف الخاص ...
يتعلق موضوع فئات التعادل عند اللسانيين التوزيعيين بالمطابقة الحاصلة بين توزيعات الملفوظات واستبدالاتها . تؤدي استمرارية تقصي هذا الموضوع إلى إنتاج قائمة ذات مدخل مزدوج يمثل فيها التنظيم الأفقي العلاقات القائمة بين فئات التعادل ، أما التنظيم العمودي فيجسد مختلف أجزاء ومقاطع الملفوظات المعنية .
_ 8 تنطلق عملية القراءة بمختلف استراتيجياتها من منطلق شخصي . مع العلم بأنه لابد من استنادها إلى عدة أسس :
أ _ امتلاك معارف ذهنية تضارع تلك التي يقدمها أو يلمح إليها المبدع داخل إنتاجه .
ب _ التمرس بقضايا الإبداع والتلقي بمختلف سلطهما .
ج _ الانتماء إلى (( جماعة لسانية )) مفسرة تكون محددة بدقة .
د _ استخدام قراءة (( حميمة ، حسنة النية )) دون تعطيل أو تأجيل / إخصاء للمعاني الهادفة .
_ 9راجع في هذا الموضوع أعمال نعوم شو مسكي ، وأتباعه في المدرسة اللسانية التوليدية بشأن التحويلات وقواعدها وأطاريحها .
10 _ ينظر محمد فكري الجزار في كتابه ( الشعر العربي الحديث )، مطبعة دار الكتب الجامعية الحديثة .ٍ
11 _ ينظر عبد الجليل غزالة ( بنية المعارف في الفكر الإسلامي ) ، صحيفة الدعوة الإسلامية ، طرابلس ، الأربعاء 24 مارس ، 2004 م .
12 _ أذاع رومان جاكبسون في مجال اللسانيات والأدب هذه الوظائف ... تعانق الوظيفة الانفعالية المتكلم / المنتج بمختلف سماته وتنميطاته للملفوظات. تركز الوظيفة الشعرية من منظور بنيوي شكلي على الرسالة اللسانية في حد ذاتها . أما الوظيفة الندائية فإنها تيمم وجهها شطر المخاطب / المتلقي الذي يستوعب ويؤول هذه الرسالة . ترتبط الوظيفة المرجعية بالسياق وتجليات (( كونه )) الفعلي . في حين تتجه الوظيفة الاتصالية نحو إبراز طبيعة وسمات قناة الاتصال . تهتم الوظيفة الواصفةMETALANGUAGE بالنظام اللساني ومفاهيمه الخاصة …
13 _ تتميز البنى الشكلية والإيقاعية هنا بسمات تتعلق بالنظام الطباعي وعلامات الترقيم المستخدمة في الديوانين . نجد كذلك بعض الصور والرسوم الموظفة في ديوان ( حورية العاشق ) . تملك هذه الصور بلاغة متميزة ومقاصد سيميائية متشعبة تحتاج إلى منهجية تحليل نصي خاص .
المراجع
أ _ العربية :
. أحمد عمر مختار ، علم الدلالة ، ط2 ، القاهرة ، عالم الكتب ، 1988 .
. محمد الحناش ، البنيوية في اللسانيات ، ط 1 ، دار الرشاد الحديثة ، الدار البيضاء 1980 .
. محمد فكري الجزار ، الشعر العربي الحديث ، ط1 ، دار الكتب الجامعية الحديثة ( د . ت ) .ٍ
. محمد فكري الجزار ، الخطاب الشعري عند محمود درويش ، ط1 ، دار الكتب الجامعية ، مصر 1998 .
ب _ الأجنبية :
. JEAN DUBOIS ‘ DICTIONNAIRE DE LINGUISTIQUE, HACHETTE , 191973
يشرح المؤلف في هذا القاموس بشكل مستفيض قانون (ZIPF ) المتعلق بكمية تواتر ، ورتبة تردد الكلمات داخل نص معين . تقوم العملية الحسابية هنا على إحصاء مستوى تردد الكلمات المعجمية داخل النص المدروس تبعا لتسلسل عددي . يدرس ( ZIPF ) حاصل ضرب الرتبة والتردد ليحصل على الاطراد المنتظم ( رتبة الكلمة المعجمية x ترددها = اطرادها المنتظم والمستقر ) . يشكل الباحث منحنى خاصا ، حيث يضع مخرجا لرتب الكلمات المعجمية المصنفة ، وطبقاتها حسب تردد معين يتناقص بانتظام ، كما أنه يضع أيضا الترددات الفعلية ضمن سلسلة متراصة . يبرز المسار المنتظم لهذا العمل أن الناتج عن : رتبة الكلمة المقصودة x ترددها هو مطرد ومستقر . ترصد لنا هذه الصيغة العلمية التي قدمها ( ZIPF ) أن الكلمات المعجمية التي تحرك عملية الاتصال بين الباث والمتلقي ، تتكون من علامات لسانية نصية فردية رصينة ، تخضع أثناء إدماجها مع العلامات الأخرى لقوانين إحصائية محددة . قد يخلق منحنى (ZIPF) بعض الثغرات ، والانحرافات : ارتفاع تردد الكلمات المتواترة ( وجود مفردات مقننة ضمن جنس أدبي معين ، أو قلة في المعجم ) ، أو ارتفاع تردد الكلمات النادرة والغريبة ( وجود كلمات جديدة ، أو كلمات متقطعة ، كما في بعض الحالات المرضية المصابة بانفصام الشخصية ) .
G . BROWN . G . YULE . DISCOURSE ANALYSIS .
CAMBRIDGE UNIVERSITY PRESS 1983.