تبدو الكاتبة البيلاروسية سفتلانا ألكيسفيتش منشرحة وعلامات الرضى تبدو عليها بابتسامة عريضة وهي تحمل باقة ورد بألوان حمراء وبيضاء. كم هو جميل أن يأتيك خبر الفوز بجائزة عالمية من حجم جائزة نوبل للأداب 2015 . فور تلقيها الخبر عقدت ندوة صحفية بمنسيك بأكرانيا صرحت من خلالها ” أحترم العالم الروسي في الآداب والعلوم ولا أحترم العالم الروسي لكل من ستالين وبوتين ” ؟ فمن تكون هذه الكاتبة ؟
صحفية وكاتبة أعادت بلغة روسية، تمتح من الواقع الروسي والكوارث الدرامية جزءاً كبيراً من هموم وقضايا ساكنة الاتحاد السوفياتي السابق، كما هي معاناة السكان في كارثة تشرنوبيل والحرب الافغانية و صراعات الحاضر المريرة ضد الاستبداد والقهر والبؤس.
كاتبة وجهت سهام نقدها للحكومة البيلاروسية لزعيم روسيا بوتين وتم منحها الجائزة ” لأصواتها المتعددة، وهي شواهد من الألم والشجاعة في وقتنا الحالي ” كما أعلن القائمون على جائزة نوبل للأداب.
في كتابها الأخير ” الشاهد الأخير ” (2014)، تتحدث عن مآسي الحرب العالمية الثانية وعن الانسان السوفياتي وما قدمه خلال هذه الحرب. في أبطالها حيوات نفسية وسياسية واجتماعية بذاكرة مجتمعية وتاريخية يرافقها وعي حاد بالظروف القائمة. تؤسس الكاتبة من خلال شخصياتها لزمن مفتقد ولكنه موجود وحاضر في النفوس ” إننا سوفياتيون، ولانزال نحيا، ليس فقط روس ولكن أيضا بيلاروسيون، تركمان، أوكرانيون، كازخستانيون... الأن نعيش في دول مختلفة، نتكلم لغات مختلفة لكن أيضا نحن لاتخطئنا العين، نتعارف بسرعة، نحن كلنا أبناء الاشتراكية ” . تقول بعزم ويقين كبير كأنها تحيي مجداً تليداً لايندثر. وتضيف ” نحن جيران بالذاكرة ” وهي تنصت بتمعنٍ في كتابها ” الزمن المستعمل ” (2014) بشرف لكل المشاركين في الدراما الاشتراكية.
من بين شخصياتها المفضلة امرأة تتزوج بقاتل محكوم بالإعدام ، تبرر من خلاله الكاتبة ” حجم التضحية ” لمفهوم الحب وما يستطيع أن يقدمه المرئ في سبيل مبادئه.
الكاتبة سفتلانا لاتزال محاصرة بفضاء الاتحاد السوفياتي ورهينة له بحبٍ و بغضبٍ ومعاناة تستفسر عن مآله ونهايته ونهاية حضارة وأسطورة وأمل. تدور أعمال هذه الكاتبة حول هذا العالم بعوالمه الانسانية والاشتراكية والحنين لزمن الاشتراكية بكسر هذا المفهوم في مصائر مختلفة ومشتركة وقبل كل شيء في المآسي المحسوسة والكارثية التي تعرض لها الإنسان بقسوةٍ في الاتحاد السوفياتي. تتحرك الكاتبة في محيط المأساة وتكشف التجارب الأكثر جزعاً ورهبةً مراراً وتكراراً حتى الموت. سنة 1989، نشرت الكاتبة ” أولاد الزنك ” وذهبت إلى أفغانستان لكتابة هذه التجربة الحياتية واستجوبت أمهات الجنود الذين قتلوا في تلك الحرب.
وفي سنة 1993 ناقشت فكرة عميقة تمتلكها وتستحوذ عليها كلياً حول أولئك الذين لايستطعيون البقاء على قيد الحياة بنهاية فكرة الاشتراكية في ” مفتونون بالموت ”.
وفي سنة 1983 كتبت ” الحرب لاتعرف محيا امرأة ” وهي تجربتها الأولى في عالم الكتابة، تتساءل فيها عن مفهوم البطولة في العهد السوفياتي بنوع من القسوة في ظل إصلاحات البرسترويكا التي قادها الرئيس ميخائيل غورباتشوف. الكاتبة متأثرة بالكاتب أليس أداموفتش الذي تعتبره أباً و أستاذها الكبير.
تستعمل الكاتبة أسلوب المونطاج الوثائقي في موضوعاتها، وتترك تدفق الأصوات والمونولوجات الداخلية بصوت التجارب الشخصية كما في ” الرجل الأحمر” و“ الدخان السوفياتي ” بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.
ولدت الكاتبة البيلاروسية سفتلانا ألكيسفيتش بأكرانيا، وهي ابنة جندي سوفياتي، من أصول بلاروسية ، حينما خرج والدها من الجيش استقرت العائلة ببلاروسيا، وهناك درست الصحافة بجامعة منسيك واشتغلت في عدة وسائل اعلامية.
من كتبها التي نالت شهرة وترجمت للكثير من اللغات ” أصوات تشرنوبيل ” (1997)، تتحدث فيه عن كارثة تشرنوبيل وما تعرض له السكان من إبادة وقهر وتهجير.
انتقدها الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاتشينو، وهي دائمة الترحال وتقيم حاليا بألمانيا ومنحت جائزة للسلام هناك سنة 2013، ورغم أنها فوجئت بالجائزة فإن الجائزة لا تخلو من نفحة سياسية في ظل صراع الاتحاد الأوربي مع روسيا البوتنية حول منسيك وجزيرة القرم والصراع بأكرانيا.. فهل من المصادفات الغريبة أن تمنح الجائزة لكاتبة تعارض روسيا بشراسة وتقيم بالمهجر .. تلك حال الجوائز.. طقس ومناخ..