المقدمة-:
لا أحد يستطيع أن ينكر الإنجاز الكبير الّذي حقّقته السيميولوجيا (SEMIOLOGIE) في حقل الدراسات اللغوية والأدبية وفي الآونة الاخيرة في مجالات السينمائية، بما امتلكته من إجراءات وآليات حداثوية، قادرة على استيعاب الفضاءات الجمالية للنص الأدبي و الفيلم السينمائي. لقد تمكنت هذه المدرسة من لمس مناطق الإثارة الحساسة للإبداع الإنساني، وهذا في محاولة منها لتأسيس منهج علمي قادر على فضح الاستغواءات والميكانيزمات الجمالية للعملية الإبداعية، في شتى المجالات رغبة منها في تحقيق الوجود الكينوني للنص الأدبي والفيلم السينمائي بل و حتى الدراما التليفزيونية.
مفهوم: السيمولوجياTHE TERMINOLOGICAL SIMEOLOGIA DEFINITION:
إن كلمة سيميولوجيا Semiologyمن أصل اليوناني Sémion أو Sémaine والمتولدة هي الأخرى من الكلمة Sémo وتعني العلامة (الدليل) Signe وهي بالأساس الصفة المنسوبة إلى الكلمة الأصل (Sens) أي المعنى أما عن لفضه "لوجيا" Logie فتعني العلم، وبالتالي فإن كلمة السيميولوجيا أو السيميوطيقا من الناحية اللغوية تعني علم العلامات( 1).
تكوينيا الكلمة آتية من الأصل اليوناني Sémeion الذي يعني العلامة وLogos الذي يعني الخطاب الذي نجده مستعملا في كلمات من Sociologie مثل علم الاجتماع، Théologie علم الأديان (اللاهوت)، Biologie علم الأحياء Zoologie علم الحيوان، ....الخ وبامتداد أكبر كلمة Logos تعني علم هكذا يصبح تعريف السيميولوجيا على النحو التالي : "علم العلامات" إنه هكذا على الأقل يعرفها "ف. دوسوسور"(2 ).
التعريف الاصطلاحي للسيميولوجيا - Concept Alsimologia :
إن السيميولوجيا أو السيموطيقا أو السيمياء، لدى داريسيها تعني علم دراسة العلامات دراسة منظمة و منتظمة ، فهي تدري مسيرة العلامات في كنف الحياة الاجتماعية و قوانينها التي تحكمها مثل أساليب التحية عند مختلف الشعوب و عادات الأكل و الشرب عندهم ... الخ . إلا أن الأوروبيون يفضلون مصطلح السيميولوجيا إلتزاما منهم بالتسمية السوسرية نسبة إلى " دي سوير " . أما الأمريكيون فيفضلون مصطلح السيميوطيقا التي جاء بها المفكر و الفيلسوف الأمريكي " تشارلز سندرس بيري " أما العرب خاصة أهل المغرب العربي فقد دعوا إلى ترجمتها بالسيمياء محاولة منهم في تعريب المصطلح
و كما يقول معجب الزهراني: إن السيمياء ترتبط بحقل دلالي لغوي ، ثقافي يحضر معها فيه كلمات مثل السمة و التسمية و الوسام و الوسم و الميسم والسيماء و السيمياء (بالقصر و المد) و التي تعني علم العلامة( 3).
السيمولوجيا SEMIOLOGY
هي علم العلامات أو الإشارات أو الدوال اللغوية أو الرمزية سواء أكانت طبيعية أم اصطناعية .
تعريف المصطلح كلغة: Definition of the term
يدل مصطلح السيميولوجيا على علم الطب وموضوع دراسته العلامات الدالة علي المرض وكذلك في التراث الإغريقي تعد السيميوطيقا جزء لايتجزأ من علم الطب .
تعريف المصطلح عند الباحثين الغربيين : Definition of the term when Western scholars
يعتبر كلا من بيرس ودي سوسير مؤسس لعلم نقدي شامل هو علم السيميائيات وكلاهما أسس ذلك العلم من خلال الحديث عن علم العلامة وتصنيفاتها وميادين تنظيرها وكلاهما أسهم في إنعاش الحركة النقدية والمعرفية
تعريف دي سوسير للسيمولوجيا: The definition of de Saussure for Simologia
أطلق عليه اسم السيميولوجيا وهو علم موضوعه أنواع الدلالات والمعاني ويدرس حياة الرموز والدلالات المتداولة في الوسط المجتمعي ويوضح في كتابه ( دورس في اللغة العام ) أن اللغة نظام من العلامات التي تعبر عن الأفكار والعلامة اللغوية عنده هي كيان ثنائي المبني مكون من الدال والمدلول فالدال هو الصورة الحسية الصوتية والمدلول هو المفهوم او فكرة الصورة الصوتية الحسية والعلامة اللغوية ذات طبيعة اعتباطية أي لا ترتبط بدافع ولكنه ميز بين ثلاث علامات هي العلامة الرمزية والعلامة السمعية والعلامة البصرية( 4).
تعريف بيرس للسيمولوجيا:
Definition Pearce Simologia:
أطلق علي هذا العلم السيميولوجيا وهي تعني نظرية عامة للعلامات في الفكر الإنساني فهي صفة لنظرية عامة للعلامات والأنساق الدلالية في كافة أشكالها فهي بذلك تطابق علم المنطق لأنها نظرية جمعية تقوم خارج علم اللغة وهي كيان ثلاثي المبني ( المصورة ويقابلها الدال والمفسرة هي المدلول أم الموضوع فلا يوجد له مقابل ووضح أن هناك أنواع للعلامات هي العلامة الايقونية أو الصورية والعلامة المؤشرية أو الاشارية والعلامة الرمزية(5 ).
تعريف رولان بارت للسيميولوجيا : Roland Bathes definition for Simeologia:
ما هي إلا نسخة من المعرفة اللسانية وهو بذلك فسح المجال دراسة الأساطير واهتم بدراسة أنظمة من العلامات التي سقطت من سيميولوجية سوسير كالاطمعة والأزياء والخطابات ................الخ (6 ).
تعريف المصطلح عند العرب: Definition of the term when the Arabs
يبحث في التراث العربي دالة علي الكلمات المناظرة التي يمكن ان تؤدي بشكل تقريبي الدلالة اللغوية ويقع مصطلح السيميائية في الأدب العربي القديم وعلي الكهانة والسحر والسيمياء بالمفهوم القرسطي واقتفاء والأثر وغير ذلك من الإيماءات التي تبعده عن الإطار المعرفي الحديث( 7).
ومن هذا يتضح أن :مفهوم السيميولوجيا :علم العلامات أو الإشارات أو الدوال اللغوية والرمزية سواء أكانت طبيعية أم اصطناعية وهذا يعني أنها تدرس كل ماهو لغوي وغير لغوي يتضح بشكل واضح بان السيمولوجيا هي علم الدلالات و مختص في تفسير الدلالات الحياتية المستخدمة في شتى المجالات كاللغة و الايقونات الحايتية و بما ان السينما و التليفيزيون ايضا معتمدا كليا على انها لغة منطقية ابجديتها صورة و دلالتها صورة و مدلولها صورة اخرى موضحة للصورة الدالة بمدلول معين لذا اقتضى دخول هذا العلم في مجال التفسير السينمائي للشرح و تفسير المدلولات السينمائية او بالاحرى الصورية
إن السيميولوجيا علم من العلوم، يخضع لضوابط ونواميسَ معينة كما هو الشأن بالنسبة إلى العلوم الأخرى. وهذا ما تنص عليه الكثير من التعاريف (سوسير –– بارت...). ولكن ثمة تعريفات وآراء أخرى تنظر إلى السيميولوجيا باعتبارها منهجا من المناهج، أو وسيلة من وسائل البحث. بحيث يشير مونان في موضع آخر إلى أن السيميولوجيا "وسيلة عمل" (INSTRUMENT DE TRAVAIL]؛ أي منهج من مناهج البحث. ومن هنا، نقف على شيء من الخلط في كلام مونان؛ فهو تارة يذكر السيميولوجيا على أنها علم عام يدرس العلامات المختلفة، وتارة يذكرها بوصفها منهجا بحْثيا. ونجد هذا الخلط بارزا عند بعض الدارسين العرب الذين يعرّفون السيميولوجيا بأنها علم أو دراسة (أي منهج) في الآن نفسه. يقول صاحبا (دليل الناقد الأدبي) مثلا : "السيميولوجيا (السيميوطيقا)، لدى دارسيها، تعني علم أو دراسة العلامات (الإشارات) دراسة منظمة منتظمة". والسيميوطيقا عند شارلز ساندرس بيرس (CHARLES SANDERS PEIRCE) "نظرية شبه ضرورية أو شكلية للعلامات"( 8).
إذاً، فنحن أمام ثلاثة آراء؛ رأي يعتبر السيميائيات علما، وثان يجعلها منهاجا، وثالث يتخذها نظرية عامة.ويبدو أن الدارسين العرب المعاصرين يتعاملون مع السيميائيات باعتبارها منهجا يساعد على فهم النصوص والأنساق العلامية وتأويلها. وهكذا، فإننا نقرأ بين الحين والآخر دراسات وأبحاثا يتوسل أصحابها بالسيميائيات بصفتها منهجا في المقاربة والدراسة
إن السيميولوجيا تدرس العلامات وأنساقها، سواء كانت هذه العلامات لسانية أم غير لسانية. يقول لويس برييطو (LUIS J. PRIETO) إن السيميولوجيا هي "العلم الذي يبحث في أنظمة العلامات أيّاً كان مصدرها لغويا أم سَنَنيا أم مؤشريا"( 9). إن للعلامات أهمية كبرى، تتجلى في كونها تحقق التواصل بين الناس في المجتمع. يقول كولن شيرّي (COLIN CHERRY) : "لا يوجد تواصل بدون نسق مكوَّن من دلائل"، ذلك بأن التواصل الإنساني –في جوهره- إنما هو "تبادل الدلائل (أو العلامات) بين بني البشر"). ونظرا إلى أهمية التواصل هذه، فقد نشأ في مجال السيميائيات اتجاه يعنى بالتواصل والإبلاغ( 10).
تعريف الدلالة لغة:
بفتح الدال أو كسرها اللفظان صحيحان . جمع دلائل دلالات ،و المصدر دل بمعنى ارشد.
تعريف الدلالة اصطلاحاً: Definition of significance idiomatically:
ما يقتضيه اللفظ عند إطلاقه:
مثال قوله تعالى "ولا تقل لهما اف" كلمة اف لفظ فهي دلالة لا بد و ان تدخل على مدلول و هو عدم الملل أو الضرب أو الشتم أو التافف.
كل أمر يفهم منه أمر سواه حيث الامر الاول الدال و الأمر الثاني المدلول:
ومعنى التعريف : ان الشيء اذا كان على حاله بحيث أذا علم ،علم منه شيء أخر سمي دالا .مثال: إشارة المرور الحمراء فالدال الإشارة الحمراء ، و المدلول هو المعنى المفهوم منها و هو أن الطريق خطر فلا تمر أو توقف.
اقسام الدلالات:
دلالة شي ء على شيء اخر لابد أن تكون واحدة من الدلالات الثلاث التالية:
أولا: فهي إما أن تكون دلالة عقلية بحتة: كدلالة الأثر على المؤثر ،و كذلك الحركة بالارادة على وجود الحياة ، و كدلالة حركة اليد على حركة الخاتم الموجود إصبع من اصابعها ،و كدلالة مسير السفينة في البحر على تحرك رُكابها وفق حركتها،و هكذا كل ملزوم إذ لازمه العقلي البحت(11 ).
ثانيا: وإما أن تكون دلالة طبيعية :
وهي الدلالة التي ليس بين الملزوم و اللازم فيها ارتباط عقلي، إلا أن النظام الذي وضعه الله في الطبيعة قد أوجد هذا الترابط فإذا سألنا العقل المجرد عن ملاحظة النظام الموجود في الطبيعة لم يجد تعليلا عقليا له ،غير ان الاختبار المتكرر للاحداث الطبيعية قد نبه إلى وجود هذا الترابط في الواقع ،و لكن ليس لدى العقل المجرد مانع من انفكاكه لو ثبت ذلك في الواقع و لو نادرا.
مثال ذلك: دلالة ارتفاع درجة حرارة الجسم الإنسان على حالة من حالات المرض، ودلالة التقيؤ و الإسهال الشديدين على الاصابة بمرض معدي، و دلالة حمرة الوجه على حالة الخجل في النفس، و دلالة صفرة الوجه على حالة الوجل في النفس، و دلالة الكلام على حياة الإنسان الذي يصدر عنه، و دلالة كثرة الامطار على السنة المخصبة ، و دلالة شحُها على السنة المجدبة . فهذه و أشباهها دلالات طبيعية ، لا يمنع العقل المجرد عن ملاحظة الواقع من تخلفها و عدم صدقها.
ثالثا: وإما ان تكون دلالة وضعية:
و هي دلالة شيء ما تواضع الناس في اصطلاحهم على أن يكون دالا على معنى معين و قد يكون هذا الشيء غير لفظي أو أن يكون لفظيا ،فأما كونه غير لفظي فهو الدلالة الوضعية غير اللفظية و هي الدلالة على المعاني دونما الفاظ( 12).
الدلالة في الفيلم السينمائي : Significance in the film
هو علم قائم بذاته يعرف " على انه دراسة المعنى ( 13)"، أي المعنى غير الظاهر اوالمبطن للموضوع، والدلالة أما ان تكون اعتباطية او ان تكون الدلالة مسببة، عندما تكون مبررة يكون الرابط بين الدال والمدلول طبيعي، وعندما تكون اعتباطية يكون الرابط بين الدال والمدلول اصطلاحي، الدلالة تخضع للحقيقة والمجاز اذ ان ممارسة اللغة تكثر الاستخدام العادي للدال والمدلول(14 )، ولابد ان ترتبط الدلالة بعلاقة اتفاقية أو اصطلاحية إذ لا وجود للعلاقة الاعتباطية في الفن السينمائي او غيره من الفنون، ويمكن تأويل الدلالة على أنها "الجمع بين الدال والمدلول اللذين، يشكلان وجهي العملة، أي تلك العلاقة المتبادلة التي تحدد العلامة المتكونة( 15)"و انا كدارس و من خلال بحثي عن معنى الدلالة اجد ان الدلالة هي إضفاء أبعاد تعبيرية ودرامية جديدة على المادة المصورة، وذلك بعقد علاقات متداخل جديدة بين مكونات اللقطة أو المشهد تكشف لنا عن المعنى او الدلالة المطلوبة. فإن تجربتنا مع السينما توحي بأن التعقيد الكبير للمعنى يمكن التعبير عنه من خلال الصورة. بالتالي، لأخذ مثال واضح، نلاحظ أن أكثر الكتب عاديةً وتفاهة وابتذالاً يمكن أن يتحول إلى فيلم مشوق جداً، مثير للاهتمام، ويحمل مغزى ودلالة. إن قراءة السيناريو هي عادةً تجربة غير ممتعة وغير مثمرة فكرياً.. وعاطفياً أيضاً. المعنى الضمني لهذا، أنه ليس فقط النظم التي كلياً "معتمدة على اعتباطية العلامة" تكون معبّرة وحافلة بالمعنى). العلامات الطبيعية لا يمكن أن تكون مرفوضة كما تصوّر سوسير. إنه هذا المطلب، بإعادة دمج العلامة الطبيعية في السيميولوجيا، الذي قاد كريستيان ميتز لأن يعلن بأن السينما هي بالفعل لغة، لكن لغة بلا نظام شفري. إنها لغة لأنها تملك نصوصاً. ثمة خطاب ذو معنى. لكن بخلاف اللغة اللفظية ، لا يمكن إحالة هذه اللغة إلى شفرة كائنة( 16).
السينما كلغة فيلميه و كلغة التعامل: As film footage and as a deal
اللغة اللفظية من اهم وسائل التواصل استخداما وشيوعا في الحياة اليومية، ويعود ذلك الى سهولة استخدامها وتداولها، وسرعة الاعتياد عليها، وتعلمها منذ الطفولة، وقد ثار جدل كبير بين تيارين من علماء والدين من بينهم اللغويات(سوزان لانجر) وتطلق عليها بانها اللغة الحقيقية ..ويرى هولاء ان اطلاق تسمية لغة على وسائل التعبير غير اللفظية مثل الصور والحركات.. وغيرها ، بانها تسمية غير دقيقة(17 ). وانا كدارس لا اتفق مع هذا الري ، وخاصة اننا نعلم جيدا ان الوظيفة الاساسية للغة هي القدرة على التواصل، والتعبير عن الافكار والمشاعر، والامر يمكن تحقيه عبر العديد من الوسائل التي يمكن للإنسان ان يعبر عن افكاره ومشاعره سواء كانت صورة او إشارة او حركة او فعل ، ولا يذكر فيه اللغة اللفظية، وكيف انها الاسهل والاوضح والاكثر انتشارا، بل انه يؤكد ما لها من قدسية وخصوصية. الا ان هذا لا يعني الانتقاص من اللغات الاخرى ، خاصة حين نرجع الى الوراء ، الى العصور السحيقة، لنرى كيف ان القدماء ومنهم قدماء المصرين، قد استخدموا طريقة التعبير بالصورة كلغة التواصل و نقل الحقائق والواقع.
يقول جاردنر: ان المصرين ابتكروا في زمن سحيق، يسبق مرحلة الاسرات طريقة للتعبير بالصورة فقط، حيث يتم استغلال الرسم او الصورة كناية عن المعنى، وشاعت هذه الطريقة للتعبير عن الحكمة او اللغز.. بحيث تنقش او تصور مجموعة من الصور، تحكي قصة ايحائية او تعبر عن المعنى ويعود جاردنر ليؤكد بان الكتابة المصرية القديمة هي احد الفروع الاصلية لفن التصوير ، وان روابطها العضوية انما تتبع فقط من قواعد فن الرسم والتصوير وليست من قواعد اللغة اللفظية او الملفوظة. ويرى ارنست فيشر : ان وسيلة التعبير (الايماءة او الصوت او الكلمة)هي اداءة شأنها شأن الفأس أو السكين، ما هي إلا وسيلة اخرى لبسط سيطرة الانسان على الطبيعة( 18).
ولعل ما تركته لنا الحظارة المصرية والصينية ايضا، يعطينا صورة واضحة عن كيفية استخدام الصور في نقل رسائل تعبيرية، ظلت خالدة الى يومن هذا كما هو الحال في اقدم لوحات العصر الفرعوني القديمة، والمعروفة باسم لوحة الملك نعرمر، والتي تمثل بالصورة انتصارات الملك(نعرمر)، وغيرها. ومهما كان من قول او اختلاف حول وسائل التعبير وانواع اللغات، الا اننا لا يمكننا ان ننكر ان الصورة هي وسيلة من وسائل التعبير، بل هي لغة لها قواعدها و اصولها وهذا ما لا يمكن ان نتغاضى عنه، خاصة بعد ان بدانا نلمس اهميتها واثرها في حياتنا المعاصرة. فمنذ اختراع السينما والصورة تفرض سطوتها وتثير الرهبة والخوف والدهشة، فحين وصل (قطار لومير) ( 19). الى تلك المحطة عام1895 متجه مباشرا نحو الكاميرة, صرخ المتفرجون وقفزوا من امكنهم خشية ان يدهسهم القطار. الشيء ذاته حدث مرة اخرى عندما شطر (بونويل) ( 20). عين امراة الى نصفين بموس حلاقة. لقد اصيب الجمهور بالدور والاغماء, اثناء مشاهدة افلام تصور العمليات الجراحية, وتقيئ اثناء مشاهدة الولادة, ونهض ثائرا في حماسة عفوية لدى رؤيته افلام دعائية, وذرف الدموع على البطله المصابة باللوكيميه (سرطان الدم) في مشهد مطول, كما شعر بنوع من القلق ازاء وباء الكوليره المعروض على الشاشة نتيجة احساسه الداخلي بأنه مكشوف, ومعرض للعدوة(21 ).
السيمولوجيا و الدلالات والفن السينمائي : Alsimologia and connotations and Film Art
ينظر المهتمون للصورة بشكل عمومي على أنها الموازن البصريي للواقع، وذهب آخرون بوصفها اقتطاع لجزء من الواقع بادق تفاصيله، ووضعه أمام المتفرج او المشاهد او المتلفي، بحيث تجعل العالم مرئياً يمكن استحضاره والإمساك به حتى في أدق تفاصيله. وضمن مالوفية الصورة للانسان وعدم الخلاص منها بشكل كلي، وصار العالم كله محكوماً بالصورة وثقافتها من الاعلانات، والملصقات، السينمائية، والتلفزيونية من حيث اعتماد الانسان على الصورة بشكل يتفاعل مع حياته الاعتيادية والخصوصية من امور تجري ضمن ملتصقات الحياة كالسياسة والدين وما الى ذلك من امور اخرى. اذن ضمن امكانية تفكير المرء و الحاجة أن تعرّف فكرة السينماتوغراف لحظة ولادتها عام 1894 في براءة الاختراع التي سجلها ويليام بول وج. ويلز على أنها "سرد القصص عن طريق عرض صور متحركة"، فالسينما بطبيعتها وجوهرها تركيب لاتجاهين سرديين: الأول صوري (وهو الرسم المتحرك)، والثاني كلامي (وهو الحوار) ( 22). والكلمة هنا مكون إلزامي للقص السينمائي وليست بأي حال من الأحوال سمة خيارية إضافية، ومن هنا اتضح لنا بان السينما اعتمد وفي بدايات الظهور فكرة ان تكون لغة مستقلة و لها دلالتها حتى و ان كانت في بدايات الظهور صامتة الا في ذلك الوقت ايضا اعتمد من خلال الصورة من غير الكلام تقديم سيميولوجيات كثيرة و دلالات تعبر بواسطة حركات واداء الممثلين الذين كانوا روادا في مجال ماهية التعبير بواسطة البدن الى خلق رؤية جليلة لدى المتفرج والذي حينها لم تطرق الى انها سيميولوجيا ولكن ضمن تعاريف لاحقة درجت ضمن مضمار هذا العلم القيم بل إن وجود أفلام صامتة خالية من اللوحات المكتوبة لا ينفي هذه الحقيقة بل على العكس يأتي ليؤكدها طالما أن هنالك شعوراً مستمراً لدى المشاهد بغياب النص المنطوق. المشاهد او المتلقي وهكذا يمكن الإعتقاد بوجود لغة سينمائية تختلف في نوع العلاقة بين مضمون الرسالة وآليتها عن الأنظمة الاتصالية الأخرى كاللغة اللسانية مثلاً التي تركز على كيفية القول، بينما تغدو اللغة السينمائية مضموناً وتتحول أحياناً لتصبح موضوع الرسالة. انطلاقاً من أنها وجدت لغايات فنية واجتماعية محددة، تدل بواسطة الصورة الى اشياء و حالات اجتماعية مقبولة او مرفوضة، لتضيف سمة التحسين الى مسيرة البشرية وهي تخدم تلك الغايات وتتحدد بها( 23). الصورة السينمائية واللغة الكلامية وقد تشبه الصورة السينمائية اللغة الكلامية أحياناً أخرى، إلا أنها في ذات الوقت ليست مثلها، فاللغة الكلامية لها قواعدها التي تحكمها، أما السينما فلا يوجد بها مثل هذه القواعد التي يمكن أن تتحكم في صياغة وتكوين الصورة الفيليمية، أي ليس هناك قاعدة نحوية سينمائية تمكننا من القول بأن وضع تلك اللقطة هنا وفي هذا المكان يعد خطأً، كما لا يوجد أي قاعدة تحدد لنا كيف نبدء بالمشهد الفيلمي وكيف ننتهي منه أو حتى كيف نختار أحجام اللقطات، أو مستوى ارتفاعها، أو حركة الممثلين ونوعية حركة الكاميرا المصاحبة لهم. فلا توجد في السينما مثل تلك القواعد الصارمة والحاضرة بقوة في اللغة الكلامية، كما لا توجد أي قواعد تلزمنا بكيفية استخدام وسائل الانتقال البصري المغاير للقطع أو مكانها مثل المزج والاختفاء والظهور التدريجيين، وأماكن وضع المؤثرات والموسيقى بالفيلم، فمثل هذه الاستخدامات تخضع لرؤية كلاً من كاتب السيناريو ومخرج النص الفيليمي وتصورهما عن العالم الفيلمي الذي يقومان بتشكيله( 24). وإذا كان هناك نوع من الاتفاق (العرفي) في فهم دلالات وسائل الانتقال البصري فيما بين صانعي الأفلام ومتلقيها، فإن الفهم يرتبط بسياق الأحداث الفيلمية، فمن الممكن أحياناً أن يتم الاستغناء عن بعضها أو استخدامها خارج هذه الأعراف المتفق عليها، دون أن يرفض المتلقي أو يشعر بأن هناك خطأ ما قد حدث بالسرد الفيلمي. الدلالة في الاضاءة والديكور وزوايا التصوير( 25). وعند النظر إلى السينما من زاوية أخرى فهي عالم من الصور المتتالية المحملة بالدلالات، فإذا لم يكن الفيلم قادراً على تجريد الأشياء فهو على الأقل قادر على أن يعطي بواسطتها إشارة دالة، فانقباض النفس والقلق أو أي شيء آخر يراود الإنسان، سواء كان مأساوياً أو لم يكن، يمكن أن يتولد من المناخ العام للمنظر أو يوحى به عن طريق تصوير المظهر المخالف المألوف لبعض الأشكال والذي يضفي معنى معيناً على الديكور وإضاءته أو حتى في حجم لقطاته وزوايا تصويره، بحيث يمكن للصورة ذاتها أن تحوي عدداً من الدلالات الإضافية و أحياناً اللامتوقعة. فبمقدور الإضاءة والمونتاج وتبديل اللقطات والتلاعب بالسرعة.. إلخ، أن تمنح الأشياء المعروضة على الشاشة دلالات إضافية رمزية أو مجازية أو كنائية، انطلاقاً من أن الصورة شكل من أشكال التعبير المجازي على الرغم من ارتباطها بالعالم الواقعي. كما أن العلاقة التي تربط بين أجزاء الصورة علاقة تعبير غير حرفي، أي أن حاصل جمع المفهومين على الشاشة هو علامة أيقونية لمفهوم ثالث لا تساوي المفهومين الأصليين، وبالتالي فإن دلالتها يعبر عنها بوسائل اللغة السينمائية التي يستحيل وجودها خارج نطاق هذه اللغة، ذلك لأن إحساسنا البصري بالعالم المحيط بنا هو الذي يشكل أساس هذه اللغة، لكن رؤيتنا البصرية هي ذاتها التي تشتمل ضمناً على فكرة التمييز بين شكل العالم في الواقع، وشكله كما تصنعه وسائل الفنون المرئية. السينما أداة للتعبير أكثر منها وسيلة اتصال وإذا كانت اللغة اللسانية تعتمد على الدال الملفوظ أو المكتوب والذي يؤدي إلى توليد المدلول، إلا أن الاتفاق الجمعي على الربط بين الإثنين هو الذي أدى إلى وجود اللغة كمنظومة اتصال اجتماعية، وبالتالي فإن الأمر يختلف في السينما عنه في لغة اللسان، فكما يقول "ميتز" إن الدال صورة والمدلول هو ما تمثله هذه الصور، أي أن الدال السينمائي هو في ذات الوقت المدلول السينمائي، وبذلك تختلف السينما عن اللغة اللسانية التي عرفها أغلب اللغويين بأنها نظام من العلامات يخدم الاتصال بين الناس فيما يتعلق بالاتصال الشفاهي، أما السينما فهي اتصال باتجاه واحد مثل بقية الفنون، وبكلام أدق هي أداة تعبير أكثر منها وسيلة اتصال( 26). فالصورة تعبير واضح، مدرك، وسهل من حيث سرعة الاستيعاب الإنساني له، في مقابل العلامات الكتابية التي تعتمد على الصورة الذهنية المتولدة في ذهن المتلقي من الدال الذي يختلف عن المدلول، ولا يرتبط به إلا نتيجة الأعراف المتفق عليها، والذي يفترض منذ البداية قدرة المتلقي على قراءتها.من جهة ثانية فإن الصورة السينمائية على مستوى اللقطة الواحدة تحمل في طياتها ما هو أبعد من كونها مفردة (كلمة) ذات مدلول واحد، وهذا الأمر ينتج عن الطبيعة التركيبية التي تعمل داخلها اللقطة، إضافة إلى الإيحاءات الشعورية القرينة التي يمكن أن تنتج عن علاقة مصاغة الشكل داخلها (ديكور، إضاءة، اكسسوار..إلخ)، بدلاً من أن تكون مترتبة على التعاقب لقطة إثر لقطة أخرى أو مشهد تلو مشهد.وبعبارة أخرى فإن الدلالة في السينما تكون نتيجة مجموعة من العلاقات المرتبة في المكان أكثر من ترتيبها في الزمان، فالمعنى لا ينتج فقط من التتابع – التعاقب- الزمني للقطات، وإنما من داخل كل لقطة أيضاً، فهي تحمل الكثير من العلاقات بين العلامات الموجودة باللقطة، والتي لا تكون قاصرة على معنى واحد، نتيجة وجود أكثر من دال في ذات اللحظة وبنفس المكان، وعلى أكثر من مستوى زمني، وهو مغاير للمعنى الذي ينتج في اللغة اللسانية من تتابع الكلمات مفردة تلي مفردة. اللقطة والمونتاج كعناصر للتعبير السينمائي أما بالنسبة للتعبير عن دلالات الزمن وتأثيراتها المتعددة فإن السينما استطاعت استيعاب اللقطة كأصغر وحداتها الفاعلة تعبيراً بل وأهمها، وهذا الاستيعاب استدعى تكشف قدرات المونتاج كضرورة حتمية لابد لها من الوجود لتفعيل دور اللقطة في السياق الفيلمي كوحدة دلالية، فمع ظهور اللقطة والمونتاج كعنصرين أساسيين من عناصر التعبير الفلمي ولدت علاقة الفيلم بالزمان والمكان حيث أن كل ما هو مصور في الشكل الفني من مواد وظواهر وشخصيات والمظهر الخارجي المتنوع لمشاعر الناس وأحاسيسهم وإرادتهم إنما يحيا في المكان والزمان الفني( 27). وعلى الرغم من الشبه الظاهري بين الفيلم والواقع في جانبي الزمان والمكان، فإن الاختلاف بينهما قائم ومتسع، حيث يعتمد الفيلم على مبدأ الاختيار من ذلك الواقع المتسع، الذي يستتبعه التنظيم لهذه العناصر المختارة، وهذا كله مرتبط بمدى تأثير ذلك الاختيار على السياق العام للفيلم، وكذلك التأثير النهائي على المتلقي من حيث الدلالة حيث أن المحددات الأساسية والتشكيلات الجوهرية لدلالة السينما تقع في كل من المونتاج وحركات الكاميرا وأحجام اللقطات وكذلك العلاقة ما بين الصورة والكلام إضافة إلى التتابع. فالمونتاج أحد العناصر الهامة والأساسية في تكوين البنية الدلالية للفيلم، إضافة إلى أنه يمثل علامة من أهم العلامات الدالة على فاعلية ومرور الزمن الفيلمي، سواء في انسيابه أو تجاوره – توازنه- أو حتى تداخله واختلاطه. الصوت والصورة سينمائياً أخيراً لابد من الإشارة إلى أن العلاقة بين الصورة والصوت سينمائياً علاقة تفاعلية، ولا يمكن فصل التأثير والدلالة الناجمة عن هذه العلاقة، أوعزوها إلى أحدهما دون الآخر فمن الواضح أن العمل السينمائي ما هو إلا نتاج تركيب عدد من العناصر السينمائية المختلفة، لكن هذا التركيب حتى عندما يبلغ درجة عالية من الحيوية فإن اللغة الصورية (لغة الصورة) تظل هي الغالبة، وإن إحساسنا البصري بالعالم المحيط بنا هو الذي يشكل أساس هذه اللغة السينمائية( 28).
1-الصورة كعلامات تعبيرية في الفيلم السينمائي و الدراما التليفزيونية
إن الصور فى جوهرها عبارة عن أجزاء وأقسام من الخبرة البصرية والتي أسماها وولترليبرمان "الصور الموجودة فى رؤوسنا"- تجري معالجتها والتنسيق بينها من خلال سلسلة من العمليات الإدراكية، وبما أن تطور الإبصار سبق تطور اللغة اللفظية، فإن هذه الصور أشبه بالجزء الطبيعي من حاسة الوجود الأساسية الخاصة بنا، والإرتدادات الأكثر عمقاً داخل أنفسنا، والتي تمتد من المستوى الذي تقدمه الخبرات العملية إلى آفاق الأساطير الرمزية وتجلياتها. وإذا كانت الصور كذلك، فإن الفيلم السينمائي بمجمله جزءاً لا يتجزأ من الصراع الأيديولوجي القائم في عصره، حيث ينتمي لهذا الصراع مثلما ينتمي إلى ثقافة ذلك العصر وفنه، نظراً لارتباطه بجوانب حياتية عدة وجوانب قائمة خارج حدود النصّ الفيلمي بحد ذاته، وهذا بدوره، يولد سلسلة متكاملة من الدلالات، تعتبر أحياناً بالنسبة للمؤرخ والإنسان المعاصر أكثر أهمية من المسائل الجمالية الصرفة. وعليه فإننا نستطيع اعتبار الدلالة السينمائية على أنها دلالة يعبّرعنها بوسائل اللغة السينمائية، ويستحيل وجودها خارج نطاق هذه اللغة، وهي نتاج ذلك الترابط الخاصّ الذي يقوم بين العناصر السينمائية، ترابط خاصّ بالسينما، والسينما وحدها.
يقول ((ايروين بانوفسكي))مؤلف الفنون و الاستاذ بجامعة برنستون الامريكية، ان السينما سواء احببنا ام لم نحب، هي القوة التي تصوغ اكثر مما تصوغ اية قوة اخرى (اراء ،الاذواق ،اللغة ، الزي ، السلوك ، بل حتى المظهر البدني لجمهور يضم اكثرمن ستين في المائة من سكان الارض.) (29 ).
إن تعريف الصورة السينمائية سهل ومعقد في آن، سهل إذا ما تعاملنا معها من وجهة نظر تقنية محضة، أي كوحدة بسيطة تتكون منها اللقطة.. أو إذا ما علمنا بأنها تتكون من 24وحدة "frime" في التلفزيون و 25وحدة في السينما( 30). لكن إذا نظرنا إليها من حيث إنها مركز للتواصل فهنا يكمن الإشكال: هناك الصورة التي نكونها عن أنفسنا حيث من شأنها أن تطلق أو تلحم دوران الكلام الإبداعي فينا، ثم هناك الصورة التي يكونها الآخر عنا: صورة الآخر، وهي صورة مبتكرة من أجل التعبير، أن تقول وتقول، العالم، أي الصورة، الخطاب من أجل أن نكون الأحسن. ففي مجال الفن مثلاً، الصورة تصدم، وهذه الصدمة توقظ شعور كل واحد وتمجده.. إن التواصل عبر الصورة وبها، يتيح لنا الاقتراب من وحدتها الأصلية واعتبارها مصدر إبداع ووسيلة تواصل فنية كما إنها صيرورة اجتماعية تتيح الارتباط بالآخر والاندماج داخل المجتمع والتاريخ. لأنها ستصبح وثيقة تاريخية مع مرور الزمن. عندما اقرا مشهدا، اضع كلماتي على افكار شخصيات الكاميرا و على افكار المبدع، اعطى صوتا الى تلك الافكار، رغم ان كل ما استرشدت به هي وجهات النظر المؤطرة من قبل الكاميرا وجهات نظر حيث المبدع غائب وحيث اشخاص الكاميرا حاضرة فقط، كما لو كانت، من الخارج، تطالب تأكيداتي بالتحقق – و تطالب بان الفلم قادر على الانجاز – شيا ما يعتبره الشكي مستحيلا(31 ).
اذا من هنا بالامكان ان تكون الصورة في السينما اكثر عامل دلالي لتعبير عن ما مراد ايصاله من قبل العاملين على الفلم من توصيل اشياء مبطنة الى جمهور قد تكون غائبة عنها هذه الافكار او قد تكون غير قادرة على البوح بها بصورة علنية .هنا تاتي الصورة على تعبير بشكل افضل في ديمومة التواصل و ايصال الفكر المعين.
خطيرة هي السينما وكلما تعمق الانسان في فهمها ودراستها، حتى اذا كان هاويا، استطاع ان يتذوق الجيد من الافلام، وازداد فهمه لها وادراكه لفنون التصوير والاخراج والمونتاج وغيرها(32).
لقد تطورت البرامج المعلوماتية وواكبت المخيل البشري إلى ابعد حد.. لان في الوقت الحاضر تدخل التكنلوجيا في تبسيط توصيل الحلقات التعبيرية والدلالية والسيميولوجية، لتكن هذه الصورة هي المنبر الناطق من غير كلام ومعبر عن حالات معينة بمجرد النضر اليها أو مشاهدتها في لقطات متتابعة في السينما والتي تعتبر هي مهد التعبير الدلالي . فالإطار الفني الذي يتوفر على تكوين تقني وفني رفيع، يضيف الشيء الكثير إلى المادة البصرية( 33). إن مقومات الصورة الناجحة الآن هي التي تتوفر على بنية تحتية قوية على مستوى العتاد والراسمال... إضافة إلى أصالة وعمق الرؤية الفنية.. فكما لا يخفى علينا، الصور المستوردة تكون محملة بالأفكار المبطنة والرؤى الإيديولوجية والسميولوجية ايضا لان لكل منطقة او رقعة جغرافية دلالاتها وقوة تعبيرها التي تعبر عنها الصورة المنتجة في تلك الرقعة.. لذلك فأهمية نشر الوعي البصري عملية ضرورية جداً إذا ما علمنا بأن المجتمعات تخترقها الصور القادمة عبر الأقمار الاصطناعية في عقر دارها. وانه يمثل مجتمعا جديدا معقدا متشابك العلاقات و في نفس الوقت سلعة منزلية ظرورية( 34).
الصورة أبلغ من الكلام وأسرع في الوصول إلى المتلقي وأكثر تأثيراً فيه. ان المتفرج يبدو كما لو انه الة اورغن عملاقة تقوم انت و انا بالعزف عليها ،اننا نعزف في لحظة ما تلك النغمة لنحصل على رد فعل محدد و في لحظة اخرى نعزف نغمات اخرى لنحصل على رد فعل اخر( 35).
هذاهذا الموضوع مثير للجدل، خاصة وأنني كدارس من الذين يركزون على قراءة الصورة في إطارها التاريخي والموضوعي الذي خلقت فيه، والتي تعتبر كصفة على العبير المبطن عن ما هو ملتقط..
فسبب الثورة التكنولوجية المدهشة راى الرسماليون انفسهم في وضع جديد فبامكان الفنان مثلا ان يتصور كاميرا في منتهى خفة الوزن و منتهى الصغر بحيث يقترب وزنها و حجمها من النظارة اللاصقة لا سيما ان نقل الالات السينمائية كان يعيق المبدع عن قيام باشياء كثيرة( 36).
.. إن الصورة السينمائية قد أصبحت صناعة تتطلب أموالا ضخمة.. جل المعدات التقنية يستوردها الشرق من الغرب، وعندما نستورد جهازاً معيناً فإننا نستورد معه قيماً ثقافية معينة لا يمكننا الاشتغال خارجها. يعتمد التعبير السينمائي على الاداة التقنية لوسيلة الاتصال السينمائية وتشمل هذه الاداة اربعة عوامل اساسية:الكاميرا، والميكرافون، والشاشة، والمونتاج يغطي المونتاج عملية قطع اشرطة الفلم و مسار الصوت و يلعب جهاز العرض دوره فيما يتعلق بالشاشة( 37). ودراستها تتيح الإطلاع على مدى غنى وتعدد دلالات خطابها، حيث نستطيع كشف دلالاته المتعددة ومحاذاة قوته عوض أن يصبح مسيطراً علينا.. إننا نوجد في عالم طافح بالصور السينمائية والتلفزيونية والاشهارية.. حيث يصعب على المتلقي اتخاذ موقف تراجعي أمام تلك الصور التي تحاول الانغراس في دائرة تفكيرنا والإيقاع بنا.. في الحقيقة لا يمكن في هذا المقام سرد كافة التفاصيل التي من شأنها تمكين القارئ من تحليل وقراءة الخطاب الفيلمي(38 ). لكنني أركز كدارس على أن المفتاح الأول هو المعرفة التقنية بعالم الصورة، خاصة وانه يستعصي فهمها وتحليلها على مستويات عدة دون الإلمام بالجانب التقني وما يكتسيه الرمز بصفة عامة داخل مجال الصورة، كالرمز الفوتوغرافي مثلاً، ثم دلالة الألوان ورمزيتها وأهمية الحركات في تشكيل الخطاب الفيلمي، دون أن نغفل الخطاب اللغوي والسرد الفيلمي.. إضافة إلى معرفة مسار بعض صناع الصورة واهتماماتهم، كالمخرج نظراً لأهميته الحاسمة في الإشراف على صناعة الصورة السينمائية وذلك من خلال رؤيته للأشياء والوجود ومدى أهميتها في إعطاء نظرة أو مقاربة سوسيولوجية شاملة أو تقريبية لمجتمع ما، حيث تصبح الوثيقة المصورة مصدراً من مصادر التحليل السوسيولوجي.. فغالباً ما تسبق شهرة المخرج أو النجوم الذين يتقمصون الأدوار الرئيسية في الفيلم، سمعة المنتوج و هذا مما دعى هتشكوك باستخدام كل من الكاميرا والمونتاج لكي يخدع المتفرج. عندما يقوده بشكل سينمائي الى العديد من الطرق الفرعية المسدودة و مل الشاشة بمناظر بصرية تصرف نظرةه عن الموضوع الاصلي(39 ).
خلاصة القول ان الفيلم هو وثيقة مفتوحة على عدة تأويلات وقراءات ممكنة، كل حسب مستوى معارفه.. وإن كانت المعرفة التقنية أساسية.. لأن الصورة يتداخل في تشكيلها: الأدبي (القصة، الحوار...)، المرئي (الضوء، اللون..)، الفيلمي (المونتاج، المؤثرات البصرية)، المسموع (ضجيج، موسيقى..)، السمعي، البصري (المزاوجة المنطقية بين الصور والأصوات(. الدلالة الصورية في السينما امر يتعلق بتعبير قياسي مشابه ما دامت السينما تعد نظاما ينقل للمشاهد رسالة.
في بحثه عن (دلالة السينما) استنتج ميتز ان النظام السينمائي يفتقر الى شئ يمكن مقارنته مع مستوى وظائف الاصوات في لغة. وليس للسينما نظام الفونيم (وحدة صوتية) ولا كلمات. فالصورة تعد (كلمة) والمقطع او المشهد (جملة) وتكون الصور جملا عديدة او المشهد (جملة) وتكون الصور جملا عديدة او مقطعا معقدا (للخطاب). ندرك لغة السينما من خلال سيميائية (التضمين) اي اقتران معان بلفظ ما. والسيميائية (التعينية) تتاطر في اطار الفريم (تركيب الصورة). هكذا بدات اذن السيميائية في ارساء قواعد منطقية في تنسيق وحداتها( 40).
لقراءة التتمة المرجو تحميل المقال كاملا في 41 صفحة من هنا