تعـود قراءتي لرواية " السـّّد " للأستاذ محمود المسعدي إلى أواخر السبعيــنيات من خلال سلسلة دار " عيون المعاصرة " الصادرة فــى تونـس ، وأود قــبل الولـوج في قراءة جديدة لهذا العمل الإبداعي الجميل الذى قال عنه الأستاذ " توفيق بكار "المسؤول عن السلسلة ، لا يزال السّد إلى اليوم يتيم دهره ، نصًا وحيدًا غريـباً كأول عهده، أن أنوه الى نــقطة هــامة ذات علاقــة بـهذا العمل الفريد فــى الأدب العربـي المعاصر تقنية ولغة ، بأنه عنذ إقتنائي نسخة من طبعتها الجديدة ، الصادرة عن نفس الدار عام 1992 بعد ضــياع نسختى القديــمة في حلي وترحالي ، لفــت نــظري أن أستاذنا توفيق بكار قد حذف التقديم لهذه الرواية لعميد الأدب العربي "طه حسين " كان قد دبج بها الطــبعة الأولى ، ولا نـدري ســبباً لذلك الحذف ، خاصة وان الأسـتاذ بكـار يدرك أن مقدمة طه حســين لعــمل الأسـتاذ المسعدي لها بعُد آخر يتمــثل فــى الظاهرة التعبيرية " للمحاكاة " كإبداعات ملحقة لجوهر العمل الأصلي ، الذى أراه من وجــهة نظري الاندماج الاختياري للروح العربــية بطابع مشــترك لشخصيـتين تتعانقان في تاريخ الأدب العربي المعاصر ، لتكونا المعنى المقصود مـن النـثر الفـني بوجهــيه العام والخاص ، فاستاذنا توفيــق بكار الذى يتمــتع بحس مرهــف ، ولغة راقــية عنذ تــقديمه للعــديد من الأعمال ذات الطــابع الفلسفي ، يرمي إلى الاجتــهاد والإبانة وتأدية الجــهد فى صــيغة فنية ، وهوما أعــتبره بحذفه لهذه المــقدمة بمــثابة الفصل التعـسفي بيــن مضمون إبــداعي راق لعمل واحد يلــتقي في الشرق العربــي بمغربه، في بُعد مكــمل لبعضه ، وما أملنا إلا أن نـرى في طبعاته القادمة ، وقد وجد الأستاذ بكار هذين العنصرين المهمـين في إبداعهما، باعتــبار أن مقدمة طه حســين جزء مكمل لهذا العمل الإبداعي .
أقول بعد هذه المقدمة الضرورية إن من خلال قراءتي لنص الأستاذ المسعـدي السّد قد اضناني ذلك الصراع بين المأساة والزمن ، ليكونا صدمة حضارية مشبعة بـذلك الهم الإنساني المتجدر في شخوص الرواية الحاملة لأسماء جاهلية ميمونة ، غيلان
مياري ليخترق المفهوم المسيحي ، الذى يلتــئم ضمن التتابع للفاجعة العــبرية التــى نسجت من خلال التوراة ليحاصرها في بعدها المسيحي مــن خلال المسيح ، ليعانـق في النهاية ملامح المأساة اليونانية .
فبقراءتي المتأنية الثانية لهذا العمل الإبداعي ، أرى أنــه عمل متمــيز للنخـبة ، التي قال عنها الكاتب العملاق عباس محمود العقاد ، إنني أكتب لذوى العقول ، والمسعدي كتب لهؤلاء الصفوة ، لمن لديهم القدرة الفكرية والعمق لفهم المعنى الذي يلتقي مــن خلال لغة راقية لذلك الزمن الجميل ، يوم أن كانــت اللغة جسما ينــبض ، ووســـيلة لتوصيل مضمون النص ، فانتقاء الكلمة بالنسبة اليه كانتقاء الخيط لصانع بردة يتدثر بها لوناً ودفئاً ودوقاً.
فـــمرامي الاتــكاء على المأساة التــي ارتكز علـيها القاص ، تتعــدى الظاهر المعلن للتعبيرعن حقيقة مجازية معاصرة ليحيي فصولها فى زمننا الراهن ، فالمبدع يقودنا في النص الي تفاصيل متعددة، في الجزئية التفصيلية التي تغوص في أعماق عالم من الرؤى المتداخلة في شموليته ومدلوليـته النفسية لتغدو مفرداته إشارات تعزي معـناها أكثر مما تخفيه ،وأن توظف مضمون عنفوانـها الرمزي ، لتجعل مـن الحدث واقـــعاً يومياً معاشاً في فضاءات الحياة اليومية الحافلة بالمأساة مع تسابق الزمن الكئيب.
فالمسعدي في عمله هذا طرح بكل عنـف ذلك الزخم الذي يشكله حـسّه الإبداعي مــن خلال المعانـاة الشــديدة للأنــتماء للأرض المهــووس بتحررها وانعــتاقها ، في ظــل مفردات لـم تكتمل بعــد في تلك المرحلة ، ومناجاته لـذلك البعد الجـميل المتجسم فــي الجبل وقممه ومهاويه ، ورموزه المتسامية .
" تقول ميـمونة ، وعلـي وجهها مسحة مـن الشـحوب والعـلة ، وإن أهـل الوادي لمـن أدهى ما رأيت من المفسدين الهـدامين ، وإني لأسـمع الجبل يضحك لما غشوك به من البناء الزائف ". وعلى لسان " مياري " ذلك الخيال والطيف من الشخوص المحدودة للرواية عندما يجسد فيها العاطفة ، وطفحان العواصف بالقول :
ستخلق الرياح العواصف.
وتخلق الرعود الزلازل .
سننشيء السّد .
وننشيء الحب .
إنه الـسّد ..تقـول الأسطورة ، هــذا الكــيان النابــض بفيض الحياة ، يلفــح ويخــصب الأرض،كمــا تخــصب الأرحام !! فالشـخوص الثلاثة للــرواية تلفـح تقاطيع وجــهك بحضورهـم الواثــق المتميز ، وبفلسفتهم الموغــلة ، فـي البحث لـها عـن مكان تحت الشمس من خلال الصخب القاتل حولهم ، فغيلان يُفعل المأساة بمعناها فــي المفهوم اليوناني ليــهزم أرض السواد الضاربة في القحــط والعذاب فلا يسّلم نفــسه للأبعاد الثلاثة التي تكون هيكله كإنسان من قلب وروح وإيمان ، بـل يجعل عنُصر المقــاومة الذاتية مــن الداخل الموسومة بالإندحار والتــقوقع ، مأساة يغالب فيها أقداره كإنــسان يحمل في داخله بذرة الإعتراف بالواقع من أجل معانيه!!
هــذا الإعتراف الضمني يعطي بعـداً ثالثاً لكيفية الربط بين المأساة والزمن ، ليــكون بعداً برزخياً لإنسان لاينقطع إتصاله بمفهوم الحياة القادرة علي الإنـتصار والهزيــمة في آن واحد .
فاغيلان الذي يكابد ضروباً من أنواع البؤس المــدفون ، يعانق في ذات الوقــت ذلك الحّس الملبوس بالشـبق ، المزروع في جسـد ميمونة ، الذي يبحث عــنه مــن خلال مياري ذلك الخيال والطيف للحب والجمال بهدف البقاء.
هذا هو استاذنا محمود المسعدى رحمـه الله يخاطبنا فــي الـسّد ، كما يداعبنا فى مولـد النسـيان بمأساة الزمن ، ليــقول لنا إن مفـهومها يـقوم علي جــوهر مناقضة الإنــسان لذاته ورغباته ومصيره الذي يرمز إلي الله عز وجل المسير لدفة الحياة البشرية .
فـــمرامي الاتــكاء على المأساة التــي ارتكز علـيها القاص ، تتعــدى الظاهر المعلن للتعبيرعن حقيقة مجازية معاصرة ليحيي فصولها فى زمننا الراهن ، فالمبدع يقودنا في النص الي تفاصيل متعددة، في الجزئية التفصيلية التي تغوص في أعماق عالم من الرؤى المتداخلة في شموليته ومدلوليـته النفسية لتغدو مفرداته إشارات تعزي معـناها أكثر مما تخفيه ،وأن توظف مضمون عنفوانـها الرمزي ، لتجعل مـن الحدث واقـــعاً يومياً معاشاً في فضاءات الحياة اليومية الحافلة بالمأساة مع تسابق الزمن الكئيب.
فالمسعدي في عمله هذا طرح بكل عنـف ذلك الزخم الذي يشكله حـسّه الإبداعي مــن خلال المعانـاة الشــديدة للأنــتماء للأرض المهــووس بتحررها وانعــتاقها ، في ظــل مفردات لـم تكتمل بعــد في تلك المرحلة ، ومناجاته لـذلك البعد الجـميل المتجسم فــي الجبل وقممه ومهاويه ، ورموزه المتسامية .
" تقول ميـمونة ، وعلـي وجهها مسحة مـن الشـحوب والعـلة ، وإن أهـل الوادي لمـن أدهى ما رأيت من المفسدين الهـدامين ، وإني لأسـمع الجبل يضحك لما غشوك به من البناء الزائف ". وعلى لسان " مياري " ذلك الخيال والطيف من الشخوص المحدودة للرواية عندما يجسد فيها العاطفة ، وطفحان العواصف بالقول :
ستخلق الرياح العواصف.
وتخلق الرعود الزلازل .
سننشيء السّد .
وننشيء الحب .
إنه الـسّد ..تقـول الأسطورة ، هــذا الكــيان النابــض بفيض الحياة ، يلفــح ويخــصب الأرض،كمــا تخــصب الأرحام !! فالشـخوص الثلاثة للــرواية تلفـح تقاطيع وجــهك بحضورهـم الواثــق المتميز ، وبفلسفتهم الموغــلة ، فـي البحث لـها عـن مكان تحت الشمس من خلال الصخب القاتل حولهم ، فغيلان يُفعل المأساة بمعناها فــي المفهوم اليوناني ليــهزم أرض السواد الضاربة في القحــط والعذاب فلا يسّلم نفــسه للأبعاد الثلاثة التي تكون هيكله كإنسان من قلب وروح وإيمان ، بـل يجعل عنُصر المقــاومة الذاتية مــن الداخل الموسومة بالإندحار والتــقوقع ، مأساة يغالب فيها أقداره كإنــسان يحمل في داخله بذرة الإعتراف بالواقع من أجل معانيه!!
هــذا الإعتراف الضمني يعطي بعـداً ثالثاً لكيفية الربط بين المأساة والزمن ، ليــكون بعداً برزخياً لإنسان لاينقطع إتصاله بمفهوم الحياة القادرة علي الإنـتصار والهزيــمة في آن واحد .
فاغيلان الذي يكابد ضروباً من أنواع البؤس المــدفون ، يعانق في ذات الوقــت ذلك الحّس الملبوس بالشـبق ، المزروع في جسـد ميمونة ، الذي يبحث عــنه مــن خلال مياري ذلك الخيال والطيف للحب والجمال بهدف البقاء.
هذا هو استاذنا محمود المسعدى رحمـه الله يخاطبنا فــي الـسّد ، كما يداعبنا فى مولـد النسـيان بمأساة الزمن ، ليــقول لنا إن مفـهومها يـقوم علي جــوهر مناقضة الإنــسان لذاته ورغباته ومصيره الذي يرمز إلي الله عز وجل المسير لدفة الحياة البشرية .
عبد الرزاق العاقل كاتب من ليبيا