قصتي هاته
لم أكتبها كما تكتبون بالحبر على الورق..
في برهة من الزمن،
وإنما كتبتها بدمي ..
فلو أتيتم إلى هناك،
حيث سقطت..
لوجدتم قطرات دمي اجتمعت..
وكونت صفحة على التراب..
وستظهر لكم الحروف والكلمات..
أنظر اليهم، فينقبض قلبي، ويكتسح بدني عرق ساخن.. أطفال في سنك وأقل يمارسون لعبة الحرب، وأنت، واقف مكتوف اليدين ترنو اليهم بعينين دامعتين ..
- يكفينا نصيبنا يا بني، تقول لك، أبوك في السجن، أخوك أيمن استشهد، فلا تقتلني كمدا عليك يا بني..
أنظر اليهم، فأراني أنطلق كالسهم نحوهم، أتناول العلم باليسرى، وحجرا باليمنى.. أرمي وأرمي، ويرن صوتها في أذني لا لا.. فتظلم الدنيا أمامي، وأبتعد حالما بيوم مشرق جميل، تأذن لي فيه أم أيمن قائلة : إذهب يا بني.. اذهب.
دفعت الباب ودخلت .. ناديتها فلم أسمع لها صوتا أو حركة، كررت النداء، فلم يظهر لها أثر..
أين اختفت؟ أين غابت؟
قلت في نفسي، هون عليك يا محمد، لن تكون الا هنا أو هناك ..
دعها تستكشف ما حولها، لكن ليس من عادتها أن تبتعد عني، هي لا ترتاح إلا بالقرب مني..
حرت في أمري وقمت أبحث عنها، بحثت في المطبخ الصغير بين الأواني وتحت الطاولة، ثم في الغرفتين، فلم أعثر لها على أثر.
كانت دائما تنتظر عودتي من المدرسة على عتبة البيت، بشوق كبير، وما أن أبدو لها حتى تهرع إلي، تتمسح بي، تتعلق بملابسي، ثم تقفز على كتفي لتبدأ سمفونية هريرها معبرة عن ولعها، وتعلقها بي.
فماذا جرى؟ أسحرها عاشق ولهان، فتاهت وراءه، ونسيت حبي لها؟ كان عليك أن تخبريني يا عزيزتي فأزفكما إلى بعض، وتعيشان معي قريبا مني، أم تراها ملت صحبتي فقررت المغامرة، ومعرفة ما يدور حولها، إن كان هذا فقد أخطأت يا عزيزتي، فليس حولك إلا الموت والدمار، أصيخي السمع تسمعين الرصاص يلعلع في كل مكان..
ارجعي يا عزيزتي فأنت تركضين إلى الذئب كعنزة السيد سوغان، عودي فأنا في انتظارك لنسير في طريقنا الجديد، نقتلع الحجر، ونبني به نجوما قي السماء يهتدي بها التائهون في براري الانتظار..
تعالي فالغيم سينقشع، ستخضر الأرض، تورق الأشجار، ويعود الربيع في لباس العيد، فتزهو الفراشات، وتشدو العصافير، ونلعب لعبة الغميضة في حديقة بيت جميل..
عودي يا رفيقتي، فالثعالب التي اختطفتك من قبل لها حيل الأبالسة، أتذكرين؟ كانوا خمسة.. يدورون حول شجرة الليمون، وقد عقدوا رجلك بخيط وعلقوك بغصن، أتذكرين؟ كانوا يدفعونك وهم يقهقهون وأنت تموئين مواء مؤلما، طالبة الإغاثة.. تقدمت نحوهم أتذكرين؟ واتفقت معهم على أن يسلموك إلي مقابل علبة السجائر التي بعثني أبي لشرائها، كنت صغيرة بيضاء بلون الثلج، بعينين صافيتين كالبلور وشعر ناعم كالحرير، وأحببتك..
وسألني أبي عما بعثني لشرائه، أتذكرين؟ لم أعرف بماذا أتفوه، أأقول له إنني استبدلته بقطة؟ أم أقول له إن خمسة ثعالب حقيرة أخذته مني؟
ولما أخذ أبي يصب جام غضبه، وحاول ضربي، حكيت له ما حدث، أتذكرين؟ لقد جرى إلي ضمني إليه، ثم قبلني وخرج، ولم نره منذ ذلك اليوم، أتذكرين؟
فأينك يا عزيزتي؟ أينك؟
هذا مواؤك يصلني، لا، لا، هذا مواء غريب عن أذني، مواء حزين، وأنا ما عهدت مواءك حزينا، فماذا جرى؟ قفزت من مكاني نحو الباب، كنت آتية نحو البيت تترنحين، أسرعت إليك وما إن حملتك حتى انساب دمك بين أصابعي، أخذت أصيح وأبكي بدموع لا تشفي غليلي، وخرج صاحب الطاقية ذي النجمة السداسية، وبيده بندقية، ونهرني قائلا : اغرب من وجهي أيها الجرو واختبئ في جحرك الذي سأطردك منه قريبا.
جلست على عتبة البيت كاسف البال، دامع العين، بين يدي جثة قطتي، استعرض ذكرياتي معها.
ولم أفق إلا وبياسر ابن أم جهاد جارتنا يخاطبني :
- أتعرف لماذا قتلت قطتك؟
- انتفضت سائلا: لماذا ؟ لماذا؟
أجابني: كانت قطتك قد اصطادت هذا الصباح فويرة، فأخذت تتلاعب بها أمام البيت، وأبصرها القط المنتفخ ذو الشعر الكثيف، فاقترب منها وظنت قطتك أنه يريد أن يشاركها اللعبة، إلا انه لم يكن كذلك، حيث كان يود الاستيلاء على الفويرة.
ولما انكشفت للقطة نيته، بطشت به وعضته في معظم جسمه، فأبصر صاحبه ما جرى، فأسرع إلى بندقيته، وأطلق عليها النار.
ولم أشعر إلا وأنا أصيح، قطتي دافعت عن حقها فقتلت، إذن قطتي شهيدة، وأنا أنتظر تحرير أرضي من السماء.
اجتمع أطفال الحي حولي، زغردت النسوة، ضمتني أمي إلى صدرها، نظرت إليها فقابلني وجهها المشرق الحنون، ابتسمت وقالت: اذهب يا بني، اذهب، ورسمت شارة النصر بأصابعها.
قبلت يدها، وانطلقت وزملائي حولي ، العلم بيسراي والحجر بيمناي، وسرت أرمي وأرمي إلى أن أصيب صدري بالرصاص، فسقطت، فلو أتيتم لوجدتم قطرات دمي اجتمعت وكونت صفحة على الأرض وستظهر لكم الحروف والكلمات، فاقرؤوا...
أنظر اليهم، فأراني أنطلق كالسهم نحوهم، أتناول العلم باليسرى، وحجرا باليمنى.. أرمي وأرمي، ويرن صوتها في أذني لا لا.. فتظلم الدنيا أمامي، وأبتعد حالما بيوم مشرق جميل، تأذن لي فيه أم أيمن قائلة : إذهب يا بني.. اذهب.
دفعت الباب ودخلت .. ناديتها فلم أسمع لها صوتا أو حركة، كررت النداء، فلم يظهر لها أثر..
أين اختفت؟ أين غابت؟
قلت في نفسي، هون عليك يا محمد، لن تكون الا هنا أو هناك ..
دعها تستكشف ما حولها، لكن ليس من عادتها أن تبتعد عني، هي لا ترتاح إلا بالقرب مني..
حرت في أمري وقمت أبحث عنها، بحثت في المطبخ الصغير بين الأواني وتحت الطاولة، ثم في الغرفتين، فلم أعثر لها على أثر.
كانت دائما تنتظر عودتي من المدرسة على عتبة البيت، بشوق كبير، وما أن أبدو لها حتى تهرع إلي، تتمسح بي، تتعلق بملابسي، ثم تقفز على كتفي لتبدأ سمفونية هريرها معبرة عن ولعها، وتعلقها بي.
فماذا جرى؟ أسحرها عاشق ولهان، فتاهت وراءه، ونسيت حبي لها؟ كان عليك أن تخبريني يا عزيزتي فأزفكما إلى بعض، وتعيشان معي قريبا مني، أم تراها ملت صحبتي فقررت المغامرة، ومعرفة ما يدور حولها، إن كان هذا فقد أخطأت يا عزيزتي، فليس حولك إلا الموت والدمار، أصيخي السمع تسمعين الرصاص يلعلع في كل مكان..
ارجعي يا عزيزتي فأنت تركضين إلى الذئب كعنزة السيد سوغان، عودي فأنا في انتظارك لنسير في طريقنا الجديد، نقتلع الحجر، ونبني به نجوما قي السماء يهتدي بها التائهون في براري الانتظار..
تعالي فالغيم سينقشع، ستخضر الأرض، تورق الأشجار، ويعود الربيع في لباس العيد، فتزهو الفراشات، وتشدو العصافير، ونلعب لعبة الغميضة في حديقة بيت جميل..
عودي يا رفيقتي، فالثعالب التي اختطفتك من قبل لها حيل الأبالسة، أتذكرين؟ كانوا خمسة.. يدورون حول شجرة الليمون، وقد عقدوا رجلك بخيط وعلقوك بغصن، أتذكرين؟ كانوا يدفعونك وهم يقهقهون وأنت تموئين مواء مؤلما، طالبة الإغاثة.. تقدمت نحوهم أتذكرين؟ واتفقت معهم على أن يسلموك إلي مقابل علبة السجائر التي بعثني أبي لشرائها، كنت صغيرة بيضاء بلون الثلج، بعينين صافيتين كالبلور وشعر ناعم كالحرير، وأحببتك..
وسألني أبي عما بعثني لشرائه، أتذكرين؟ لم أعرف بماذا أتفوه، أأقول له إنني استبدلته بقطة؟ أم أقول له إن خمسة ثعالب حقيرة أخذته مني؟
ولما أخذ أبي يصب جام غضبه، وحاول ضربي، حكيت له ما حدث، أتذكرين؟ لقد جرى إلي ضمني إليه، ثم قبلني وخرج، ولم نره منذ ذلك اليوم، أتذكرين؟
فأينك يا عزيزتي؟ أينك؟
هذا مواؤك يصلني، لا، لا، هذا مواء غريب عن أذني، مواء حزين، وأنا ما عهدت مواءك حزينا، فماذا جرى؟ قفزت من مكاني نحو الباب، كنت آتية نحو البيت تترنحين، أسرعت إليك وما إن حملتك حتى انساب دمك بين أصابعي، أخذت أصيح وأبكي بدموع لا تشفي غليلي، وخرج صاحب الطاقية ذي النجمة السداسية، وبيده بندقية، ونهرني قائلا : اغرب من وجهي أيها الجرو واختبئ في جحرك الذي سأطردك منه قريبا.
جلست على عتبة البيت كاسف البال، دامع العين، بين يدي جثة قطتي، استعرض ذكرياتي معها.
ولم أفق إلا وبياسر ابن أم جهاد جارتنا يخاطبني :
- أتعرف لماذا قتلت قطتك؟
- انتفضت سائلا: لماذا ؟ لماذا؟
أجابني: كانت قطتك قد اصطادت هذا الصباح فويرة، فأخذت تتلاعب بها أمام البيت، وأبصرها القط المنتفخ ذو الشعر الكثيف، فاقترب منها وظنت قطتك أنه يريد أن يشاركها اللعبة، إلا انه لم يكن كذلك، حيث كان يود الاستيلاء على الفويرة.
ولما انكشفت للقطة نيته، بطشت به وعضته في معظم جسمه، فأبصر صاحبه ما جرى، فأسرع إلى بندقيته، وأطلق عليها النار.
ولم أشعر إلا وأنا أصيح، قطتي دافعت عن حقها فقتلت، إذن قطتي شهيدة، وأنا أنتظر تحرير أرضي من السماء.
اجتمع أطفال الحي حولي، زغردت النسوة، ضمتني أمي إلى صدرها، نظرت إليها فقابلني وجهها المشرق الحنون، ابتسمت وقالت: اذهب يا بني، اذهب، ورسمت شارة النصر بأصابعها.
قبلت يدها، وانطلقت وزملائي حولي ، العلم بيسراي والحجر بيمناي، وسرت أرمي وأرمي إلى أن أصيب صدري بالرصاص، فسقطت، فلو أتيتم لوجدتم قطرات دمي اجتمعت وكونت صفحة على الأرض وستظهر لكم الحروف والكلمات، فاقرؤوا...