أيقظ قريحته ليل هادئ،سكن فيه،تحدث إلى كائناته الليلية المختلفة عنا ،جمع بعض كلماته المتدفقة،تابع تصاعد الأنفاس من دفاتر الأيام الماضية ،لم يشأ أن يوقظ الذاكرة الحية في باقي مناحي الحياة،وعلى مقربة من هطل متعاظم،ناشد الغروب والشروق،وهما مجتمعين إلى ضفة نهر على غير عادتهما اجتماع حياة بلون آخر .
الأسئلة التي يلقيها النائم كرها،تقف عند المنحدر،و عند بقايا أوراق ممزقة من جرائد ملوثة، ترسم العهد الجديد .
وهو يتحسس الزمن،تنحبس كلمات شاردة ،عند معبر تلك الممنوعات والمنعطفات،ثم تهيم في أرجاء المجسم الزمكاني .
لم يكن من الكائنات الليلية ،إلا نعاس وتثاؤب،كلمات مرسلة بصوت خافت، تنادي الشروق ،وأخرى تنادي الغروب،وتسائِل الكواكب والنجوم،التي تختفي مكرهة ،وتذكر لبقايا الأحداث حكايات عاث أبطالها فسادا ،في مكان ما وعالم ما .
الحسابات الدقيقة، تجر الأحداث والأشياء إلى الإنصياع ،وتدبير أمور شتى إلى حيث التوازن اللامرئي .
شيء ما يغرق هناك ،بركان ثائر هنالك ،ونار متأججة في المراجل، وآخرون ينفخون الأراجيل بسأم يختلط بدخان وخرير ماء.
النجوم هذا المساء، كأنها تهيكل تموقعها الفجائي،هناك حيث ينعكس ضوء خافت، على ذلك الغبش الآيل إلى الغياب، في تلك الأبعد المكتملة ،يشرد الإنسان سابحا في الآيات والآلاء،و...
سمعت أحدهم ،يتحدث عن أسباب ،ومغيبات وغياهب ، يجر أذيال خيبة متنكرة في ثوب الإنصهار،يرسم لنا حالات عابثة ،لا ترتسم على الأمكنة ،ولا وجوه على الأشخاص، الذين يختفون في هدوء حياة بئيسة .
يذكِّره فيلسوف غارق في الحيرة و الإرتياب ، بترابط الأحداث وتجاذب الأشياء قائلا:
على القمم كنت أبحث عن صدى أزمنة، وخيوط من شعاع نوراني رهيب،وفي اللغة بحثت في دلالة الكلمات،فجبت عالم اللسانيات،ثم عدت إلى نقطة البداية وهناك توقفت .
يقول وهو ينتظر من يصدقه :مابين الكلمات وصداها، يكمن السر العظيم ،الذي لم أقرأ عنه شيئا ، ولم أجد أثناء بحوثي المتكررة ما يشفي الغليل،لكنني أخيرا عرفت ،أن ما وراء صدى الأحداث،يختفي السر الذي يبحث عنه الجميع .
لم يكن ثمة الكثير من الوقت،الذي يمكن إنفاقه على بضعة أحداث بسيطة،لكن هناك عوالم و أحداث أخرى، تستحق أن نبعث فيها الحياة من جديد ،بمرورنا على سالف تاريخها.
يقول متعقب الأحداث على شاشة تلفاز معلق في قاعة الإنتظار:ليس في الأمر ما يستحق الذكر،غير أمور تحدث من جديد كما حدثت من قبل، كأنها تسترق منا حاضرنا ،لتعود بنا إلى ماض مؤلم،مرسِلة بين الحين والآخر، ما يجعل الإنسان عاجزا،يفضل التعبير بصمته، بدل حديث وكلام لا يفِيان بالغرض .
يقول الذي وثقوا به :إنها لن تعود ،لن تعود ،لأنها مخطئة ....!!
عمن تتحدث يا هذا ؟
كأنك تحكي عن امرأة !!
لا أنا ...
أنا أحكي عن تلك الأشياء، التي تحدثتم عنها ،فأخذَت من حديثكم وكتاباتكم أزمنة، لتكون ولم تكن،ولكنكم لا تدرون ،أنْ لا إجابة في عالم يخضع للدقة و المفاجأة ستغير من طريقته،ولا إجابة شافية عن أسئلة ،تظل قابعة ترسم ظلالها على واجهات صفحات الجرائد اليومية .
قلت :لعله سيعود لطبيعته وسابق عهده ،لتعبُر على بساطه الأزرق المراكب الهائمة،كأن لم يحدث شيء .
قال الفيلسوف: كلمات وعبارات ، نرجو أن يحكي عنها برنامج من برامجكم، التي ترسم حكايات شتى والحقيقة الكامنة التي تغيب عن الكثيرين، ولكن ....!هذا يبقى صدى عن حقيقة غائبة ...
قاطعه مدير القناة قائلا :
المعذرة سيدي ! لا نستطيع الإلمام بجوانب شتى مما تحكون عنه ،ولا يمكنننا إدراج ما تزعمون ضمن برامجنا التلفزية .