" بعض القصص التي انتهت في حياتنا.. نرغب بإعادتها فقط لتغيير مشهد النهاية."
بحث عن الولاعة كانت السيجارة بين أصابعه تنتظر .. بحث على الطاولة على المكتبة بين الكتب في ثنايا السرير و تحته أين إختفت منذ دقائق فقط كانت الولاعة بين يديه ؟ أين وضعها ؟ لا يذكر فتح خزانة الملابس لا أثر لها أيضا ..هو لم يخرج من غرفته بعد ..استلقى على فراشه هاهي الملعونة تحت الوسادة .. أشعل سيجارته حاول أن يتذكر شيئا ما ..فكرة راودته البارحة لكن النعاس أجلها للصباح ..أية فكرة راودته البارحة ؟؟ غالبا ما تراوده أفكار تشبه الشياطين في الليل و عادة ما يطردها و ينام ..لكن فكرة البارحة مجرمة و مغرية ظلت تراوده حتى في الحلم الذي عجز عن تذكره أيضا ... يريد أن يلتقطها .. فتش في ثنايا رأسه و في زوايا عقله لكن لاشيء يذكر سوى الصداع و الفراغ .. بحث في خزائن الذاكرة فتحها خزانة خزانة لم يكن هناك سوى السراب و بعض ذكريات قديمة غطاها الغبار و صور باهتة من الماضي .. فتح أبواب الغرف في رأسه حيث الرطوبة و خيوط العناكب حتى غرفته بالمبيت رائحتها لاتطاق وقف امام المرأة و ناجي خياله و تذكر :
إنني أقف في منتصف الجسر تحديدا ... لا أعلم كيف يقول لي صديقي أنني مهموم جدا و أتحمل مشاغل و أعباء اكبر من عمري .... أيّها الأحمق ..إنني لا أكاد أتحمل عبء معطفي الشتوي فوق ظهري .. الناس تتحرك كأنهم في خلية النحل . بإنتظام شديد .. من المؤكد أن نيتشه سيعجب بهذا النظام أكثر من إعجابه بالجيش .... علي كل سأواصل سرد ما حدث تلك الليلة بكل تلقائية ... كان يتسكع في ارجاء المدينة ... جيئة و ذهابا ... في ازقتها العتيقة و في دور الدعارة و البارات القذرة و في الحانة الرفيعة ... لم يجد مكانا يلتجئ إليه ... لم يجد أعين يختبئ فيها ... انا لست بخير . إن كنت تسألين عن حالي فإنني لست بخير لا من شيء و لكن من كل شيء ... لقد كنت صغيرا آنذاك ... و كانت امي تسئلني
_ هل تحبني ؟
_ طبعا يا أمي
لكن جوابي لها لم يكن يشفي غليلها و كانت تقول لي :
_ كم تحبني
_ كنت صغيرا و بريئا و كنت افتح يديّ و اطلقهما و اشير له بهذا القدر
أما الان فقد كبرت و ظلت يدايا مفتوحتين و لم تجد جسدا تعانقهما ......
عل كل ..نواصل من حيث توقفنا لكن بحب أكبر و أصدق ... ذاكرتي تخونني .. لا أتذكر ... ماللذي يحدث ... أفتح عيني في الصباح باكرا ... عندما أستيقظ.. أسأل نفسي أين أنا...ماللذي يحصل... هذه الجدران ليست جدران غرفتي ... سريرُ و طاولة مربعة لا تفتح شهية الدراسة و كرسي حديدي مع شمّاعة مثبتة على الجدار أعلق فيها ملابسي و في أغلب الاحيان أعلق فيها احلامي و طموحاتي .. هذا السقف ليس سقف بيتي.. ، أما الوسادة المحشوة بالحنان و المحبة الصادقة فهي سخيفة لدرجة انها تصدق أحلامي كل ليلة ... أنا أنام كي أرتاح و لا أنام كي أحلم أو أنساها كما يقول محمود درويش .. ذلك الاخير يمتلك مخيلة كبيرة ... أما أنا فإنني خائر القوي و منهك ... أنتظر في طوابير الموتي تُربيا يدفن جثتي ... الغطاء .. الهواء .. أين رائحة أمي ؟؟!... أين أنا ... لا أعلم .. اللعنة!...
أتذكر أني غادرت بلدتي إلى مكانٍ آخر مرغماً ، وأني هنا بلاعنوان بلا اسم.... إسم بلا لقب ... هوية دون تعريف ..أفتقد أصدقائي... انا نكرة ، فلا أحد هنا يعرفني ...لا أحد يناديني منذ زمن لم أسمع اسمي ... ياللغرابة ، وياللغربة ....غرباءُ نحن حتى عن أنفسنا غرباء نحن ، وكأننا خُلِقنا لنكتشف كم نحن ضعفاء و كم نحن في حاجة ملحّة إلي الرب ...أنا لا أعيش اللحظة ... أخاف من ضريبة الحب الباهظة و من ضريبة الضحك لانني أعلم انني سأدفع ثمنها اضعافا مضاعفة ...لقد فقدت شغف الحياة و لغزها ...النسيم يتسلل من نافذة غرفتي ... كأنه عطر إمرأة إسبانية ..عبث بجوارحي ثم تذكرت ... إنها رائحة الموت ... إنها رائحة الشهداء ..هذا عطر الشهداء ... شكري بلعيد لقد نسيت أن نافذتي تطل علي مقبرة الجلاز ... المأوي الاخير للشهداء .. أين يقضون فترة إستراحتهم ... هنالك حيث يكونون تونسيين دفعة واحدة ... الوطنية و الحب ... هي خطيئة الانسان الأولي في حق نفسه ... ثم تأتي الكراهية ... كل هذا الفرح الكاذب و الابتسامات الباردة على وجوه المترفين لن تغطي بذاءة هذا العالم الموبوء .... تلك المحارم التي يبيعها الفتي السوري في شارع الحبيب بورقيبة ... كلها لا تستطيع مسح دموعه ... يا محارم العالم إتحدي و كفني جثة هذا العالم .... لنصلي صلاة الغائب علي روح من أحب هذا الوطن ... لمن لم يبعه بحفنة دولارات .... آه آه آه ....كان يصيح بطريقة هستيرية ايقظت كل من يسكن في الطابق الثالث من المبيت .... لقد نسي السيجارة بين أصابعه دون ان يأخذ منه نفسا واحدا حتي أحرقت اصابعه ... وجد نفسه يقف امام مرآة الغرفة بوجه شاحب و جسدا منهك ... تأمل في صمت و قال : اللهم إني نويت الحب أو الحرب ......