وضعوا القيد في يدي وساقوني ،وصفحة بثقل الزمن تَشِم نفسَها على مؤخرة الرأس ،عرّجتُ لحظتَها على سبع معارج طباقا ،وسبع سماوات تُمَفصِلها جثثي، كما تَتَمفصَل هي عن رأسي ،غصْتُ في أمعاء التخوم أتتبع رقصاتِ الكون المبهمةَ ،وَتزَحزُحَ أطيافه ...منذ نشأتي كعنصر من خَلْق الله ،والقيود في كل مرحلة تتناسل ، و تبصق في فمي ،..
ترسم حدودا ،وفواصل لأناي ، هذا المخلوق الشاسع، الذي وُلد ليلحَس التعب ،باحثا بنشأته وإنشاءاته في قمم الأدغال عن مَبعثِ نور ..تتمثل لي صورتي لحظة كنت في الرحم ..أمَهد وقتها لكائن إنساني يجمع جزيئاتِ أطرافِه ،والتهيكل بالتدريج في بقعة لا تتعدّى ملمترات ،عليها حراس وعسس تتشابك ترقباتهم ونظراتهم ، تخلق منها حركات موغلة في الأسرار ،قاتلة للرغبات ..والشطط الغاصب يعلن الحَِجْر ويجهش بتطويق ناطق بجداريات المَنع ....كي لاأتجاوز المحيط المحدود ...
أتسلل من تشاعيب معتقل ،يغلق منافذ التنوير ،إلى منحدر أغواره متشبعة بغمة الظلم والظلام ،لأفتق الغِمد عن أقحوانة ناضجة ،علني أستظل برحيق ..فألفيْتُ الاحتياطي من القيود يتربّص بي، ليتمدد في القلب ،ويكبرَ ،ثم ينمو نحو أفق الآسيات ،يحطم كل مرافقي ومرفوقاتي ،وينصُب أمامي جدارَ حصار بأسلاك البؤس والكبت ،والقمع ثم الإحباط ..وهكذا أصبحت سجين خطواتي ،حركاتي، انحباسي ،اقتياتي، سغبي ظمئي، ريي ،أيةِ حركة مُهندسَة على إيقاع ،وفق إملاء خارج الإرادة والقرار ..
عيونُ الترقب مبثوثة في كل مكان ،وأنكال فرعونية منفوشة في كل اتجاه.. تحشر الأنف حتى في طوق العزلة ،هذا المتنفسُ الوحيد الذي يعيد للذاتِ الترتيبَ ،ويصحح الاختلال ..تخطط آنيا لتنسرب نحو الشرايين ،تُحكِم القبضَ كي لا تنفلتُ منها أيةُ بقعة .. تطرق بوابة قنواتي ، في تلاحق ،تُجَهّز ميلاطا من التسويف ،لتَحبِس ينابيع شهد قد ينهمر ..
تُفضّل تفريخ المستنقعات كأوجب الواجبات إكراما للإنسان ..رَدْمَ حقول التنوير والنور ..تُفرع شِعاع العنكبوت من حولي ،تلفني في المتشابك ،لأكتم هيجان ضوء يتدفق نحو القادمين ..وهذا لعمري لخوف مطنب في الضلوع ،يعري بالمباشر عن خزي مفتَعل وضاغط ..أحس أني بني آدمية ،فأتابع في مفازات نفسي طرقا مجردة من لحظات السراب ،أتلمس مَسْرى يفضي إلى الشمس بحبكة جديدة ....لأتجاوز مساطر فارغة تغلق أبوابا عن الحقيقة ،وتحاول دفنها في أقراط الغياب والزيف والقمع ...
وأغتنم أقرب مسرب تَلوح منه حباتُ نور ،وسبل تفتح السلسبيل نحو تفاح بني هاشم ،فلا أجد سوى لوحة ،تعلن عن محاولات ، لدك أرواح البشر،تفتح كل الواجهات، للالتذاذ بتمر منقوع في الدموع ..ومن شقاء البعض ،تبني صروحا.. تتوسد جثث المقصيين ....بحثت عن أناي عني ،وجدتني قابعة في زوايا مظلمة ،أحدق في الظواهر لأكتشف سرها المبهم ...و الأنكال تتقافز في فمي... كي لاتخبو الشعلة، أو أنحني لرضاب ..أشد حوافي الطريق بدمي، وأمشي في حقول مغموسة في عروقي ..
أتابع ،وغليان يسري في عمودي الفقري ،أقترب من المغارة حيث يُدفَن السّر ،تنهض الأرصفة بسياطها الماغولية، لتشُلّ الحركة أو تبترها من الجذور ..
أركب صهوة التحدي، وأشهر عنوتي في الريح اللافحة، لأحطم غلوها الممتد بقنواته البشعة الهدامة ،وأكسر عصيا تتوكأ عليها .....دخلت المعركة من الخلف ،فخرجت من الأمام أحمل لواء انتشالي من مسرب الطين ...سقطت ... فانقضوا عليَ ثم وضعوا القيد في يدي وساقوني .