"عشت معه
لأرى
كيف يحيا ..
بدوني"
هلا محمد
تحسبا لأن تمطر مساء كما تفعل أحيانا،تناولت قصفة قصائد ظلت تؤجل خواتيمها منذ مدة و حملت مظلة سوداء بحواشي زرقاء تليق بالأسود الذي يطرز ملامحها ، ثم قصدت ذلك المقهى حيث لم تلتق يوما سوى بحطام خيبتها لأنه لا يكون غالبا ... هناك .
في الشارع كانت الأرجل تنافس بعضها الخطى في إحساس واثق أنها تدين للإسفلت بالتسكع ،مشت هي الأخرى دون أن تفكر في شيء محدد قد يبعد فكرة أن تمطر بغتة عن ذهنها.
أفكار صغيرة ظلت تنط هنا و هناك في رأسها و مع ذلك لم تغادر مجال فكرة أن تبلل رزمة الورق التي تحملها معها في مكان ما من الرغبة في البوح المكتنزة بداخلها ،لن تبوح بكل شيء فربما .... يأتي .
لم تمض سوى دقائق و بضعة شوارع مبللة، حتى طالعتها تلك الواجهة الزجاجية للمقهى حيث تنعكس عدة أضواء و ملامح وألوان ،منبعثة ربما من الأرض حيث زرعت –كالنوايا تقريبا- عدة مصابيح .
لا يهم ،جلست دون انتقاء محدد لمنضدة معينة و انهمكت في تكهنات غير واقعية بالمرة لما قد يحدث أو سيحدث ،لو، أو لن يحدث بالمرة ،أذابت في النهاية قطعة السكر الثانية في الفنجان و ظلت تتابعها وهي تتحلل بهدوء .
لم تعكس رشفتها الأولى بتاتا مدى إحساسها بالانزعاج من بعض النظرات المتلصصة من هنا أو هناك ،ففي عرف متسلط هناك ذكورية مفترضة لبعض الأمكنة وفي نفس ذاك العرف أيضا لا يحدث أن تجلس امرأة وحدها هكذا في مقهى تنتظر شيئا أو شخصا لمجرد خاطرة أو لنزوة تحرشت فيها حواسها ببيت شعر فقط .
ليكن الشعر إذن كل المبررات .. بلا مقدمات ، فمن يدها التي لم تترك بعد ملعقة السكر الصغيرة يمتد سرب استفهامات مبهمة بلا قوافي واضحة إلى بقية النص .كانت تعرف مدى ضيق الأفق بلا تلك الزرقة في الحواشي تلك الزرقة التي تلامس ما لم يخالطه الشك لذلك أشعلت القاعة كلها انتظارا و طلبت خارج السياق -الذي كنت انوي أن أسجنها فيه بسلطة الكتابة على الأقل- من النادل المستعد دوما لخدمتها "فنجانا ..أخر لطاولتها .."
"فنجان أسود بحواشي زرقاء لو أمكن ..."علقت و هي تتابع قطرات مطر عالقة على الواجهة المضاءة أمامها "أكيد لن يأتي ذاك ال "من".. هذا اليوم أيضا ..